هذه الأيام الحاسمة..
أغسطس 26, 2022 6:20 ص*أحمد حسن
بغض النظر عن الدوافع المتعددة، والمختلفة، التي وقفت خلف الاجتماع الأخير للقيادتين السياسية والعسكرية لحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” فإنّ ما نجم عنه، بحسب بيانه الختامي، كان خطوة ضرورية ومطلوبة لمواجهة ما يبدو أنّه أيام فلسطينية حاسمة في ظل مؤشرات داخلية وخارجية متقاطعة ومقلقة للغاية.
فإذا كان التقارب التركي مع “إسرائيل”، والذي تعزّز مؤخرا، بإعادة السفراء ليس جديداً لأنّه لم ينقطع عملياً وإقتصادياً أبدا، إلا أنّ تطوّره في هذه المرحلة تحديداً يحمل أخباراً سيئة للفصائل التي ارتمت في الحضن التركي وطوّبت أردوغان خليفة للمسلمين، فهو، وكالعادة، سيقدّمهم كضحايا على مذبح مصالحه المعروفة أو سيقيّد، على الأقل، حركتهم إلى أقصى حد كما فعل مع “إخوانهم” المصريين.
بدوره، وفي سياق مواز يقترب صراع الغاز العالمي من إحراق المنطقة بكاملها، في ظل إصرار الغرب على إخراج الغاز من المتوسط عن طريق “إسرائيل” لتعويض “بعض” من الغاز الروسي لأوروبا، في ما لبنان، أو حزب الله تحديدا، مصرّ على الحصول على حقّه كاملاً وإلا لا استخراج لأحد، وهو مستعد لحرب طاحنة من أجل ذلك، وتلك حرب، إن حصلت، لن تبقى نيرانها بين طرفيها المعلنين فقط بل يُحتمل أن تنخرط بها أطراف إقليمية أخرى لمصالح متشابكة في مكان ومتباينة في آخر.
لكنّ الواقعة الأهم تتمثّل بالأنباء التي تُنذر باقتراب وصول المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني إلى خاتمتها المتوقعة، وتلك أخبار سيئة لكيان يعيش، داخليا، في ظل حكومة ضعيفة تواجه اليوم “استحقاق إنتخابات مبكرة للمرة الخامسة في أقل من أربع سنوات”، بجسد مثقَل بالضربات بعد حربين متتاليتين مع غزة خلال سنة ونصف وتردّد واضح أمام تهديدات حزب الله بشأن غاز المتوسط.
أما في الشق الفلسطيني، فيبدو أنّ حرب خلافة الرئيس محمود عبّاس -“الذي منذ أن تسلّم منصبه في العام 2004، عمل دون هوادة وبشكل علني ضد الإرهاب الفلسطيني”، بحسب محلل سياسي صهيوني- تستعرّ وفي أوار نارها المتّقدة سيحترق الكثيرون من الطامحين “المسلّحين” القابضين على زناد حرب “بسوس” جديدة قد لا تبقي ولا تذر، وذلك وإن كان سيناريو يبقى في مجال الإحتمالات، إلا أنّ ما هو محقّق في الأمر أنّ هؤلاء، وبسبب اضطرارهم لتقديم أوراق ترشّحهم للمحتلّ وليس للشعب –وتلك من مخازي “أوسلو”- سيحرقون الكثير من المقاومين كعربون التزام إنتخابي بـ”التنسيق الأمني” وسيخرقون في طريقهم أيضاً بعض السقوف الفلسطينية “الواطئة” أصلاً إلى ما يناسب، أيضا، المموّل العربي الذي له، بدوره، كلمة في الإنتخابات.
وإذا كان ما سبق يتعلق بالرئاسة وحربها، فإنّ توابع عدم تقيّد “الكيان” بتنفيذ شروط وقف إطلاق النار الأخير مع “الجهاد الإسلامي”، بل إنكار بعضها -الإفراج عن المُعتقلين تحديدا- وتهديد أمينها العام زياد نخّالة بالرد على ذلك بالصواريخ، يعني بالتضافر مع بقية العوامل الداخلية والخارجية أنّ الحرب القادمة أصبحت أقرب من حبل الوريد، ولأنّ الوساطة المصرية قد لا تكون متوفرة هذه المرة احتجاجاً على الاستخفاف الإسرائيلي الأخير، والعلني، بها، فإنّ الحرب القادمة ستكون الأخطر والأشرس مما سبقها من حروب.
بهذا المعنى يأخذ اجتماع “حماس” و”الجهاد الإسلامي” الجديد أهميته البالغة، صورة ومضمونا، بغض النظر، كما أسلفنا، عن الدوافع، علّ هذه الصورة الجامعة ترأب “شرخ التباعد”، ولو النفسي، الذي شهده الجميع في الحرب الأخيرة، وهو “تباعد” لا يمكن نكرانه بالقول إنّه “لا يمكن لأي جهة كانت وبخاصة الاحتلال أن تُحدث أي نوع من الخلاف بين مكونات العمل الوطني المقاوم في الميدان”!، فالواقع يقول إنّه يمكن لجهات عدّة أن تفعل ذلك، وتغيير هذا الواقع هو فعل نضالي كبير، وصورة تحقّقه وإثباته يحضنها الميدان فقط، وإلا سنكون جميعاً أمام مشهد مكرّر لما فعله “ملوك الطوائف” في الأندلس.
بالمحصّلة، هذه أيام حاسمة وهي تحتاج إلى رجال من أشكال مختلفة لكن بالتأكيد ليس على شاكلة “أبي عبدالله الصغير”، ويا لدلالة الأسماء..
*كاتب سوري
وسوم :
أبو عبد الله الصغير, إستخراج الغاز, الإتفاق النووي الإيراني, الإنتخابات الإسرائيلية, التنسيق الأمني, الحرب في غزة, الغاز الروسي, الكيان الصهيوني, الوساطة المصرية, حرب بسوس, حزب الله, زياد نخّالة, صمود, محمود عبّاس, ملوك الطوائف