الأبطال الثلاثون، يقرعون بأمعائهم جدران الزنزانة لوقف الاعتقال الإداري

التصنيفات : |
سبتمبر 29, 2022 6:45 ص

*أحمد الطناني – غزة:

“نشرع اليوم بإضراب مفتوح عن الطعام، مطلبنا، هواء نقي، وسماء بلا قضبان، ومساحة حرية، ولقاء عائلي على مائدة”.

بهذه الفقرة إفتتح 30 أسيراً في سجون الاحتلال بيانهم الذي دشّنوا فيه دخولهم في إضراب مفتوح عن الطعام رفضاً لاستمرار اعتقالهم في سجون الاحتلال تحت بند الاعتقال الإداري، في سياسة وصفها الأسرى بأنّها تهدف إلى “سلخهم عن واقعهم الإجتماعي، ودورهم الوطني والإنساني، وتحويلهم لركام”.

يعي الأسرى المضربون تماماً أنّ خطوتهم لن تكون نزهة، وليست مناورة بهدف تحسين شروط الاعتقال، بل هي معركة بكل معنى الكلمة، لن يكون ثمنها فقط الآثار الصحية الناتجة عن الإضراب عن الطعام ومواجهة المعدة لصلف السجان، بل يُضاف عليها سياسات إنتقامية عدوانية ستلجأ إليها إدارة السجون الصهيونية لكسر هذا الإضراب، بوسائل ستتنوع ما بين العزل، مصادرة الاحتياجات الأساسية، التضييق والاعتداء الجسدي، العزل عن كل وسائل الاعلام والتواصل مع العالم الخارجي لعدم إدراك ما يدور، محاولة شق الصفوف ما بين المضربين وتحقيق إختراقات لكسر حلقة وتماسك الإضراب.

أهمية الخطوة النضالية

تقع الأهمية الأساسية للخطوة النضالية الكبيرة التي اتّخذها 30 أسيراً من أسرى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أنّها تنقل حالة الإضرابات الفردية التي سطّر فيها الأسرى بطولات وصموداً أسطورياً في مواجهة الاعتقال الإداري، إلى مستوى جديد، وهو الإضراب الجماعي لكسر حلقة الاعتقال الإداري الإجرامي.

يعي الأسرى جميعاً أنّ الاعتقال الإداري هي سياسة إنتقامية ليست مرتبطة بحدث محدد، مثل تنفيذ عمل كفاحي معين، أو الإنخراط في تشكيلات المقاومة أو قيادتها على غرار التهم التي يحاكم بها الاحتلال المقاومين والمناضلين، بل هي سياسة تهدف إلى حجب مجموعة كبيرة من مناضلي شعبنا عن محيطهم الإجتماعي والجغرافي، ومنعهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، ودون سقف اعتقالي محدد أو حكم له نهاية، بل هو انتقام موجّه لا هدف له سوى تحطيم الشخصية النضالية وتذكيرها الدائم بأنّها ستبقى تحت سطوة الجلاد الصهيوني.

من هذا المنطلق وهذا الوعي المدرك لحجم معركة الردع وكي الوعي التي يحاول الاحتلال تثبيتها في وجدان شعبنا ومناضليه بسياساته الإنتقامية التي يُشكّل الاعتقال الإداري جزءاً منها، اتّخذ الرفاق الأسرى قرارهم بفتح المواجهة مع هذه السياسة التي غابت عنها فلسفة المواجهة الجماعية لصالح مجموعة كبيرة من المواجهات الفردية البطولية.

قرع جدران الخزان “لتتوقف سياسة الاعتقال الإداري”

يقرع المضربون اليوم جدران الخزان بأمعائهم، ليقولوا للاحتلال، ولشعبنا، ولأحرار العالم، إنّ هذه السياسة يجب أن تنتهي، وإنّ الاعتقال الإداري هو أحد أشكال القهر التي يعتمدها الاحتلال بحقّ المناضلين، ومواجهته هي من أولويات النضال الوطني لتحصين شعبنا وحمايته من استمرار سلسلة الاستهداف المركّز الهادف لمنع استنهاض قوى شعبنا وتنظيمهم للإنتفاض في وجه آلة القتل والبطش الصهيوني.

هذه الخطوة التي بدأها الأسرى الـ(30) يجب أن لا تتوقف عندهم، بل يجب أن يُشكّل إضرابهم نقطة الانطلاق لمشروع نضالي كبير، ينخرط فيه كل مستويات الفعل الفلسطيني

هذه الخطوة التي بدأها الأسرى الـ(30) يجب أن لا تتوقف عندهم، بل يجب أن يُشكّل إضرابهم نقطة الانطلاق لمشروع نضالي كبير، ينخرط فيه كل مستويات الفعل الفلسطيني، مسنوداً بحراكات عربية ودولية من أحرار العالم وأصدقاء شعبنا، لملء العالم ضجيجاً بقضية يخترق فيها الاحتلال كل القوانين الدولية والأعراف والمعايير والمواثيق الإنسانية بالاحتجاز التعسفي لقرابة الألف فلسطيني دون أي وجه حق، فقط لرغبة إنتقامية لكيان مجرم يتغذى على عذابات أبناء الشعب الفلسطيني.

يتطلب هذا التحرك إسناداً واسعاً يحمل قضية الاعتقال الإداري لتحويلها لقضية رأي عام دولي، تُستخدم فيها كل وسائل التحرك الشعبي والدبلوماسي الرسمي، والدبلوماسي الشعبي، والقانوني لملاحقة قادة الاحتلال ومحاصرتهم ومحاكمتهم على جريمتهم المستمرة منذ عقود بحقّ الآلاف من الفلسطينيين الذي عانوا من سياسات الاحتلال الإجرامية، وبشكل خاص عمليات الإعدام البطيء والتدمير الممنهج للآلاف من مناضلي الشعب الفلسطيني في غياهب السجون الصهيونية.

الاعتقال الإداري، حقائق وأرقام

الاعتقال الإداري: هو اعتقال بدون تهمه أو محاكمة، يعتمد على ملف سري وأدلة سرية لا يمكن للمعتقل أو محاميه الاطلاع عليها، ويمكن حسب الأوامر العسكرية الصهيونية تجديد أمر الاعتقال الإداري مرات غير محدودة، حيث يتمّ استصدار أمر اعتقال إداري لفترة أقصاها ستة شهور قابلة للتجديد.

شهدت سنوات الاحتلال الأولى ارتفاعاً ملحوظاً في عدد المعتقلين إداريا، في ما ترتفع وتيرة الاعتقال وتنخفض ارتباطاً بالوضع السياسي والميداني في الأراضي الفلسطينية

تستخدم سلطات الاحتلال هذه السياسة بشكل متصاعد منذ السنوات الأولى لاحتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، وشهدت سنوات الاحتلال الأولى ارتفاعاً ملحوظاً في عدد المعتقلين إداريا، في ما ترتفع وتيرة الاعتقال وتنخفض ارتباطاً بالوضع السياسي والميداني في الأراضي الفلسطينية، فكلما شعر الاحتلال بوجود بوادر تحرك إنتفاضي، يعمد إلى توسيع حملات الاعتقال الإداري بشكل كبير جدا.

لا تستهدف سلطات الاحتلال ناشطي المقاومة والتنظيمات بالاعتقال الإداري فقط، بل توسّع دوائر الاستهداف بما يشمل إصدار أوامر اعتقال إداري بحقّ شرائح مختلفة من المجتمع الفلسطيني مثل نشطاء حقوق الإنسان، عمال، طلبة جامعيون، محامون، أمهات معتقلات وتجار، وهم بغالبهم لا تستطيع توجيه تهم محددة لهم، لذلك تعمد إلى استهدافهم بالاعتقال الإداري.

بحسب تقرير لصحيفة “هآرتس” العبرية فإنّ عدد المعتقلين الإداريين في سجون الاحتلال يبلغ 723 معتقلا، وهو العدد الأعلى منذ العام 2008، حيث يُشكّل المعتقلون الإداريون 15% من مجمل الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، أي ضعف نسبتهم في العام 2008، حيث كانت 8%.

تصاعد الاعتقال الإداري وأهمية توقيت الإضراب

يأتي الإضراب في توقيت دقيق لعدة اعتبارات، أهمها أنّها الخطوة الأكبر لمواجهة الاعتقال الإداري المتصاعد بشكل كبير، منذ الخطوة الكبرى بالعام 2014 التي شارك فيها 100 من الأسرى الإداريين في حينه بهدف تقييد عمليات الاعتقال الإداري.

تأتي الخطوة مكملة لسلسلة كبيرة من الإضرابات الفردية البطولية التي خاضها العديد من الأسرى الإداريين لكسر اعتقالهم الإداري ووقف عملية الإحتجاز التعسفي والتمديد المستمر من الاحتلال

تأتي الخطوة مكملة لسلسلة كبيرة من الإضرابات الفردية البطولية التي خاضها العديد من الأسرى الإداريين لكسر اعتقالهم الإداري ووقف عملية الإحتجاز التعسفي والتمديد المستمر من الاحتلال، حيث ساهمت الإضرابات الفردية في زيادة الإيمان بأهمية وضع حد لهذه السياسة الإجرامية، وسلطت الضوء على معاناة الأسرى الإداريين المستمرة، ومهدت الطريق لخطوة أكبر بادر فيها أسرى “الشعبية” على أمل أن تكون شرارة لإضراب شامل لكل المعتقلين الإداريين في سجون الاحتلال بهدف إغلاق هذا الملف مرة واحدة وإلى الأبد.

تأتي خطوة الإضراب في ظرف سياسي وميداني دقيق جدا، حيث تشتعل ساحة الضفة الغربية والقدس بمواجهات يومية، وموسم أعياد صهيوني يتخلله عدد كبير من الإنذارات الساخنة حسب تقديرات المستويات الأمنية الصهيونية، إضافة لدنو موسم الإنتخابات الخامسة للكنيست الصهيوني في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، وبالتالي يحاول الاحتلال قدر الإمكان خفض مؤشرات التصعيد لتمرير محطاته الرئيسية دون المخاطرة باندلاع مواجهة شاملة مع الفلسطينيين.

يُشكّل الإضراب حافزاً للمزيد من الحراك الجماهيري المشتبك مع الاحتلال سواء في الضفة الغربية أو القدس، أو الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، حيث تُشكّل قضية الأسرى أحد أهم قضايا الإجماع الفلسطيني التي تحملها الجماهير الفلسطينية، ويُعتبر عدد الأسرى المضربين وتنوع أعمارهم وأماكن سكنهم، عاملاً داعماً لانطلاق أوسع انخراط في الفعاليات المساندة للإضراب، وهو ما يعني المزيد من الضغط على الاحتلال المُستنزف بفعل عوامل التوتر الموجودة سلفاً في ساحات الضفة والقدس والداخل المحتل.

خاتمة

يُشكّل إضراب الأسرى الـ(30) فرصة مهمة لتبنّي سياسة وطنية مساندة للأسرى بهدف مواجهة الاعتقال الإداري والعمل على إيقافه وإغلاق فصل مؤلم من فصول الإجرام الصهيوني بحقّ أبناء الشعب الفلسطيني، وحتى تتحول هذه الفرصة إلى حقيقة، يحتاج الأسرى المضربين الأبطال للعمل على ثلاثة مستويات رئيسية لتشكيل أوسع حالة إسناد، تبدأ في حلقتها الأولى بالتحرك الشعبي الواسع والشامل لتحقيق أقصى ضغط على الاحتلال الذي يحاول كبح مؤشرات التوتر المتصاعدة في المنطقة، لتمرير مواسمه المهمة دون تصعيد يخلط كل الأوراق في المشهد.

هذا التحرك الشعبي يحتاج، بالمستوى الثاني، لانخراط وإسناد فصائلي ورسمي، يعمل على حمل قضية الاعتقال الإداري وتقديمها إلى أولويات المواجهة وتسخير كل الطاقات الإعلامية والتحشيدية من أجل تسليط الضوء على الإضراب وجريمة الاعتقال الإداري، والتحركات الشعبية الإسنادية.

المستوى الثالث، هو حشد طاقات شعبنا وأصدقاء العالم لنقل قضية الأسرى الفلسطينيين إلى كل محفل وشارع وزقاق في الدول التي تدّعي مساندتها لحقوق الإنسان والتزامها بالمواثيق الدولية، لتشكيل أوسع جبهة دولية تضغط الاحتلال وتسند الأسرى المضربين في معركتهم العادلة.

سيتكلل الإضراب بالنجاح بعزيمة الأسرى المضربين أولا، وبمدى ومستوى الإلتفاف الشعبي الفلسطيني والدولي حولهم وحول مطالبهم بالحرية، فقط الحرية.

المجد للأبطال الصامدين نضال أبو عكر، إيهاب مسعود، عاصم الكعبي، أحمد حجاج، ثائر طه، رامي فضايل، لطفي صلاح، صلاح الحموري، غسان زواهرة، كنعان كنعان، أشرف أبو عرام، غسان كراجة، صالح أبو عليا، عوض كنعان، ليث كسابرة، صالح الجعيدي، باسل مزهر، مجدي الخواجا، جهاد شريتح، هيثم سياج، مصطفى الحسنات، عزمي شريتح، محمد أبو غازي، أحمد الخاروف، نصرالله البرغوثي، محمد فقهاء، تامر الحجوج، رعد شمروخ، زيد القدومي، سنار حمد، والحرية حتماً موعدهم.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,