ما الجديد في مقابلة “عباس” الأخيرة؟

التصنيفات : |
نوفمبر 16, 2022 9:04 ص

*أحمد حسن

في العمق لم يأتِ الرئيس الفلسطيني محمود عباس بجديد في مقابلته التي أجراها أخيراً مع قناة تلفزيونية مصرية، وهي للمناسبة أول مقابلة إعلامية علنية تُجرى معه منذ خمس سنوات، حيث كرّر كل مواقفه السابقة المعروفة عنه سواء إيمانه المطلق بأنّ “السلام لن يأتيَ إلا من خلال المفاوضات والمفاوضات فقط”، أو شروطه الملغومة للمصالحة الوطنية أو إجراء الانتخابات الفلسطينية المؤجلة، أو حتى عتبه المعهود واللطيف على الوسيط الأمريكي في عملية السلام، مع التنويه بأنّه استثنى هذه المرة تكرار تهديده الشهير، والإعلامي طبعا، بالانسحاب من التنسيق الأمني مع “إسرائيل” ما لم..

والرجل الذي أعلن في المقابلة أنّ نتنياهو “ليس رجلاً يؤمن بالسلام” مع الفلسطينيين، منحه في اللحظة ذاتها نقطة تفوّق حين قال إنّه “سيضطر للتعامل معه حتى إذا كانت احتمالات محادثات السلام ضئيلة”، وهذا ما يعني في علم المفاوضات التخلي عن ورقة هامة في توقيت لا داعي له، أو البدء في السباق وأنت متخلّف بأمتار عن خصمك المعروف، وتلك هي قصة أوسلو وكواليسها حرفيا.

بيد أنّه لم يكتفِ بذلك، فالرجل الذي لم يؤمن يوماً بالكفاح المسلح أراد تأطير عدم إيمانه بذلك ضمن بنود “الواقعية السياسية”، فاكتشف أنّ “فتح” لم يكن لديها مع بداياتها أواخر خمسينيات القرن الماضي، خيار آخر سوى العمل الفدائي والكفاح المسلح، لكن اليوم تغيرت الآليات، وأصبح من غير الممكن استخدام الكفاح المسلح وأصبحنا بحاجة لاستخدام السياسة، وبعد قيام منظمة التحرير أصبح لدينا رؤية سياسية وبعد أن اعترفت المنظمة بالشرعية الدولية أصبح من واجبنا أن نتعامل مع الشرعية الدولية!.

الرجل لا يريد من المصالحة سوى جرّ “حماس”، ومن يماثلها، إلى موقفه التفاوضي التاريخي، فعلياً لا مجازيا، وبالتالي لا يستطيع، موضوعيا، أن يُجري انتخابات يعرف أنّها لن تؤدي سوى لخسارة “خطه” كما يُقال

بهذا الفهم للنضال الوطني كان من الطبيعي أن يقوم عباس -وبعد أن تقدّم خطوة وطنية في كشفه عن “جهات دولية لا تريد المصالحة بين الفلسطينيين” دون أن يُسميها طبعا- بربط هذه المصالحة باحترام حركة حماس “الشرعية الدولية”، والجميع يعرف أنّ “الشرعية الدولية” عنده لا تعني سوى واشنطن وشركائها، وهذا ما يرفع الستار عن المضمر أو المسكوت عنه في خطابه السياسي، فالرجل لا يريد من المصالحة سوى جرّ “حماس”، ومن يماثلها، إلى موقفه التفاوضي التاريخي، فعلياً لا مجازيا، وبالتالي لا يستطيع، موضوعيا، أن يُجري انتخابات يعرف أنّها لن تؤدي سوى لخسارة “خطه” كما يُقال، لذلك يتمسك بقوة، في المقابلة وخارجها، بالحبل الذي قدّمته له “إسرائيل” ذاتها حين رفضت إجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس الشرقية، كطوق نجاة يُبقيه في سدة السلطة رغم انتهاء مدته القانونية، لأنّ التصويت “في القدس الشرقية شرط لا تراجع عنه مقابل استعداده لإجراء انتخابات” كما يقول!.

إنّه يسلّم بكل ما يحدث، وذلك هو محمود عباس منذ أن كان بجانب الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، رجل أوسلو الأول، ورجل “المفاوضات.. المفاوضات” كما قال مؤخراً من على منبر الأمم المتحدة

والحقّ فإنّ هذا المسار “العباسي” كان واضحاً في المقابلة بمجملها، فعلى سبيل المثال ورغم انتقاده المحقّ لدور الوساطة الذي تلعبه الولايات المتحدة في عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية، قائلاً في المقابلة: “منذ أن وضعت الولايات المتحدة يدها في ملف فلسطين، لم نتقدّم خطوة واحدة إلى الأمام”، إلا أنّه لم يتحدث عن أي خيار آخر. إنّه يسلّم بكل ما يحدث، وذلك هو محمود عباس منذ أن كان بجانب الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، رجل أوسلو الأول، ورجل “المفاوضات.. المفاوضات” كما قال مؤخراً من على منبر الأمم المتحدة.

بهذا المعنى كان من الطبيعي أن يتحوّل “رجل المفاوضات” هذا إلى محلّل سياسي ليخبرنا أنّه بالرغم من انحياز الحكومة الأمريكية لـ”إسرائيل” إلا أنّ العديد من الأمريكيين لا يقبلون موقف أمريكا، واليهود الأمريكيون منذ عام أو عامين يقولون إنّ “إسرائيل” تميل نحو العنصرية. 90% من المعابد اليهودية في أمريكا لا تؤمن بسياسة “إسرائيل”، لكن ما فاته أن يقوله لنا كرجل دولة وكرئيس لفلسطين هو: كيف يمكن له أن يستغل هذا الأمر؟، وما هي الخطط والإجراءات التي يقوم بها لذلك؟!.

خلاصة القول، هذا هو عباس الذي نعرفه، ويمكن لنقطتين اثنتين في المقابلة أن تلخصا لنا موقفه التاريخي بحق، أولهما، قوله: “سنتخذ خطوات نحو العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. سنواصل بغض النظر عن الضغوط التي نواجهها لأنّ لدينا قضية ولن نتلقى أوامر من أحد”، وثانيهما، اعترافه بأنّه شخصياً “يستخدم الأسلوب السياسي والمقاومة الشعبية السلمية المقبولة من كل الأطراف”.

فإذا كان الأمر الأول، الذي “لن يتلقى فيه أمراً من أحد”، ليس أكثر من معركة جانبية رغم أهميتها وستكون نتيجة طبيعية للتحرير الحقيقي دون من أحد، وبالتالي لا يبدو طرحها اليوم سوى عملية إلهاء وتبديد للطاقات الفلسطينية، فالأمر الثاني لا يبدو أنّ سؤال عباس فيه عن هوية “كل الأطراف” هؤلاء نافعا، وهو المحمّل بتجربته التفاوضية الطويلة معهم والتي تخسر فلسطين، في ظلها، جزءاً من أرضها مع مطلع كل شمس.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , ,