مجازر صبرا وشاتيلا في ذاكرة الأيام والمواقف

التصنيفات : |
سبتمبر 16, 2022 6:05 ص

*نسيب شمس

في الذكرى الأربعين، ستبقى مجازر صبرا وشاتيلا وصمة عار كبيرة على جبين “إسرائيل” ومن تعاون معها، ورغم أنّ تقرير لجنة كاهانا الإسرائيلية زعم أنّ مسؤولية “إسرائيل” هي “مسؤولية غير مباشرة” فأنّ التاريخ سيذكر أنّ “إسرائيل” تتحمل كامل المسؤولية وستبقى دماء الضحايا تلاحق القتلة المباشرين وغير المباشرين. أن ننسى.. لن ننسى.

دوى إنفجار كبير عند الساعة الرابعة والدقيقة العاشرة بعد الظهر يوم 14 أيلول/ سبتمبر 1982 في منطقة الأشرفية الواقعة في شرق العاصمة اللبنانية بيروت والتابعة لما يعرف بالقوات اللبنانية، واستهدف الإنفجار بيت الكتائب اللبنانية الذي كان بداخله رئيس الجمهورية اللبنانية المنتخب حديثاً وقتها، بشير الجميل، فأدّى الإنفجار إلى مقتله مع آخرين.

مع طلائع فجر يوم 15 أيلول/ سبتمبر 1982، شنّت القوات الإسرائيلية هجوماً على بيروت الغربية متقدِّمة على خمسة محاور، هي: طريق المطار – ساحة الغبيري، مستديرة شاتيلا – مستديرة الكولا فالفاكهاني، الأوزاعي – الجناح، الرملة البيضاء – سبينس – مار الياس باتجاه كورنيش المزرعة، المتحف – البربير، حيث تمركزت آليات إسرائيلية قرب مستشفى البربير، المرفأ – فتال – ميناء الخشب – الحاج داوود والنورماندي. وقد تصدّت القوات الوطنية اللبنانية واشتبكت مع القوات الإسرائيلية على كافة المحاور وصدرت عدة بيانات عسكرية عن القيادة المركزية للقوات الوطنية اللبنانية (الحركة الوطنية وحركة أمل) أشارت إلى تكبيد العدو خسائر في المعدات والأرواح وإيقاف تقدمه في أكثر من محور. وذكر بيان عسكري للعدو أنّ جنديين قد قُتلا في حين أُصيب 42 آخرين بجراح خلال الإشتباكات.

أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط موريس درايبر بأنّ دخول القوات الإسرائيلية إلى بيروت الغربية يستهدف “تأمين الهدوء والإستقرار” في أعقاب اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب “بشير الجميل” ومنع وقوع أحداث خطيرة محتملة. وذكر الناطق الرسمي باسم الحكومة الإسرائيلية أنّ المبعوث الأمريكي قبل التفسير الأمريكي للعملية العسكرية لكنّه قال: “إنّ عملية اغتيال بشير الجميل عقّدت الوضع بالنسبة لنا، إلا أنّنا سنسير قدماً وبتصميم”.

كان المبعوث الأمريكي قد اجتمع أيضاً بوزير خارجية العدو إسحاق شامير، وقال للصحافيين أنّ بلاده “تنوي التقدّم فعلاً وبذْل كل جهد ممكن لحل الأوضاع في لبنان”. وقال لشامير إنّ المحادثات تناولت “تقييم ما الذي يمكن أن يحدث في لبنان، في أعقاب اغتيال بشير الجميل”، وأضاف: “هناك أهمية لمنع حدوث تطورات غير متوقعة ومنع إراقة الدماء في لبنان”.

في اليوم التالي، واصلت القوات الإسرائيلية تقدّمها نحو عمق بيروت الغربية ووصلت إلى الحمرا والمزرعة والمنارة والمصيطبة والغبيري ومعظم المناطق الأخرى، وفي 17 أيلول/ سبتمبر أكملت اجتياحها لمنطقة بيروت الغربية، وبدأت القيام بحملة مداهمات واعتقالات واسعة شملت حسب الأنباء المتوفرة آنذاك حوالي 1500 شخص. كما قامت بمصادرة كميات كبيرة من الأسلحة في عملية تفتيش شاملة للمنازل في المناطق التي احتلتها. وصرّح وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال أرييل شارون، بعد لقائه موريس درايبر أنّ القوات الإسرائيلية ستبقى حتى يرحل الفدائيون الفلسطينيون الباقون في بيروت. وقال شارون: “إنّ حوالي ألفي فلسطيني مسلحين تسليحاً كاملاً ما زالوا في القطاع المسلم من العاصمة اللبنانية”.

علماً أنّ الدفعة الأخيرة من المقاتلين الفلسطينيين قد غادرت بيروت عبر المرفأ اللبناني متوجهة إلى طرطوس في أواخر آب من العام 1982، وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أعلنت في بيان رسمي لها أنّ نحو 9300 من أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية و2600 من أعضاء جيش التحرير الفلسطيني و3600 جندي سوري غادروا بيروت بين 21 آب/ أغسطس وأول أيلول/ سبتمبر، وأوضحت أنّ هذه الأرقام لا تشمل 175 شخصاً جريحاً نُقلوا إلى اليونان وقبرص.

كما كان رحل رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات (أبو عمار)  إلى أثينا. وكان عرفات طالب في 16 سبتمبر، خلال مؤتمر صحفي عقده في روما، بعودة القوة المتعددة الجنسيات إلى بيروت لتتحمل مسؤولياتها في حماية المدنيين والنساء والأطفال فيها، وقال رداً على سؤال إذا كان أسِف لمغادرة العاصمة اللبنانية: “كلا، إنّني آسف فقط لشيء واحد هو “كلمة الشرف” التي أُعطيت لي من قِبل ثلاث دول كبرى”.

المذبحة

مساء 17 أيلول/سبتمبر 1982، بدأت تتسرّب أنباء عن مذبحة في مخيّم صبرا وشاتيلا جرت خلال اليومين الماضيين، وخلّفت مئات الضحايا من شيوخ وأطفال ونساء. وأجمعت التقديرات على أنّ العدد يفوق الـ1400 شخص من الفلسطينيين واللبنانيين. أشكال القتل كانت متنوعة بين الخناجر والبلطات وإطلاق الرصاص والنسف بالقنابل اليدوية.

فقد بدأت المجزرة بعد ظهر يوم الخميس 16 أيلول/ سبتمبر واستمرت طوال يوم الجمعة، وصباح السبت 18 أيلول/ سبتمبر، وقال الشهود الذين استطاعوا الهرب إنّ القتل كان يشمل كل حيّ حتى الكلاب والهررة والجياد إلخ… وافتُتح بعد احتلال القوات الإسرائيلية لمناطق المخيّم. كما أفادت وكالات الأنباء آنذاك أنّ القوات الإسرائيلية قد اعتقلت ما يزيد على ألف شخص من سكان صبرا وشاتيلا.

وكتب آمنون كابليوك(1): “بدأت المذبحة في الحال، واستمرت أربعين ساعة، دون انقطاع (…) خلال الساعة الأولى قتل المسلحون مئات الأشخاص. وكانوا يطلقون النار على كل ما يتحرك في الأزقة. وقد حطموا أبواب المنازل وصفّوا أسراً بأكملها كانت تتناول العشاء. وقد قُتل بعض الأهالي في أسرّتهم في لباس النوم. كما وُجد في العديد من المساكن، أطفال في الثالثة أو الرابعة من العمر كانوا أيضاً في لباس النوم، تُغطيهم بطانيات ملطخة بالدماء (…)، في حالات عديدة، كان المعتدون يبترون أعضاء ضحاياهم قبل القضاء عليهم. وكانوا يسحقون رؤوس الأطفال والرُضّع على الجدران. نساء وصبايا تمّ اغتصابهن قبل أن يُذبحن بالبلطات. أحيانا، كان الرجال يُجرّون من بيوتهم ليُعدموا جمعياً وعلى عجل في الشارع بالبلطة والسكين، نشر المسلّحون الرعب وأخذوا يبيدون دون تمييز الرجال، والنساء، والأطفال، والشيوخ (…)، لقد عُثر على أيدي نسائية بُترت من المعصم كي يتمكنوا من سرقة المجوهرات”.

وتوالت ردود الفعل:

قالت “إسرائيل” في بيان رسمي تلاه المتحدث باسم وزارة الخارجية إنّ المجزرة “دليل على ما كان يُخشى وقوعه في بيروت لو لم يدخلها الجيش الإسرائيلي، لقد حاولنا منذ أن اكتشفنا أنّ هناك مذبحة تُنفّذ، بجميع الوسائل والإجراءات الممكنة لوقفها والحؤول دون استمرارها بما في ذلك استخدام القوة ضد العناصر المتطرفة من الكتائب”.

– شمعون بيريز، زعيم المعارضة وقتذاك، قال إنّه سيطلب عقد اجتماع للكنسيت لبحث مسألة المجزرة. كما أبرق النائب العمالي يوسي سارير إلى رئيس الوزراء العدو مناحيم بيغن قائلاً إنّه كان على الجيش الإسرائيلي الحؤول دون عمليات القتل وإنّ المسؤولية الرهيبة ستُلقى على “إسرائيل”.

– وطالب حزب “المابام” اليساري باستقالة مناحيم بيغن ووزير دفاعه أرييل شارون ورئيس الأركان رفاييل إيتان. وقال حزب “شينوي” إنّ الوضع في بيروت يتطلب عودة القوة المتعددة الجنسيات اليها. وقال عضو الكنيست “شفوع فاي” إنّه “يتعيّن على “إسرائيل الخروج من دولة يسودها الجنون”. وطالبت حركة “السلام الأن” باستقالة الحكومة.

– قال شارون إنّه يأمل أن تغادر القوات الإسرائيلية بيروت الغربية خلال بضعة أسابيع، وأشار أنّ “الجنود الإسرائيليين سينسحبون خطوة خطوة حيث يتخلّون عن مواقعهم الرئيسية للجيش اللبناني عندما يقترب الجيش منها”. وأضاف شارون أنّه على رغم وفاة بشير الجميل “فإنّ “إسرائيل” ستنجح في إبرام معاهدة سلام مع لبنان لأنّ لدينا ما يكفي من القوة المادية لنستطيع أن نضمن الحصول على السلام الذي نستحقّه”.

– أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بياناً قالت فيه: “لا يمكن اتهام “إسرائيل” بالمسؤولية عن مصرع الجميل إلا من قِبل شخص في غير حالته الطبيعية أو يحاول بخبث بذر بذور الشقاق”.

– أذاعت قيادة القوات اللبنانية بياناً قالت فيه إنّها “تنفي نفياً قاطعاً وجود قواتها في مخيّم صبرا وشاتيلا أو اشتراكها في أية عملية من هذا النوع أو في أية عمليات عسكرية في المنطقة المذكورة”. كما نفى ممثّل القوات اللبنانية نعوم فرح في باريس أيضاً مجمل الأنباء عن اشتراكها في المذبحة.

– نقلت الإذاعة الإسرائيلية نفي قائد الميليشيات الحدودية الرائد سعد حدّاد، حول ما أُذيع بأنّ قواته احتلت مخيّم صبرا وشاتيلا. وأضاف حدّاد بأنّ “لدى قواته تعليمات مشددة بعدم اجتياز نهر الأُوّلي شمال مدينة صيدا متراً واحدا”.

كما احتجّ المبعوث الأمريكي موريس درايبر بشدة، لدى ممثل وزارة الخارجية الإسرائيلي في بيروت مطالباً بأن تتوقف فوراً عمليات إبادة الفلسطينيين.

وجّه “أبو عمار” رسالة إلى الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران يناشده فيها “باسم الدماء الفلسطينية البريئة التدخل فوراً لوقف المذابح الوحشية التي يرتكبها الإسرائيليون في بيروت ولسحب الجيش الإسرائيلي من لبنان”. وأضاف عرفات أنّ “العالم أجمع يتحمل مسؤولية الجرائم التي يقترفها الجيش الإسرائيلي ضد السكان المدنيين في بيروت بالرغم من كل الوعود والضمانات، وانتهاكاً لجميع الإتفاقات المبرمة مع المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي فيليب حبيب”.

وتلقّى عرفات رسالة عاجلة من وزير العلاقات الخارجية الفرنسية كلود شيسون أبلغه فيها عن الاهتمام الذي يوليه الرئيس ميتران شخصياً للموقف في بيروت.

وكان عرفات قد عقد مؤتمراً صحفياً في دمشق حمّل فيه الدول المشاركة في القوة المتعددة الجنسيات في بيروت مسؤولية المذابح التي ارتُكبت ضد الفلسطينيين.

وجّه الرئيس المصري حسني مبارك رسالة عاجلة إلى الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، حثّ فيها الولايات المتحدة على التحرك فوراً لوقف المذبحة الدائرة الآن في مخيّم اللاجئين الفلسطينيين في بيروت”. وطالبه فيها “بتدخل حازم وقاطع” لأنّ الولايات المتحدة “شريك كامل في عملية السلام في الشرق الأوسط ومسؤولة عن ضمان تنفيذ إتفاق بيروت الذي سبق أن قدّمه المبعوث الأمريكي فيليب حبيب”.

أما في واشنطن، فقد أبدى الرئيس الأمريكي رونالد ريغان “هلعه واشمئزازه” تجاه المذبحة و في بيان رسمي صدر عن البيت الأبيض “إنّ المجتمع الدولي يجب أن يقف في وجه مثل هذه المجازر ويتخذ الإجراءات اللازمة لمنعها”. في ما أعربت الحكومة الإيطالية أنّها مستعدة للمشاركة في قوة حفظ سلام دولية لضمان سلامة سكان العاصمة اللبنانية. أما الأمين العام للأمم المتحدة جافييه بيريز دي كويار، فأعرب عن “صدمته وفزعه” من الأنباء عن قتل المدنيين في مخيّمات بيروت الغربية. كما عقد مجلس الأمن الدولي جلسة مشاورات لبحث الموقف في بيروت إثر المذبحة.

ماورائيات المجزرة

في 19 أيلول/ سبتمبر 1982، دخلت وحدات من الجيش اللبناني مخيّم صبرا وشاتيلا بعد أن  غادرته القوات الإسرائيلية. وقد تكشّفت تفاصيل جديدة عن المؤامرة وكيفية حدوثها تقول إنّه بعد احتلال الجيش الإسرائيلي للمخيّم، دخلته بعد ظهر الخميس عناصر عسكرية مسلحة، إختلف الشهود في تحديد هويتها الحقيقية، وبدأت تطلق النار على كل ما يتحرك في المخيّم وعلى ضوء القنابل المضيئة التي أطلقتها القوات الإسرائيلية وحوّلت ليل مخيّم شاتيلا ومنطقة صبرا التابعة له إلى نهار، كانت هذه العناصر تطارد من منزل إلى منزل من بقي حياً في حين لم تسمح القوات الإسرائيلية التي تطوّق المخيّم لأي كان بالخروج منه واستمرت عملية القتل أيضاً طوال يوم الجمعة وصباح السبت، مما أعطى القتلة وقتاً كافياً لإبادة كل ما كان موجوداً داخل دائرة الطوق هذه ونسف المنازل على الجثث والقيام بمحاولات دفن جماعي للتخلص من بعض آثار المذبحة. وأشارت الإحصاءات الأولية إلى أنّ هناك المئات من اللبنانيين بين ضحايا المجزرة.

أصدرت الحكومة الإسرائيلية، بعد اجتماع لها، بياناً جاء فيه: “إنّ أي اتهام مباشر أو غير مباشر لـ”إسرائيل” بالمسؤولية عن مجازر صبرا وشاتيلا هو مجرد “تشهير” بها”. في ما طلب الرئيس الإسرائيلي آنذاك إسحاق نافون من رئيس وزرائه مناحيم بيغن أن يقدّم تقريراً عن المجازر التي جرت في مخيّم اللاجئين الفلسطينيين في بيروت.

قال وزير خارجية العدو إسحاق شامير إنّه يحمّل السلطة اللبنانية مسؤولية رفض الجيش اللبناني التنسيق مع القوات الإسرائيلية، في ما صرّح مصدر مسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية أنّ الجيش الإسرائيلي سمح للكتائب بدخول المخيّم “للبحث عن الإرهابيين”.

قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال رفاييل إيتان، في مؤتمر صحفي عقده قرب المدينة الرياضية في بيروت: “لم يعد هناك إرهابيون في بيروت الغربية، إلا أنّني لا أعرف مع ذلك متى سينسحب الجيش الإسرائيلي فعلياً من هذا القطاع، إذ نكتشف فيه بصفة مستمرة مخابئ أسلحة وذخيرة”. ونفى إيتان مسؤولية جنوده عن المذبحة وتابع: “نحن لا نأمر الكتائب، ولسنا مسؤولين عنهم، فالكتائب لبنانيون ولبنان هو لهم، وهم يتصرفون كما يرون”. وأشار أنّ ميليشيات سعد حدّاد لم يكن لها دخل في المذابح. واتهم المبعوث الأمريكي موريس درايبر ورئيس الحكومة اللبنانية شفيق الوزّان بعرقلة المساعي لإجراء تنسيق مباشر بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي.

صرّح زعيم المعارضة الإسرائيلية  شمعون بيريز أنّه لا يعتقد أنّ الجيش الإسرائيلي أو رئيس الوزراء أو وزير الدفاع مسؤولون عن مجزرة بيروت. وقال بعد اجتماع طارئ لحزب العمل إنّه يدعو بيغن وشارون إلى “الإستقالة، لأنّهما يتحمّلان مسؤولية وزارية عن أمرين: الأول، هو دخول بيروت، والثاني، هو كما قال مسؤول في وزارة الخارجية، لأنّهما سمحا للكتائب بدخول المخيّم للبحث عن الإرهابيين”. وختم بيريز بالقول: “إنّ القوات الإسرائيلية يجب أن تخرج في هذه اللحظة بدون شروط”.

كذلك أصدر حزب العمل الإسرائيلي بياناً طالب فيه شارون وبيغن بالإستقالة، كما طالب عضو الكنيست ودخاي ديتشوفسكي من رئيس الوزراء إقالة وزير دفاعه شارون من منصبه. كذلك قام أعضاء حركة “السلام الآن” بجمع تواقيع عدد من أعضاء الكنيست وعدد كبير من الكتّاب ورجال الفكر على عريضة تطالب الحكومة بالإستقالة.

تجمّع مئات من المتظاهرين، بينهم ممثلون عن الأحزاب السياسية الرئيسية المعارضة ونواب في الكنيست، أمام مقر رئيس الوزراء مناحيم بيغن في القدس احتجاجاً على مذابح بيروت. كما قامت تظاهرة في حيفا وأخرى بالقرب من رأس الناقورة.

أصدرت المؤسسات والشخصيات الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بياناً أعلنت فيه الإضراب يوم 20 أيلول/ سبتمبر واعتبرته يوم حداد قومي “تخليداً لذكرى المذابح التي تعرضّت لها مخيّمات اللاجئين في بيروت الغربية”. كذلك قامت تظاهرة في نابلس أطلق عليها جنود الاحتلال النار بغزارة مما أدى إلى إصابة أحد المتظاهرين.

قال ياسر عرفات، في مؤتمر صحفي عقده في دمشق: “إنّ المذابح التي تشهدها بيروت الغربية خططت لها “إسرائيل” ونفّذتها بينما غطتها الولايات المتحدة الأمريكية تماما”.

وعقد الرئيس السوري حافظ الأسد وأبو عمار اجتماعاً انضم إليه في ما بعد كبار المسؤولين السوريين والفلسطينيين، وأعلن عرفات أنّ الأسد أبلغه في الاجتماع أنّ الحكومة السورية ستوافق على كل قرار يتخذه الفلسطينيون. في ما دعت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية إلى اجتماع طارئ يوم 20 أيلول/ سبتمبر في تونس، لوزراء الخارجية العرب بناءً على طلب منظمة التحرير الفلسطينية للبحث في غزو القوات الإسرائيلية لبيروت والمذابح في المخيّمات الفلسطينية.

قال رئيس الحكومة اللبنانية شفيق الوزّان: “إنّ مجزرة صبرا وشاتيلا أظهرت تقصير العالم”، وطالب بعودة القوات المتعددة الجنسيات “إنّني أحمّل المسؤولية للأمريكيين لأنّهم أعطوا ضمانات خطية بعدم دخول القوات الإسرائيلية إلى بيروت الغربية”. كما استنكر المرشح الرئاسي الشيخ أمين الجميل المجزرة التي حصلت في مخيّم صبرا وشاتيلا، ونفى نفياً قاطعاً أن يكون لحزب الكتائب أي علاقة بها.

عقد اللقاء الوطني الإسلامي اجتماعاً في منزل الرئيس صائب سلام، وصدر عن المجتمعين بياناً استنكر بشدة الاجتياح الاسرائيلي لبيروت الغربية والمجازر الوحشية التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية، وحمّل الولايات المتحدة الأميركية مسؤولية المجازر. في ما أدان الشيخ حسن خالد مفتي الجمهورية اللبنانية الجرائم الإسرائيلية في المخيّمات وحمّل أمريكا وفرنسا وإيطاليا مسؤولية ذلك. وحمّل الرئيس رشيد كرامي السلطة اللبنانية مسؤولية ما يجري من احتلال ومجازر “أوضعها أوراقها” في يد أمريكا.

كما أدان قادة أحزاب وتنظيمات وطنية وحركة “أمل” المجزرة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية الغازية وأعوانها في المخيّمات الفلسطينية، وحمّلوا أمريكا مسؤولية ما يجري منتقدين الصمت العربي، داعين إلى جبهة لبنانية وطنية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي وتأمين جلائه عن لبنان وعاصمته.

وفي بيان سوفياتي رسمي تساءل عما إذا كان ينبغي السماح لـ”إسرائيل” بالبقاء عضواً في المنظمة الدولية. واتهم الجيش الإسرائيلي بارتكاب المجزرة التي ذهب ضحيتها ما يزيد عن 1500 من المدنيين في مخيّم صبرا وشاتيلا.

وصفت رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر، من طوكيو، مذابح صبرا وشاتيلا بالـ”بربرية ولا يمكن تصديقها”، وقالت إنّه “يتعيّن تعنيف القتلة بشدة”. وأدانت الحكومة الإسبانية في بيان لها مذابح المخيّمات في بيروت وقالت بأنّها “عمل بربري”. واتهم بيان صادر عن الحكومة الصينية “إسرائيل” بارتكاب المجازر بحقّ المدنيين الفلسطينيين “بدماء باردة”. وقال قداسة البابا يوحنا بولس الثاني إنّ “المجازر التي ارتُكبت في بيروت ألقت بالإنسانية إلى أسفل الحضيض”.

أما في طهران، فأعلن رئيس الوزراء الإيراني مير حسين موسوي آنذاك، يوم الإثنين في 20 أيلول/سبتمبر 1982 يوم حداد وطني على ضحايا مجازر المخيّمات في بيروت. بينما أدان الرئيس الباكستاني ضياء الحقّ بشدة المذابح التي جرت في بيروت، وقدّم التعازي باسمه وباسم الشعب الباكستاني لعائلات الضحايا.

وفي بيان أصدره الديوان الملكي السعودي، دعا دول العالم وقف المجازر التي ترتكبها “إسرائيل” في بيروت الغربية، وإلى تحمّل مسؤولياتها تجاه العمل الإجرامي الذي يفضح النوايا الإسرائيلية. وبعث الملك فهد برسالة إلى ياسر عرفات وعد فيها بمواصلة الجهود “لردع العدو الغاصب وانسحابه الفوري من الأراضي اللبنانية”. في ما أعرب الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة عن تأثره واستيائه الشديدين حيال “الجريمة البشعة” التي ارتكبتها قوات الغزو الإسرائيلي وحلفاؤها.

وقال بيان صادر بعد جلسة لمجلس الوزراء الأردني إنّ مجزرة المخيّمات الفلسطينية “نُفّذت ضمن خطة محسوبة من قبل القوات الغازية وحلفائها من ميليشيات سعد حدّاد. وصدر عن وزارة الخارجية في الإمارات العربية المتحدة بيان ألقى مسؤولية مجازر المخيّمات على الولايات المتحدة الأمريكية. وألقت وزارة الخارجية في اليمن الشمالية، في بيان لها، مسؤولية المذابح في بيروت على الولايات المتحدة الأمريكية. كما دعت اليمن الديمقراطية الأمم المتحدة لإرسال وفد بصورة عاجلة لإجراء تحقيق في المذابح التي ارتُكبت داخل مخيّم للفلسطينيين في بيروت الغربية. بينما جرت تظاهرة نسائية ضخمة في الكويت احتجاجاً على المجازر التي جرت في بيروت. وسارت المتظاهرات في الشوارع وهن يهتفن بشعارات معادية للولايات المتحدة الأمريكية.

*إعلامي وباحث لبناني

(1) آمنون كابليوك: “تحقيق حول مذبحة صبرا وشاتيلا، العربي للنشر والتوزيع، كانون الثاني/ يناير 1984 – القاهرة (ص 43-44-45).


وسوم :
, , , , , , , , , , , ,