عن هندسة “العودة” في هذه الجغرافيا الرثّة

التصنيفات : |
أغسطس 30, 2022 7:21 ص

*وسام عبد الله

السمة المشتركة لكل مخيّمات اللاجئين في العالم أنّها مؤقتة ولا تعبّر بأي شكل عن الإستقرار والإستمرارية في الحياة على المدى الطويل، وكل لاجئ خرج من بلده يحمل معه الموروث الثقافي والحلم بالعودة، ليصطدم بالواقع والتحديات وخاصة المرتبطة بمكان السكن والإيواء، فكيف تساهم هندسة العمارة والتصميم في تمكين اللاجئين من المحافظة على حقّ العودة؟.

سردية بناء المخيّمات

إثنا عشر مخيّماً للاجئين الفلسطينيين في لبنان، يمكن أن يشكّل كل واحد منها رواية منفردة، من طريقة بنائه إلى المراحل والتحديات التي مرّ بها. فمخيّم شاتيلا، أُنشئ سنة 1949 على أرض تعود ملكيتها لمغترب لبناني يدعى عبد الله صعب، وكان وكيله القانوني في لبنان سعد الدين باشا شاتيلا، ومعظم سكان المخيّم في حينها جاءوا من  قرى لواء الجليل في شمال فلسطين، حينها قدّم الصليب الأحمر الدولي الشوادر التي شكّلت مكان إيواء للعائلات. في نموذج آخر، مخيّم الرشيدية في جنوب لبنان، الذي كان بالأصل مخيّما للاجئين الأرمن ثم للفلسطينيين سنة 1948، وهو المخيّم الأقرب إلى الحدود الفلسطينية، وشهد الرشيدية توسعاً في فترة الستينيات مع ازدياد عدد السكان.


العمارة الإنسانية

يحتاج التأمل في تصميم المخيّمات الفلسطينية في لبنان إلى الاستعانة بمهندسي العمارة والتصميم والبناء، ليس بهدف ترميم المنازل، وإنّما لخلق فلسفة خاصة بفكرة العودة وبأنّ الإقامة مهما طالت هي مؤقتة، وهذا البعد يساهم في تعزيز انتماء اللاجئ لبلده كما وتمكينه من ممارسة أبسط تفاصيل الحياة اليومية. نحن إذا بحاجة إلى “العمارة الإنسانية” التي تذهب أبعد من الأرقام الهندسية، وترى في النتائج والأثر الذي تخلّفه في المجتمعات اللاجئة والمضيفة معا، وهي التي توصف بأنّها هشّة ومهمشة وفي حال استبعاد متبادل.. فما الفائدة التي يمكن تحقيقها؟.

إنّ إعادة تشكيل المكان/ المخيّمات، هو جزء من ترسيخ حقّ العودة بما يحمله من المحافظة على “روح” المكان الفلسطيني، عبر هندسة البيوت وأشكالها وتصميمها من الداخل

ينعكس شكل المكان وتصميمه على نمط الحياة وسلوك السكان، ففي حالة المخيّمات، هناك حاجة لدور متكامل بين المهندس المعماري واللاجئ عبر تبادل الأفكار للمساعدة في خلق هوية معمارية فلسطينية. هذا الأمر -وهنا الرد على مخاوف التوطين- يساعد على تثبيت فكرة الوطن عند اللاجئ، فلا يكون الحل بالسكن بين أسلاك كهرباء قابلة لقتل من يلمسها ولا بيوت مهددة بالسقوط، بل بصوغ رؤيا بصرية ذات بعد إجتماعي. لذا، فإنّ الحوار مع اللاجئ أساسي، لا يعتمد فقط على خبرة المهندس الأكاديمية والعملية، فالحاجة إلى فهم أنّ إعادة تشكيل المكان/ المخيّمات، هو جزء من ترسيخ حقّ العودة بما يحمله من المحافظة على “روح” المكان الفلسطيني، عبر هندسة البيوت وأشكالها وتصميمها من الداخل، وليس المطلوب شققاً فخمة مع واجهات زجاجية، ولا مقبولاً أن تمثّل أسوء أماكن الإيواء. إنّ المشاركة تعني دخول اليد العاملة الفلسطينية في عملية البناء، لتكون نافذة لتأمين فرص عمل، داخل المخيّمات وفي بيئات للاجئين، فلا تؤثّر على سوق العمل اللبناني وتلغي مخاوف المحذّرين من هيمنتها، بحسب رأيهم. وتبقى المواد جزءاً مهماً من عملية البناء التي تحتاج إلى إدارة ذكية لاستخدام الإمكانيات المتاحة، ومنها إعادة تدوير المخلّفات واستخدامها، فنكون أمام نموذج، مخيّم فلسطيني يوفر اليد العاملة ويحافظ على البيئة ويساهم في هندسة “العودة”. ولكن هل الدولة اللبنانية تساهم في تنفيذ هكذا دراسة عمرانية؟.

لا تقدّم الحكومات اللبنانية المتعاقبة أي تفسير منطقي عن السبب الذي يدفعها لمحاصرة المخيّمات الفلسطينية بمنع اللاجئين من الترميم والبناء

قوانين البناء

تخضع عملية البناء في المخيّمات الفلسطينية إلى مجموعة من القوانين والقرارات التي تشكّل امتداداً لحالة تعطيل مقومات الحياة البديهية للاجئين. فقد أصدر مجلس الوزراء اللبناني في أوائل عام 1997 قراراً يمنع بموجبه إدخال مواد البناء والترميم إلى المخيّمات الفلسطينية دون ترخيص، وأُحيل أمر تنفيذه إلى وزارة الدفاع كون الجيش اللبناني هو المسؤول عن مراقبة وإعطاء الأوامر والتصاريح بشأن إدخال مواد البناء. وفي عام 2004، سمحت الحكومة اللبنانية بإدخال المواد والترميم لمدة ستة أشهر فقط، دون أي توضيح لأسباب السماح ومن ثم المنع. تستتبع مخالفة القرار عقوبة محددة، تتمثّل باعتقال اللاجئ وتحويله إلى إحدى ثكنات الجيش وإخضاعه للتحقيق ليواجه بعد ذلك العقوبة المنصوص عليها في المادة 770 من قانون العقوبات. أما لجهة شراء العقارات، فاللاجئ الفلسطيني ممنوع من التملّك، بموجب القانون رقم 296 الصادر عام 2001، والذي ينصّ على: “لا يجوز تملّك أي حقّ عيني من أي نوع كان لأي شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف، أو لأي شخص إذا كان التملّك يتعارض مع أحكام الدستور لجهة رفض التوطين”.

هذه المبررات غير إنسانية، هكذا يمكن توصيف التشريعات الصادرة عن المؤسسات الرسمية اللبنانية، فلا تقدّم الحكومات اللبنانية المتعاقبة والجهات الحزبية أي تفسير منطقي عن السبب الذي يدفعهم لمحاصرة المخيّمات الفلسطينية بمنع اللاجئين من الترميم والبناء. ويبقى الضغط من المجموعات هو الحل الأنجح، خاصة إن تمّ تشكيل شبكة من المهندسين المعماريين بالتعاون مع المنظمات الدولية ومجموعات من داخل المخيّمات للمتابعة الحثيثة بهدف التأثير على المشرّعين اللبنانيين وتسهيل عمليات البناء داخل المخيّمات بما يضمن سلامة عيش اللاجئ على قيد الأمل بالعودة إلى فلسطين.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , ,