قراءة تحليلية للعدوان الصهيوني على قطاع غزة، ورد المقاومة
أغسطس 7, 2022 6:43 ص*أحمد الطناني – غزة:
عمد الاحتلال إلى الإعداد جيداً لضربة غادرة للمقاومة في قطاع غزة، تُوّجت باغتياله لمجموعة من قادة سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، كان أبرزهم القائد تيسير الجعبري قائد المنطقة الشمالية بالسرايا، والقائد البارز خالد منصور الذي استُشهد فجر اليوم في غارة استهدفته في مدينة رفح، جنوبي القطاع.
حاول الاحتلال خطف صورة سريعة لـ”نصر” يرمّم فيه معادلة الردع التي هشّمتها المقاومة عبر جولات الإشتباك المتعددة، حيث سعى إلى تنفيذ اغتيال ناجح بحقّ أبرز قادة سرايا القدس في القطاع، يتلوه جولة سريعة من رد الفعل المقاوم تنتهي وفقها الجولة بتهدئة عبر الوسيط المصري، ويخرج الاحتلال حاملاً صورة الإنتصار التي يحتاجها على المستوى الإستراتيجي، ويحتاجها رئيس وزراءه ووزير جيشه على المستوى الذاتي لتحقيق مآرب إنتخابية في انتخابات الكنيست القادمة.
الغدر والخديعة، سمات مرافقة للاحتلال
تعمّد الاحتلال إرسال رسائل تهدئة وطمأنة لحركة الجهاد الإسلامي عبر الوسطاء في الأيام الأخيرة، ترافقت مع معركة تضليل في الإعلام العبري مارستها أدوات أجهزة الأمن الصهيونية وخطوات ميدانية تؤكد أنّ الاحتلال يرغب بالتهدئة ونزع فتيل التصعيد، تمثّلت أبرزها في إرسال مندوبة دولية لمنزل الأسير القائد (بسّام السعدي) لطمأنة العائلة حول سلامته (حيث أنّ اعتقاله وإصابته أحد أهم أسباب التوتر والتصعيد الحالي)، إضافة للإعلان عن فتح معابر القطاع لإدخال الوقود اللازم لتشغيل محطة الكهرباء.
هذه الإشارات كانت توحي بوضوح بنية الاحتلال خفض التوتر وتجنّب التصعيد، إلا أنّه قد تعمّد تنفيذ مناورة خداع كبرى بهدف ضمان نجاح عمليته الغادرة باغتيال القيادي البارز في سرايا القدس تيسير الجعبري، بعد مدة قصيرة جداً من إرساله لرسائل التهدئة سالفة الذكر، ضارباً بعرض الحائط دور الوسيط المصري ومصداقيته، فالاحتلال لا يهمه سوى مصالحه.
معركة سريعة، بإنجازات برّاقة
أراد الاحتلال معركة وفق حساباته، معركة سريعة يمكن احتواءها مباشرة بعد أول جولة من ردود الفعل للمقاومة، حيث أنّه قد أعدّ نفسه جيداً وفرض إجراءات إغلاق وإخلاء في مستوطنات غلاف غزة، إضافة لنصب بطاريات القبة الحديدية، واختيار توقيت الهجوم قبل يوم السبت مباشرة، وهو يوم الإجازة الرسمية الذي لا يتحرك فيه المستوطنون لأسباب دينية، أي أنّ شوارع الكيان ستكون خالية بكل الأحوال.
رئيس وزراء الاحتلال، ووزير حربه أرادا تحقيق مكاسب آنية ذات بُعد إنتخابي، إلى جانب المكسب الإستراتيجي المرتبط بترميم صورة الردع للكيان، التي تلقّت ضربات كبيرة في السنوات الأخيرة خلال كل جولات المواجهة سواء مع المقاومة في قطاع غزة، أو المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان.
على وجه الخصوص، كان رئيس وزراء الاحتلال (يائير لابيد) يحتاج لإنجاز ذي طبيعة أمنية-عسكرية ليقدّمه للجمهور الصهيوني المتعطش دائماً للدماء الفلسطينية، حيث أنّه (لابيد) يُعاب عليه في الوسط الصهيوني أن لا خلفيه عسكرية له ولا أمنية، وبالتالي فإنّ تحقيق إنجاز على غرار اغتيال أحد أهم قادة المقاومة في غزة في فترة رئاسته القصيرة للحكومة المنهارة (حكومة تسيير الأعمال) تُمثّل نقطة برّاقة في إطار سعيه لأن يكون العنوان الأبرز في (يسار الوسط) بالمشهد السياسي الصهيوني.
المقاومة تُربك حسابات الاحتلال وتخالف التوقعات
لم تندفع المقاومة إلى الرد بعشوائية على جريمة الاحتلال، بل قدرّت الموقف على نحو يعكس إدراك مسؤول لأغراض وأهداف الاحتلال من خلف عملية الإغتيال الجبانة والعدوان المدبّر على قطاع غزة، مع الأخذ بعين الإعتبار بأهمية الحفاظ على الردع الذي حقّقته المقاومة في مواجهة السياسات العدوانية الصهيونية في السنوات الأخيرة.
أخذت المقاومة قرارها بالرد لتؤكد أن لا جريمة تمرّ مرور الكرام، وثمن الجرائم الصهيونية سيكون مئات الصواريخ والقذائف التي تمطر مستوطنات ومدن الاحتلال، وهو رد كان يتوقعه الاحتلال وأعدّ نفسه للتعامل مع سيناريو القصف الصاروخي الكثيف في الساعات الأولى للعملية.
لكن، ما لم يقدّره الاحتلال جيدا، هو أنّ المقاومة ستقرأ المشهد بتأن، ووعي كامل للأهداف التي يريد تحقيقها، سواء على الصعيد الإستراتيجي، أو التكييكي- اللحظي، وفي مقدمته حاجة الاحتلال لأن تكون هذه الجولة من جولات الإشتباك هي جولة سريعة تنتهي مع انتهاء إجازة مستوطنيه لتعود الحياة إلى طبيعتها بالعودة إلى صيغة من صيغ التهدئة مع المقاومة في قطاع غزة.
إنّ شكل وطبيعة إدارة المقاومة لنيرانها وكثافة مقذوفاتها الصاروخية ومديات الإطلاق، تعكس التكتيك الذي انتهجته في الرد، فهي لا تستنزف مخزونها الإستراتيجي في الإطلاق الكثيف المتواصل على مستوطنات ومدن الاحتلال، ولا تستنزف ترسانتها النوعية في الصواريخ ذات المدى البعيد والقوة التفجيرية الكبيرة، بل تدير النيران بطريقة تحافظ على إدامة الإشتباك وإمطار المغتصبات بالصواريخ، دون أن تنجر إلى استنزاف قدراتها في أيام محدودة.
تدلّ طبيعة التوزيع لوجبات الإطلاق الصاروخي من قطاع غزة، أنّ المقاومة اتخذت قراراً بإطالة أمد الجولة الحالية، واستنزاف الاحتلال باستمرار الإغلاق لمدة أطول مما كان يتوقع، وهو ما سيسهم في تشكيل ضغط حقيقي على الجبهة الداخلية للاحتلال إضافة للخسائر الإقتصادية الناشئة عن استمرار الإغلاق، والإستنزاف المستمر لقوات جيش وشرطة الاحتلال المنتشرة على امتداد الأرض المحتلة.
هذا التكتيك يوحي بأنّ المقاومة تدرك طبيعة الجبهة الداخلية للاحتلال، وتعرف مواطن ضعفه، فبالرغم من أن ّالاحتلال قد استعدّ جيداً للجولة الحالية، وسعى لأن يخرج منها بصورة المنتصر، إلا أنّ الصورة قد تنقلب بفضل الإدراك الواعي لقيادة المقاومة بطبيعة إدارتها لمشهد الإشتباك وحرمان الاحتلال من الخروج بالإنجازات التي يريدها، وإفشال مخططاته.
الضفة الغربية والداخل المحتل في قلب الحسابات
يعي كلاً من المقاومة والاحتلال أنّ استمرار المواجهة لأيام أكثر سيكون عاملاً محفّزاً للمقاومين في الضفة المحتلة، وبشكل خاص لحالات المقاومة المتصاعدة في شمال الضفة لاتخاذ مبادرات هجومية تستهدف جيش الاحتلال ومستوطنيه في نقاط التماس المحاذية.
وفي ذات الوقت فإنّ استمرار المواجهة سيشكّل عنواناً للحشد من جديد للفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 لتنظيم فعاليات جماهيرية نصرة لقطاع غزة والمقاومة، ومناهضة للجرائم الاحتلالية المتلاحقة، وهو مشهد سيزيد من استنزاف الجبهة الداخلية للاحتلال، ويعيد إلى أذهان قادته سيناريو المواجهات في الداخل الذي اندلع إبان مواجهة (سيف القدس).
وحدة الساحات، ووحدة المقاومة
ختاما، حسناً فعلت قيادة المقاومة باختيارها لإسم (وحدة الساحات) لعمليات الرد على العدوان الصهيوني في القطاع، فهو يحمل عدة دلالات أبرزها أنّ الاحتلال نفّذ الاغتيال الإجرامي وبدأ عدوانه على القطاع سعياً منه للقضاء على إستراتيجية ترابط الساحات وتكامل الفعل الفلسطيني المقاوم، وهو ما تردّ عليه المقاومة بنيرانها وصواريخها المنطلقة من القطاع لتؤكد على تمسّكها بوحدة الساحات.
راهن الاحتلال على تشتيت قوى المقاومة بإعلانه استهداف حركة الجهاد الإسلامي وذراعها العسكري سرايا القدس، في محاولة للإستفراد فيها وعزلها عن باقي مكونات الفعل المقاوم في القطاع، لكنّ الرد كان من الميدان بتكامل الفعل المقاوم ووحدة أذرع المقاومة في التصدي للاحتلال، وكان أيضاً في المواقف السياسية الصادرة عن مختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني التي أكدت على وحدة المقاومة والشعب في مواجهة الجرائم الصهيونية المتصاعدة.
صحيح أنّ الاحتلال هو من بدأ هذه المعركة، لكنّه لن يتمكن من التحكم لا بطبيعتها ولا بمدتها ولا بطريقة سيرها، وبالتأكيد لن يتحكم بموعد إنهائها، فالقرار الآن هو للمقاومة.
*كاتب فلسطيني
وسوم :
أحمد الطناني, الاحتلال الصهيوني, العدوان الصهيوني على غزة, المقاومة الفلسطينية, المقاومة اللبنانية, تيسير الجعبري, حركة الجهاد الإسلامي, خالد منصور, رفح, سرايا القدس, صمود, غزة, فلسطين المحتلة, وحدة الساحات, يائير لابيد