مفاوضات الترسيم تحت النار: مخاوف لبنانية من أفخاخ إسرائيلية وأمريكية

التصنيفات : |
سبتمبر 15, 2022 5:21 ص

*قاسم قصير

تتواصل مفاوضات الترسيم البحري بين لبنان والكيان الصهيوني عبر المبعوث الأمريكي آموس هوكستين في ظل المخاوف المستمرة من إمكانية اندلاع مواجهة قاسية بين حزب الله والجيش الإسرائيلي في حال عدم التوصل إلى اتفاق حول هذا الملف الساخن.

وقد استعاد المبعوث الأمريكي آموس هوكستين نشاطاته من خلال زيارة سريعة للبنان، إلتقى فيها المسؤولين اللبنانيين ومن ثم زيارة الكيان الصهيوني، وإرسال ما سُمّي بـ”الإحداثيات البحرية” حول بعض النقاط التي يطالب العدو الصهيوني بتحديدها من أجل التوصل إلى اتفاق جديد حول الترسيم.

الفخ البحري

ورغم التفاؤل الكبير الذي تحدّث عنه بعض المسؤولين اللبنانيين من إمكانية التوصل إلى هذا الإتفاق في الأسبوعين المقبلين وقبل بدء العدو الصهيوني تصدير الغاز المستخرَج من حقل كاريش، فإنّ العديد من الأوساط اللبنانية المتخصصة بقضايا الترسيم البحري حذّرت من الأفخاخ التي يضعها المبعوث الأمريكي والعدو الصهيوني عبر المطالبة بوضع عوامات بحرية تشبه الخط الأزرق في الحدود البرية، وعبر تغيير بعض النقاط الحدودية البرية المرتبطة بالحدود البحرية أو ما سُمّي بالنقطة b1، وقد نُشرت تقارير عديدة في وسائل الإعلام اللبنانية تحذّر من القبول بهذا الطرح لأنّه سيؤدي إلى خسارة لبنان قسماً من أراضيه البرية والبحرية.

وقد أعدّ الخبير الإستراتيجي العميد المتقاعد أمين حطيط -وهو الذي واكب ترسيم الحدود البرية بعد انسحاب العدو الصهيوني من الجنوب عام 2000- دراسة مهمة حول أداء لبنان بشأن مفاوضات الترسيم البحري خلُصت إلى النقاط التالية:

أولا: إنّ عدم التمسك لا بل التخلي عن المرجعيات القانونية التي يُعتمد عليها دولياً في الترسيم البحري، وهي في الحالة اللبنانية إتفاقية “بوليه – نيوكمب” وإتفاقية الهدنة وقانون البحار والإجتهادات القضائية الدولية.. خطأ كبير.

ثانيا: إنّ القبول بترسيم حدود بحرية غير قانونية لا تستند إلى أي مرتكز قانوني وأقل ما يُقال فيها بأنّها حدود تسووية سياسية واهنة لا قاعدة قانونية تحميها، وهذا هو حال الخط ٢٣ الذي بات كما هو معروف أو متسامع به، هو سقف المطالب اللبنانية وهو خط لا يتصل بالبر ولا يعتمد قاعدة رسم خط الوسط كما ينصّ قانون البحار.

ثالثا: إنّ الإتجاه إلى تجزئة الملف بين حدود إتفاقية غير قانونية وخط أمني أو خط عوامات أو خط أزرق بحري وهي بدعة لا يوجد مثيلها على الكرة الأرضية، وهذه التجزئة تمكّن “إسرائيل” من الحصول على مكاسب أمنية وإقتصادية إنطلاقاً من الإقليم اللبناني.

في حين يؤكد قادة المقاومة على الإستعداد الكامل لخوض مواجهة عسكرية في حال عدم التوصل إلى إتفاق بشأن الترسيم البحري وبدء العدو الصهيوني إستخراج الغاز بدون إتفاق، فإنّ قادة العدو الصهيوني يؤكدون بالمقابل بأنّ الجيش الإسرائيلي سيردّ بقسوة على أي هجوم يشنّه حزب الله والمقاومة الإسلامية ضد محطات التنقيب في البحر

هذه الملاحظات المهمة وغيرها من الدراسات والمواقف التي نُشرت أو تحدّث عنها عدد من المتخصصين في ملف الترسيم البحري، تؤكد خطورة ما يسعى اليه المبعوث الأمريكي آموس هوكستيين والذي يسعى لتحقيق بعض المطالب الإسرائيلية تحت عنوان التوصل السريع إلى نتائج عملية في هذا الملف الساخن.

وأما على الصعيد الميداني، فقد تواصلت التهديدات المتبادلة بين قادة حزب الله والمقاومة الإسلامية من جهة، وقادة الجيش الإسرائيلي من جهة ثانية، ففي حين يؤكد قادة المقاومة على الإستعداد الكامل لخوض مواجهة عسكرية في حال عدم التوصل إلى إتفاق بشأن الترسيم البحري وبدء العدو الصهيوني إستخراج الغاز بدون إتفاق، فإنّ قادة العدو الصهيوني يؤكدون بالمقابل بأنّ الجيش الإسرائيلي سيردّ بقسوة على أي هجوم يشنّه حزب الله والمقاومة الإسلامية ضد محطات التنقيب في البحر.

وبموازة ذلك، تشير كل المعطيات الواردة من جنوب لبنان وشمال فلسطين، بأنّ حزب الله زاد في الأيام الأخيرة من وتيرة الإستعدادات الميدانية لخوض المواجهة مع العدو، وأنّ هناك حالة استنفار كبيرة على الحدود بين لبنان وفلسطين، وقد صدرت تحذيرات عديدة من المخابرات الأمريكية والأجهزة الأمنية الإسرائيلية بأنّ خيار المواجهة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي كبيرة جداً في حال عدم التوصل إلى حل بشأن ترسيم الحدود البحرية.

وقد تزامن كل ذلك مع سجالات كبيرة في لبنان بعد التجديد لقوات الطوارئ الدولية واعتراض لبنان على التغيير بمهمة القوات الدولية، مما دفع بعض القادة اللبنانيين إلى التحذير من خطورة هذا التعديل واضطرار قوات الطوارئ للتأكيد على أنّ مهامها لم تتغير.

وفي الخلاصة، فإنّ المفاوضات المستمرة عبر المبعوث الأمريكي آموس هوكستين حول الترسيم البحري تتمّ حالياً تحت النار وفي أجواء قلقة، خصوصاً أنّ العد العكسي لبدء الإسرائيليين باستخراج الغاز من حقل كاريش، يتقلّص يوما بعد يوم، مما يطرح بعض الأسئلة المهمة: هل سنكون أمام اتفاق ولو مبدئي حول هذا الملف قبل اندلاع المواجهة الكبيرة؟ وهل سيحقّق التحرك الأمريكي نتائج إيجابية؟ أم أنّ خيار المواجهة يتقدّم على الخيارات الأخرى؟.

الأيام المقبلة تتكفّل بالإجابة على هذه الأسئلة الحاسمة.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , ,