“الحداية الفلسطينية” تواجه مزاعم السياسيين ومحاولات تنميط الفلسطينيين وتفرض رأي الشارع وموقفه المقاوم

التصنيفات : |
أكتوبر 8, 2022 6:03 ص

*رامي سلّوم

تعكس الأهازيج الشعبية الفلسطينية ومنها (الحداية) التي تُغنى في الأعراس والمناسبات، المزاج الشعبي ورأي الشارع حول القضايا المحلية والعربية، خصوصاً أنّها تُغنى على مرأى ومسمع مئات إن لم يكن آلاف الحاضرين الذين يتناغمون معها ما يدل على انسجامها مع رؤيتهم وتوجهاتهم حول القضايا المطروحة، والتي قد لا توافق الرأي السياسي الرسمي أو التي يعجز عن الإفصاح عنها على أقل تقدير.

والحداية هي واحدة من الفنون الشعبية التي تقوم على المباراة الإرتجالية بين شاعرين حول موضوعات يختارونها للحوار، وتتنوع أبياتها بين محاولة كل شاعر إظهار شاعريته والتقليل من خصمه، والتركيز على سلبياته إن كانت موجودة أو يبتكرها في وقتها، كنوع من الهجاء، وتقوم على براعة الشاعر في الرد على هجوم خصمه ونعوته، والتي تُغنى باللغة الشعبية المحكية.

وتلجأ الحداية أحياناً إلى التعبير عن الآراء السياسية في إطار من المزاح والأسلوب البسيط ومحاولة إسقاط مساوئ وعيوب السياسيين وقراراتهم على الخصم وتشبيهه بأحد الوجوه السياسية، الأمر الذي نجح في إيصال رأي الشارع الحقيقي وردة فعله حول العديد من القضايا السياسية الداخلية والعربية منذ نشأة هذا الفن وحتى اليوم، والتي اهتمت بموضوعات متنوعة أهمها رفض التطبيع وخصوصاً بالنسبة للدول الخليجية، وواقع الانفصال بين فتح وحماس والسلطة الفلسطينية، في ما عدا التحفيز على المقاومة ورفض العمالة، ومحاولة إحياء التراث والعادات القديمة وذكر الخصال الحميدة فيها.

تحفيز النضال

ولعل أيرز المقاطع التي انتشرت على نطاق واسع، وغنّاها الشباب في أنحاء الوطن العربي هي حداية “اضرب اضرب تل أبيب”، التي ألقاها الشاعران شادي البوريني وقاسم النجار وقت الاعتداء الإسرائيلي على غزة عام  2012 و2014.

ونجحت الحداية من خلال الانتشار الكبير في إبراز رأي الشارع العربي إجمالاً وليس الفلسطيني وحده وتحيّزه للمقاومة والتوق لردّ الاعتداءات وضرب الكيان الغاصب والتي جاء في بعض أبياتها:

اضرب تل أبيب اضربها.. والصهيونية أرعبها

يا بتعمر يا منخربها.. اضرب اضرب تل أبيب

وتحمل الحداية الشعرية العديد من المعاني وتُرسل رسائل واضحة باسم الشعب الفلسطيني للأصدقاء والأعداء فها هي تؤكد على واقع النضال من جهة:

لازم تعرف يا محتل.. الفلسطيني ما بينذل    

ما بدنا هدنة ولا حل.. بدنا نقصف تل أبيب

ليردَّ الشاعر الآخر:

اضربهم كتر ضربات.. اشتقنا لصوت الصفارات

بالقدس وحيفا وإيلات.. اضرب اضرب تل أبيب

وعرضت الحداية رأي الشارع الفلسطيني حول ما يُسمى بالثورات العربية، والتوجه لتدمير دول محور المقاومة، وما صدر على أنّه فتاوى من شيوخ ورجال دين تمّ رفعهم إلى مناصب دينية لتفعيل أجندات سياسية

خليج العار

أرسلت الأغنية في وقت حساس للغاية في قلب العملية الإسرائيلية واستبسال المقاومة، رسائل تعبّر عن شعور الشارع الفلسطيني الحقيقي تجاه المواقف العربية المخجلة.

يا عرب الذمّة المأجورة.. خليتو “إسرائيل” أسطورة

هيها من شعبي مذعورة.. اضرب اضرب تل أبيب

ليردَّ عليه شريكه في الحداية:

يا دول الخليج انطمي.. شطورة بعقد القمة

دم الندالة مش دمي .. اضرب اضرب تل أبيب

ثم يعود الشاعر الأول ليوافق شريكه حول الواقع الخليجي المخجل:

الخليج وملياراتو.. شاطر بس بدعم الناتو

ما بتنفعنا تصريحاتو.. بدنا يضرب تل أبيب

وركزت الحداية أيضاً على الفخر بالإنجازات والضربات المحقّقة للمقاومة وخصوصاً إسقاط الطائرة الحربية الإسرائيلية:

عاجل عاجل عالأخبار.. سقّطنا الطيارة بنار

وهيو مفقود الطيار.. واضرب اضرب تل أبيب

وعرضت الحداية رأي الشارع الفلسطيني حول ما يُسمى بالثورات العربية، والتوجه لتدمير دول محور المقاومة، وما صدر على أنّه فتاوى من شيوخ ورجال دين تمّ رفعهم إلى مناصب دينية لتفعيل أجندات سياسية، ردّ عليها الشارع الفلسطيني بجرأة رافضاً فتاوى القتل والتدمير وتقسيم الأمة والمسلمين، ومن الأبيات التي غُنت في أحد الأعراس الفلسطينية:

السلام الإبراهيمي

احتلّ التطبيع مساحة واسعة من أبيات الشعراء الفلسطينيين خلال إحيائهم للحفلات وذلك خارج الإطار السياسي المباشر، حيث اعتمد الشاعر في إحدى المبارزات بين أكرم البوريني وشادي البوريني على تشبيه خصمه بالوزير البحريني الذي استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بقوله:

اسأل كل الحاضرين.. بقولو أنصح تنين

إنتِ ووزير البحرين.. اللي صاير نفطو خربان

كما احتلّت البحرين بوصفها أولى الدول الخليجية التي بدأت مجال التطبيع، ولو أنّها لم تكن أولى الموقّعين ضمن ما يعرف بـ”السلام الإبراهيمي”، مساحة واسعة من أبيات الحداية وتشابيه شعرائها، ليصفَ أحد الشعراء خلال المبارزة خصمه بسيد إمارة التطبيع مرة أخرى مظهراً الفرق بينهما:

أنا وإنت صح اتنين.. الفرق الواضح بفلسطين

إنت معزّب البحرين.. وأنا من يعمل الدخان

وذلك في إشارة إلى المزارعين الفلسطينيين الذين يعملون في زراعة التبغ ويعيشون في ظروف قاسية لكنّها مجبولة بالوطنية.

وفي هجوم مباشر على العمالة، وصف أحد الشعراء خصمه بالعميل بعد تشبيهه بالمطبّعين، وذلك بعد جدال حول ما يُسمى بمشيخة الشعر أو سيده:

أنا شيخ بفلسطين.. على كل الزجالين

أما إنت شيخ البحرين.. يا عميل الأمريكان

“هون حطنا الجمّال”

كان للسعودية نصيب واسع من الاتهامات بفعل ممارساتها في دعم جهات غير وطنية على حساب القضية وصمتها عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي، واتهام الفلسطينيين لها بتسخير أموالها في الاتجاه الخاطئ، وهو ما لم تجرؤ السياسة على ذكره خوفاً من ردة الفعل الإنتقامية، فضلاً عن كون السلطة أحد المتهمين بتلقّي هذه الأموال مقابل سياسة الاستسلام وتجاهل الحقوق التي تنتهجها، ليكونَ محور الجدال بين الشاعرين اتهام كل منهما للآخر بمهادنة المملكة:

وأنا شيخ الغنية.. بالدول العربية

ما إنتِ بالسعودية.. بِسْت الأيادي يا بو فلان

وليردَّ الشاعر بشتم السعودية وولي عهدها بشكل مباشر على وقع تصفيق الحضور، بقوله:

أنا شاعر مية مية.. أقوى منك يا عينيي

يلعن السعودية.. ويحرق مخك يا بن سلمان

ويُعتبر غناء الشاعر في تلك الدول أو سفره إليها مذمّة في حد ذاتها تستحق هجاء خصمه، فقد ردَّ الشاعر على شتم زميله للسعودية:

هذا الحكي ما منجيزا.. من هونا حتى الجيزا

لما رفضولو الفيزا.. صار يشتم بابن سلمان

وفي هجوم آخر على السياسة السعودية يهاجم الشاعر صهيب عمر والده الشاعر عصام عمر ويُشبّهه ببني سعود، ويصف نفطهم والذي يعني به أموالهم بـ”الخربان” بمعنى أنّهم يستخدمونه لأهداف سيئة.

يا بو المهدي يا موعود.. شو عم بتغني وتجود

صاير متل بني سعود.. دولارك نفطك خربان

لينفيَ الشاعر الاتهام عنه بطريقة طريفة من خلال هذه الردّية:

مالهم يابا بني سعود.. هدولة من اللحن الحود

علوا يصبحوا قرود.. وعليهم بخبر كان

ليعودَ صهيب إلى الجدال مستفيداً من استفسار خصمه عن (مالهم يابا بني سعود):

عليهم بدعي يا ربي.. ولا برضى المسبّي

يعني إنتِ اللي بعت الكعبة.. ومين سلّم هالمكان

وبرّر الشاعر جوابه بأسلوب السخرية من الممارسات التي تقوم بها السعودية ضد كل من لا يسير على رُكبها ولا ينفّذ تعليماتها بمنع الحج عنهم، وقطع أموال المساعدات وغيرها من خلال إشارته في نهاية بيته الشعري:

بعدين منبطل نحج.. وبسكروا علينا الخزان

ولم تبتعد الحداية عن المشروع الإماراتي التطبيعي، وما يُعرف بـ”إتفاقيات أبراهام”، وانتهاج الوقاحة في إبراز العلاقة الإماراتية – الإسرائيلية وتوقيع مئات الإتفاقيات في مختلف المجالات

رائدة التطبيع

ولم تبتعد الحداية عن المشروع الإماراتي التطبيعي، وما يُعرف بـ”إتفاقيات أبراهام”، وانتهاج الوقاحة في إبراز العلاقة الإماراتية – الإسرائيلية وتوقيع مئات الإتفاقيات في مختلف المجالات، ليصوّرَ الشاعر خصمه خلال مباراة بين أكرم البوريني وشادي البوريني، مستغرباً وهو يمدح آل نهيان حكّام الإمارات طامعاً بأموالهم وناسياً القضية الفلسطينية، ليشيرَ إلى طمع زميله وعدم التزامه بأي مبادئ، وكأنّه يفضحه بين جمهوره:

مبارح شفتو هوي بالذات.. هوي بأرض الإمارات

تيلمّ شوية ليرات.. بيمدح بآل نهيان

وهنا، اضطُرّ الشاعر لتبرير زياراته لتلك الدول بأنّه يعمل على نشر القضية الفلسطينية من دون تهاون، قائلا:

بغني للقضية.. بكل الدول العربية

وبلبس عكتفي كوفية.. تا ذكّرهن يا بو فلان

وهنا، يبرز دور فن الحداية في تثبيت القضية الوطنية ونشر الوعي الفلسطيني، وتعزيز المبادئ بطريقة فنية رجولية تُلهب الوجدان، حيث نبّه الشاعر خصمه بأن الهوية لا بد أن تبقى فلسطينية وتنطلق من أرض فلسطين التي ترزح تحت الاحتلال، عائداً إلى الأصل والقبيلة وعدم الحاجة لإقناع أو رضا أحد:

الهوية الفلسطينية.. والأصل عنزاوية

يعني الضفة الغربية.. يلي بتتحدا العدوان

الإستقطاب

يرفض الشارع الفلسطيني سياسة الإستقطاب والتحزّبات التي يلحق بها أصحابها طمعاً بمصالحهم الخاصة، وخصوصاً بعد ما سبّبه الإنقسام من تراجعات تراكمية للقضية، وانعكس ذلك بدوره في الأهازيج الشعبية من خلال محاورات الشعراء وقول أحدهم للآخر:

إنتِ شادي البوريني.. دينك ما هو من ديني

إنتِ ماركسي ولينيني.. وبرضو بتلحّن عالإخوان

ليردَّ عليه خصمه محدداً مكانه السياسي بوضوح وفق الرأي والثوابت الفلسطينية البعيدة عن ما أفرزته تلك الأحزاب من التواءات وكراهية، وعن ممارسات السلطة والفصائل في الوقت نفسه، ومدح تأييد أي عمل مقاوم لها، ومن تلك الأبيات:

شو مالك على اليسار.. وعالإخوان بهالمسار

خلينا مع أبو عمار.. ومع النشامى الشجعان

الإنفصال

شكّل الإنفصال الفلسطيني تحولاً خطيراً في الصراع العربي – الإسرائيلي، وبمعزل عن مبررات كل جهة من جهات الإنفصال فلا يبدو الشارع الفلسطيني مقتنعاً بها، بل عارفاً بسياسة المصالح والتوجهات التي تسيّرها.

 فالسلطة التي تريد الاستئثار بالحكم والإنفراد بالقرار وبالتالي حصد الأموال والاستثمارات، على حساب الشارع الفلسطيني ودفن المقاومة حيّة، وتهميشها وردعها من جهة، إلى التبعية الإخوانية لحماس ورغبتها الجامحة في تأسيس دولتها والتي باتت واضحة اليوم من خلال تقلّباتها السياسية وانزلاقها إلى معارك جانبية لا تعنيها، لم تلقَ منها إلا تهجيراً آخر للفلسطينيين وتوريطاً لهم في أعمال سياسية وعسكرية داخل دول اللجوء، من جهة أخرى.

ويعرف الشارع الفلسطيني كيفية شراء تلك الجهات للولاءات ودعم مناصريها بالأموال للبقاء في السلطة.. حيث يعرض الشاعر لذلك في إحدى الحفلات مهاجماً خصمه بقوله:

أنا بعرف شادي يا ناس.. بالضفة بيمدح عباس

وبيمدح هنية وحماس.. بغزة متل الإخوان

ويعود الشاعر لتنبيه خصمه ونصحه مع محاولة التقليل من شأنه أمامه بوصفه من علّمه:

علّمتك وبيشهد أبوك.. تا تطلع حلو السلوك

بعمرك لا تمدح ملوك.. لو بيعبّولك جزدان

ليؤكد الخصم بدوره على موقفه المناصر لوحدة الصف الفلسطيني من دون أن يحاول الإصطفاف مع أي جهة، كونها لن تلقى ترحيب الجمهور وقبوله:

بغزة وضفة الغربية.. اسمع لشادي الغنية

للوحدة الوطنية.. ياما غنّى بالقصدان

كما أكد الشاعر نفسه على موقفه من جميع الأطراف رافضاً اتهامات خصمه بلجوئه إلى مدح كل طرف للحصول على منافع معينة بقوله:

ما فيشي حدا بيرشيني.. اسمي شادي بيعنيني

التراب الفلسطيني.. بفديه بدمي والشريان

بيت القصيد

لم تلبِّ السلطة الفلسطينية تطلعات الفلسطينيين وسط اتهامات واسعة لها بالتعامل مع الإسرائيليين خصوصاً عبر الإتفاق الأمني، ومحاولة السلطة قمع كل تحرك مقاوم، وسلبيتها تجاه حركات المقاومة التي يرى فيها الفلسطينيون اللاجم الحقيقي للهمجية الإسرائيلية، فضلاً عن فشل السلطة السياسي في إبقاء القضية الفلسطينية في الواجهة وما تعرّضت له من تراجع كاد أن يلغيها لولا الملحمات البطولية الأخيرة للمقاومين.

صنعت السلطة تركيبتها الأمنية التي تُنفق عليها وعلى أزلامها بسخاء لضمان ولائهم، بينما يقبع بقية الشعب الفلسطيني تحت خط الفقر، ويعاني من الإضطهاد اليومي.

ورغم التضييق الأمني وسلطة الترهيب التي ينتهجها الأمن الوقائي، فقد كان للسلطة نصيبها في الأهازيج الشعبية

ورغم التضييق الأمني وسلطة الترهيب التي ينتهجها الأمن الوقائي، فقد كان للسلطة نصيبها في الأهازيج بداية من الإتهامات المقصودة لبعضهم بمدح رجال السلطة أو أي جهة متصلة بها، وصولاً إلى محاولة الشاعر ذمّ خصمه بسبب حضوره إحدى المهرجانات في وقت سابق ومدحه قيادة السلطة بقوله:

يا أبو العين العورة.. غطّي حالك والعورة

إنتِ شاعر للثورة.. ولا مدّاح السلطان؟

ليؤكدَ أحد الشعراء في مقام آخر على فساد السلطة ووزرائها بالتوجه لخصمه:

مالو بطنك كالوزير.. بالع 16 أمير

إشي كبير وإشي صغير.. وبالرشوة معبّي الجزدان

تركيا أردوغان

حاول أردوغان ركوب الموجة الفلسطينية وهو صاحب أطيب العلاقات وأولها في المنطقة مع الكيان، فهو يستضيف مطاراً حربياً إسرائيلياً في تركيا نفسها، تنطلق منه عمليات القتل الهمجية الإسرائيلية، فضلاً عن بعده “الإخواني” وما أنهجته سياسته في السنوات الأخيرة من محاولات شقّ الصف الوطني لكل دولة، ضمن أجندة الإخوان المعهودة بالتبعية.

كما حاول “مفبرك” الزعامة في المنطقة الإيحاء بأنّه المسيطر على المنطقة وشعوبها، وبالتالي صاحب الورقة التفاوضية الأعلى لإمساكه بكافة الملفات، وعلى كل من يريد الولوج إلى الملاعب السياسية دفع الثمن هناك عند أردوغان أولا، الأمر الذي يبدو على أنّه لا يوافق الشارع الفلسطيني وقضيته التي تُعتبر من أهم القضايا التي حاول اردوغان امتطاءها، والتي عبّر عنها أحد الأبيات بوصفه:

نادي نادي عالكتاب.. وحياة الله والكتاب

بدي أعمل الانقلاب.. وتصبح متل أردوغان

وذلك ليظهر ضعفه الحقيقي وسيطرته وجماهيريته في بلده أولا.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , ,