الغاز الفلسطيني بين الأطماع الإسرائيلية والوساطة المصرية: التحرير أولاً
ديسمبر 5, 2022 11:24 ص*سنان حسن
أعاد توقيع لبنان اتفاقاً مع العدو الإسرائيلي عبر الوسيط الأمريكي لاستثمار حقول النفط والغاز في البحر المتوسط، ملف استثمار النفط والغاز الفلسطيني إلى الواجهة من جديد بعد سنوات من المراوحة في المكان في ظل رفض الاحتلال أي فكرة لاستفادة الفلسطينيين من ثرواتهم الطبيعية، حيث كان الكشف عن مفاوضات بين مصر والسلطة الفلسطينية لاستثمار حقل “غزة مارين” قبالة سواحل غزة الحدث الأبرز في ذلك، الأمر الذي طرح العديد من الأسئلة حول توقيت هذا الإعلان، فهل يمكن أن يمر الاتفاق في ظل التعنت الإسرائيلي المستمر الرافض لاستفادة الفلسطينيين من مقدراتهم النفطية والغازية؟، وما علاقة ذلك بأزمة الطاقة العالمية المتفاقمة إبان الحرب الروسية – الأوكرانية؟، وهل يمكن أن يشكّل اتفاق لبنان و”إسرائيل” بوابة لاتفاق مماثل مع الفلسطينيين؟.
على مدى عقدين من الزمن، وبالتحديد منذ اتفاق أوسلو حاولت السلطة الفلسطينية تفعيل ملف استثمار الموارد الطبيعية، حيث أعلنت في عام 2014 لأول مرة عن طرح غطاء دولي للتنقيب عن النفط في مناطق بين قلقيلية ورام الله بالضفة الغربية واقعة ضمن المنطقة “ج” الخاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، بناءً على دراسات تقديرية أجرتها بالتعاون مع جهات استشارية عالمية مختصة، ولكن لم تُكتب لهذه المحاولة النجاح في ظل الرفض الإسرائيلي لها، علماً أنّه يحقّ للسلطة الفلسطينية وفق خبراء قانونيين رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية من أجل المطالبة بحقوقها المائية لكون فلسطين أصبحت، منذ عام 2012، تحظى بصفة “دولة مراقبة” غير عضو في الأمم المتحدة، ولكن هل ستنصاع “إسرائيل” لتنفيذ القرارات التي ستصدر عن محكمة العدل الدولية أو عن غيرها من المنظمات والمؤسسات الأممية؟ بالتأكيد لا. واليوم تعود السلطة الفلسطينية عن طريق شركة “إيجاس” الحكومية المصرية لتفعيل ملف استثمار حقول النفط والغاز قبالة سواحل غزة، حيث أكدت الحكومة الفلسطينية في رام الله أنّ “إسرائيل” كيان محتل وليست طرفاً في التطوير، وبالتالي ليس لها عوائد مالية، وعلاقتها بملف الغاز تتحدد من خلال اتصالات مع القنوات الرسمية الخاصة بالسلطة الفلسطينية ومصر”. ما يعني أنّ كل المفاوضات ستنصدم بالنهاية بالجدار الإسرائيلي وتعود إلى نقط الصفر إلا في حال تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية كما حدث في الملف اللبناني، فما علاقة مصر بكل ذلك؟.
مصر على خط النفط
يُّعد الدور المصري في تثبيت التهدئة في قطاع غزة دوراً محورياً ورئيسياً من خلال التوسط بين فصائل المقاومة والاحتلال مع اندلاع أي مواجهة بين الطرفين، حيث استطاعت القاهرة بعلاقتها مع جميع الأطراف تحقيق نوع من التهدئة المستدامة على الرغم من الجولات التي تندلع بين الفينة والأخرى بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني، كما أنّ العلاقة المميزة مع السلطة الفلسطينية تمنحها هامشاً كبيراً للمضي قدماً في تحقيق اختراق ما على صعيد الاستثمار في الغاز الفلسطيني ولاسيما في الحقول البحرية المجاورة للمناطق الاقتصادية التي تعمل بها شركاتها، مستفيدة أيضاً من أزمة الطاقة العالمية التي ولّدتها الحرب الروسية – الأوكرانية والحاجة الملحة لأوروبا لتأمين بدائل عن الغاز الروسي، هذا عدا عن أنّ القاهرة عضو فعال في تحالف غازي يضم اليونان وقبرص إضافة لـ”إسرائيل”، وبالتالي كل هذه العوامل تجعلها تدفع باتجاه رعاية اتفاق إسرائيلي – فلسطيني للاستكشاف والتنقيب عن الغاز من بوابة شركاتها الحكومية. ولكن ماذا عن رأي المقاومة الفلسطينية في كل ذلك؟.
على خطى لبنان
لقد شكّل الانتصار السياسي الذي حقّقته المقاومة اللبنانية في حماية حقوق لبنان في الاتفاق الذي أبرمته حكومته مع العدو الإسرائيلي فرصة للحديث والمقارنة عن دور فصائل المقاومة الفلسطينية في تثبيت معادلات جديدة مع “إسرائيل” في ملف استثمار الثروات النفطية والغازية، ولكن غاب عن ذهن هؤلاء أنّ المقارنة بين فلسطين ولبنان غير صحيحة نهائيا، فلبنان يفاوض وهو دولة كاملة السيادة استطاع بفضل مقاومته تحرير أرضه من الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي المعادلة التي فرضتها المقاومة اللبنانية في ردع العدو لا يمكن تطبيقها في فلسطين الخاضعة بمعظمها لسيطرة الاحتلال الصهيوني، فحتى قطاع غزة يعيش في ظل حصار خانق تفرضه “إسرائيل” منذ سنوات، وبالتالي فإنّ الأولويات مختلفة لدى المقاومة الفلسطينية حيث تأتي عملية تحرير الأرض وتطهيرها من دنس الاحتلال الإسرائيلي أولوية بالنسبة لها حاليا، أما موضوع الاستثمار والتنقيب عن الغاز والنفط فإنّه يأتي في مرحلة لاحقة للتحرير كما هو الحال في لبنان اليوم.
الملف معقد بالتأكيد، لكنّ وضعه على رأس جدول الأعمال الداهمة يبدو قضية هامة جداً لفلسطين وشعبها في ظل الحصار والضيق الاقتصادي، وذلك أمر يحتاج إلى مقاربة موحدة من السلطة والمقاومة وهذا ما يفترض بالجميع التعالي عن الخلافات المعروفة لصالح المستقبل فهل يفعلها الفلسطينيون؟!.
*كاتب سوري
وسوم :
اتفاق النفط والغاز, الأطماع الإسرائيلية, التحرير, التنقيب عن النفط, الحصار الاقتصادي, الحقوق الفلسطينية, الحقول البحرية, العدو الصهيوني, المقاومة الفلسطينية, الوساطة الأمريكية, الوساطة المصرية, حقل غزة مارين, سنان حسن, شركة إيجاس, صمود, فلسطين المحتلة