الأفضل لنا أن نموت في المعركة

التصنيفات : |
أكتوبر 20, 2022 6:24 ص

*أحمد حسن

بعد قطيعة دامت سنوات تربو على العشر وصلت حركة “حماس”، بشقها المقاوم، إلى دمشق لكنّها لم تستطع أن تصل بعد إلى الضفة الغربية رغم “اتفاق الجزائر” الأخير ورغم التطورات العالمية الأخيرة لصالح فلسطين وقضيتها -لو أُحسن استثمارها- سواء تلك المتعلقة بتردي العلاقة بين عاصمة عالمية رئيسية كموسكو و”تل أبيب” على خلفية المواقف المتباينة من الحرب الأوكرانية، أو تلك المتعلقة بتراجع دولة بوزن أستراليا عن اعترافها السابق بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال.

والحال، فإنّ إضاعة الفرص تبدو وكأنّها صفة ثابتة لنا، وكلما لاحت فرصة ما فإنّ الصراعات الداخلية على “الكرسي” “والدولة” و”الكانتون” تلقي بها في سلة المهملات، فحتى محاولة الجزائر الصادقة لإنجاز اتفاق مصالحة فلسطينية تاريخية، والذي أُطلق عليه اسم “إعلان الجزائر”، تبدو  في ظل عدم معالجة أسس الخلاف المعروف، وكأنّها ضائعة في ظل حقيقة أنّ هذا “الاتفاق”، وعلى غرار اتفاق أوسلو الشهير، يحتاج إلى عشرات الاتفاقيات الأخرى لتفسيره وتنفيذه، وكأنّما كان المقصود من قِبل أطراف محددة ومعروفة أن يولد هذا “الجنين” ميتاً وأن تقف “المشاركة” الفلسطينية فيه عند حدود إرضاء الجزائر وحفظ ماء وجه العرب في قمتهم القادمة.

بيد أنّ التجارب السابقة تؤكد أنّ أحداً ما، وخاصة في الداخل، لم يعد يراهن على السياسة والاتفاقيات الإعلامية بين الأخوة الأعداء في فلسطين، وأنّ الرهان الجدّي الوحيد ليس إلا على رجال قيل لهم بالأمس توقفوا عما تفعلونه فإنّ “إسرائيل” وضعتكم على قائمة الاغتيال فقالوا: “إذا كان هناك شيء، فالأفضل لنا أن نموت في المعركة”، وذلك تحديداً ما قاله تنظيم “عرين الأسود” الذي وضع أنموذجه العملي والصادق وعملياته الميدانية الشجاعة مقولة “دارتانيان” ورفاقه الشهيرة في رواية لـ”ألكسندر دوماس”: “الكل للواحد والواحد للكل” موضع التطبيق حين تسابق شباب مخيّم شعفاط لحلق رؤوسهم على الصفر “متشبّهين بالفدائي المطارَد عدي التميمي، بهدف منع قوات الاحتلال من التعرف إليه واعتقاله”.

إنّ “عرين الأسود” كفصيل مقاوم “أصبحت تُهدّد أمن “إسرائيل” واستقرار السلطة الفلسطينية أكثر من جميع الفصائل

ذلك هو الفعل الفلسطيني الذي لن يتابع حراك “حماس” في دمشق -رغم أهميته- بالزخم السابق، ولن يتعب ذاته في فهم بنود “إعلان الجزائر” وانتظار، أو تتبع، خطوات تنفيذها المستحيلة، ولن يتراجع، بالتأكيد، تحت ثقل وطأة التنسيق الأمني للسلطة مع المحتّل فهو، أي الفعل المقاوم، أصبح يتمدد في عموم الضفة الغربية، مستلهماً تجربة “الأسود”، منهكاً العدو إلى درجة غير مسبوقة، وذلك هو الفعل الفلسطيني الذي تخشاه “تل أبيب” وتتهيّب تبعاته لا العسكرية فقط، بل الشعبية، وذلك هو الأهم، من خلال إصرار هذا الفصيل المقاوم “على بثّ حالة وعي نضالي في الشارع الفلسطيني، ونموذجها المترفّع عن الفصائليّة، والذي يتبنّى عقيدة وحيدة: قتال الاحتلال”، على ما كتب أحمد العبد، وذلك هو “الفعل” الذي يخشاه المحتّل أكثر من أي شيء آخر خاصة مع ازدياد مظاهر التفاف الحاضنة الجماهيرية حول هذا الخيار الأمر الذي حدا بـ”القناة 13″ العبرية إلى اعتبار أنّ “عرين الأسود” كفصيل مقاوم “أصبحت تُهدّد أمن “إسرائيل” واستقرار السلطة الفلسطينية أكثر من جميع الفصائل”.

هذا هو الشعب الذي يعرف جيداً أنّه بين الاحتلال المباشر وغير المباشر، عبر الأدوات والعملاء والراكضين خلف سلطة هنا و”كانتون” هناك، “فالأفضل لنا أن نموت في ساحة المعركة”، وهذا هو الشعب الذي سينتصر ولا أحد سواه.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , ,