حسن سلامة.. قائد الجهاد المقدّس ووالد الأمير الأحمر
أكتوبر 14, 2022 9:45 ص*نسيب شمس
مع انسحاب بني عثمان، ومجيء نذير الغزو البريطاني عام 1918، استيقظ الطفل حسن سلامة البالغ من العمر الست سنوات، واستيقظت قريته القلة، بالقرب من اللّد، على وقع أقدام العدو، وهو في طريقه إلى القدس من جهة الشاطئ المتوسطي، كثرٌ مرّوا من هناك.. السلاجقة، الصليبيون، المصريون والعثمانيون.
كان لليهود إقامة مكثّفة زمن بني عثمان، لكنّهم كانوا في حالة هدوء واستكانة، ومع قدوم عسكر التاج البريطاني والذي شجع الهجرة اليهودية، خاصة بعد تصريح اللورد آرثر بلفور، -في قرية “القلة” لم يسمعوا ببلفور هذا- كان “حسن” ورفاقه، يسمعون حكايا الكبار عن اليهود الغرباء، والغير مؤمنين، ويسمعون النقاش حول الأخبار الآتية من المدن الكبرى، من يافا، من حيفا والقدس.
وفي سنته العاشرة، عندما هاجم البعض من العرب الحي اليهودي في القدس، أبدى حسن حماساً لما حصل، كان يرى الذين يهاجمون اليهود أبطالا، وكان يحلم بأن يصبح واحداً منهم، ويقاتل معهم ضد الغرباء الذين اجتاحوا وطنه، أصبح الجهاد، اللعبة المفضلة لأبناء “القلة”.
سنة 1929، بلغ “حسن” السابعة عشر من العمر، يومها اجتاحت فلسطين موجة من العنف، وسقط عشرات الضحايا في الخليل، وصفد، وقامت الهاغانا الإرهابية مع الجيش البريطاني بالتنكيل بالسكان العرب، وقع الخبر كالصاعقة على حسن سلامة، وترك أثراً كبيراً داخله. وأبدى الشاب اليافع إعجابه بالمحاربين الذي قاتلوا الصهاينة والبريطانيين، وتعهّد قائلاً: “سأقاتلهم على رأس رجالي يوماً ما وسأخوض الحرب”، لكن لم تدق الساعة بعد. فالجماهير والفلاحون كانوا جهلة، وغير مهتمّين بالمعركة السياسية التي تدور في المدن.
كان “حسن” ينتمي إلى الطبقة الأكثر فقراً آنذاك، عائلته متواضعة، لكن مع اندلاع الثورة العربية الكبرى عام 1936 في فلسطين، وانطلاق الدعوات إلى الجهاد، في البلاد، وبدء تأسيس اللجان الوطنية لتنظيم الصفوف لمقاومة الاحتلال، اتّخذ حسن سلامة قرار القتال.
كانت العملية الأولى تفجير السكة الحديدية بين اللّد وحيفا، كانت السكة خط إمداد للجيش البريطاني، عاد سلامة بعد العملية إلى قريته مُصابا، وكان البقاء فيها يشكّل خطراً عليه، فغادر إلى قاعدة الثورة العربية.. دمشق، ملجأ العديد من المهاجرين وقادة العشائر العرب ورجال السياسة المطارَدين من الجيش البريطاني.
بدأت أصوات رجال الدين تلقى آذاناً صاغية، وتساهم في تأليب الفلاحين، فباشروا بالانضمام إلى المجموعات التي شكّلها زعماء القبائل. أدرك حسن سلامة أنّ الوقت المنتظر لأن يكون على رأس مجموعة مقاومة اقترب، وهو يريد أن ينتقم لمجموعته التي قُتلت في عملية تفجير سكة الحديد. ورغم خطورة اعتقاله قرّر العودة الى فلسطين، وقضى عدة أسابيع، وهو يقوم بتجنيد جيشه الخاص، لم يكن وقتذاك قد بلغ الخامسة والعشرين، لكنّه اجتاز الحدود نحو فلسطين مع 30 رجلاً مسلحاً.
استقبلته قريته “القلة” استقبال الأبطال، حيث زار “عارف عبد الرزاق” ووضع نفسه ورجاله تحت تصرفه، فسلّمه مسؤولية مقاطعة اللّد. وعاد إلى “القلة” مركز قيادته، ودعا الشباب للانضمام إليه، فتدفّق عشرات الشباب، وأكثريتهم من الفلاحين.
في السادس والعشرين من عمره، أصبح سلامة أحد قادة الثورة الثورة العربية الكبرى في فلسطين، وأوائل ربيع العام 1936، التقى مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني. وفي العام 1937، هاجم الجيش البريطاني اللجنة العربية العليا واعتقل وحكم بالنفي على أكثر أعضائها، ثم المفتي الحسيني وبمساعدة مجموعة سلامة، أبحر على ظهر باخرة إلى لبنان. وأصبح حسن سلامة على رأس المطلوبين، وأوكلت المخابرات البريطانية مهمة مراقبة سلامة لقائد الهاغاناه جوزيف جاكوبسون. ونجا حسن سلامة من الموت.
وفي أوائل 1939، غادر “حسن” وزوجته ومجموعة من صحبه إلى سوريا، وعاش في خطر متنقلاً ومتخفياً بين لبنان والشام، ثم التحق بشيخه المفتي أمين الحسيني في العراق، حيث دخل الأكاديمية العسكرية وأنهى دورة في قيادة المدرعات، هناك أنجبت زوجته بِكره “علي”، لكنّ سقوط رئيس الوزراء العراقي رشيد علي الكيلاني، جعلته يعود للتخفي والعيش في دمشق. وكان يتابع أخبار المفتي في أوروبا، ثم التحق به في ألمانيا مودعاً زوجته وابنه، حيث قام بالتدرب على القتال قبل أن ينتقل إلى مدرسة لحرب العصابات. وفي 19 أيلول/ سبتمبر 1944، أُنشئت فرقة يهودية داخل الجيش البريطاني بموجب اتفاق ونستون تشرتشل وحاييم وايزمان مما أثار غضب المفتي أمين الحسيني. أرسل المفتي بطلب حسن سلامة، الذي خضع للتدريب المكثف، وتمّ اختياره ومع آخرين، حيث هبطوا بالمظلات مع عملاء ألمان، وبسبب خطأ اعتُقل شخص وضابط ألماني، وانكشف الأمر، ولكنّ حسن سلامة اختفى دون أثر، في اجتيازه الحدود إلى لبنان، ومن ثم التحقت به عائلته.
في العام 1946، تلقّى حسن سلامة برقية “عاد الأب” أي عاد عبد القادر الحسيني، وتلقّى الأمر بالعودة فوراً إلى فلسطين لاستنهاض الهمم، فأسرع وعاد وأقام خفيةً في إحدى القرى، وأستطاع جمع 400 مقاتلاً من مقاطعة اللّد وجهزهم بأسلحة خفيفة، وفي عام 1947، تردد على بيروت بشكل سري لشراء بعض الأسلحة الجديدة، واكتشف نقطة ضعف العدو وهي “الطرقات”.
في 22 كانون الثاني/ يناير 1948، هاجم الفدائيون شاحنات تحمل مواد غذائية، وتمّ القضاء على الحامية اليهودية للقافلة. ويومها ظهر إسحق رابين قائد البالماح، وكان هدف هجومه المحدد حيث استقر حسن سلامة الذي نجا، واستمر بهجماته.
قرّر بن غوريون شنّ الهجوم على مقر المجلس الإسلامي الأعلى، مقر قيادة سلامة، كان هجوماً عنيفاً ودفاعاً أشرس، ونجح العدو بتفجير المقر، لكنّ حسن سلامة نجا مجدداً مجتازاً الحدود إلى دمشق، ومع استشهاد عبد القادر الحسيني، أبلغ “حسن” نبأ موت الحسيني لزوجته… ونظر إلى ابنه علي، وهو في السابعة من عمره، وقال لزوجته باكيا: “إذا قُتلت أنا أيضا، أريد أن يتابع إبني المعركة”. وخرج من دمشق الى فلسطين ليقودَ شعبه الفلسطيني في الجهاد ضد اليهود.
القائد ابن القائد
في 14 أيار/ مايو 1948، أعلن ديفيد بن غوريون قيام “إسرائيل”، لم يستسلم أبو علي حسن سلامة، ودخلت الجيوش العربية، وفي 30 مايو، توجهت وحدة من الأراغون، لاحتلال قرية رأس العين، وهي موقع استراتيجي، فهي مصدر المياه للقدس، كان طليعة العراقيين هناك، تدخّل حسن سلامة، وكان هجومه سريعاً مع جنده الثلاثمائة، ولكن لدى العدو عدد أكبر، واستخدم العدو الهواوين التي أُطلقت، وقتلت ابن عم حسن سلامة، وجرحت أحد أبناء شقيقته، أما أبو علي حسن سلامة فقد اخترقت رئتيه شظايا قذيفة منشارية، ونُقل فوراً إلى مستشفى رام الله حيث استشهد بعد يومين.
وفي الخلاصة يقول زعيم “الإخوان المسلمين” كمال الشريف، في مذكراته، عن واقع ذاك اليوم أنّه “مع موت هذين القائدين، عبد القادر الحسيني وحسن سلامة، انهارت المقاومة الداخلية العربية وفقدت أهم عناصر قوتها: قيادتها”.
وترك ابنه “علي حسن سلامة” وفصل جديد من كتاب المقاومة والجهاد من أجل فلسطين.
*باحث لبناني
وسوم :
إسحق رابين, الإنتداب البريطاني, الثورة العربية 1936, الحاج أمين الحسيني, العدو الصهيوني, الهاغاناه, حرب العصابات, حسن سلامة, رشيد عالي الكيلاني, صمود, علي حسن سلامة, نسيب شمس, وعد بلفور