الترانسفير الجديد.. خطة “سموتريتش” لحسم الصراع الصهيوني مع الفلسطينيين

التصنيفات : |
ديسمبر 16, 2022 8:55 ص

*أحمد الطناني – غزة:

منذ إعلان نتائج انتخابات الكنيست الـ25 واتضاح أوزان الكتل الانتخابية داخل الكنيست، حازت قائمة “الصهيونية الدينية” على كل الأضواء بعد حصولها على 14 مقعداً حوّلتها إلى الكتلة الثانية الأكبر في الائتلاف الحكومي الجديد الذي يقوده “بنيامين نتنياهو”.

قائمة “الصهيونية الدينية” هي تحالف بين ثلاثة أحزاب يمينية متشددة هي: حزب “تكوما” (أو الاتحاد القومي) والذي يترأسه بتسلائيل سموتريتش حيث حصل على 7 مقاعد من ضمن 14 مقعدا، وحزب “قوة يهودية” (عوتسما يهوديت) والذي يترأسه بن غفير وحصل على 6 مقاعد من ضمن 14 مقعدا، وحزب “نوعم” برئاسة آفي معوز وحصل على مقعد واحد.

يُعتبر الاتحاد القومي “تكوما” التيار الأكثر تطرفاً داخل “الصهيونية الدينية”، وهو التيار الحردلي، والحردلية هي تيار يجمع ما بين ثلاث هويات هي: سياسيا، هو تيار صهيوني.. دينيا، هو تيار متزمت جداً ويستند إلى التوراة كمصدر تشريع شبه وحيد وثقافيا، هو منغلق جداً معادٍ لقيم الحداثة والمساواة واحترام الآخر ويرفض الاختلاط بين الجنسين وفي العديد من تصرفاته يبدو سلفياً يحاكي أسلوب حياة اليهود القدماء.

ملامح مسيرة سموتريتش

يُعد سموتريتش، النجم الشاب الذي تقدّم لقيادة حزب “تكوما” بعد ترأسه على مدى عقدين (1999-2019) (أوري أريئيل)، الذي تنحّى وحلّ مكانه سموتريتش، ويُعرف كقائد استيطاني عمل في فترة سابقة كرئيس القوى البشرية في مجلس المستوطنات، وكان من مؤسسي جمعية رغافيم التي تُعنى بتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية، كما سبق أن اعُتقل في العام 2005 وتمّ إرساله إلى سجن عسقلان مدة ثلاثة أسابيع بتهمة التحريض وإغلاق الطرق في أثناء الانسحاب من قطاع غزة.

يتبنى سموتريتش أطروحات متطرفة عدة في التعامل مع القضية الفلسطينية، تهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على أبرز بنود رؤيته الرئيسية لشكل “خطة الحسم” الذي يقدمها كرؤية لإنهاء “الصراع” ما بين الحركة الصهيونية والشعب الفلسطيني.

حسم الصراع

يقدّم سموتريتش رؤيته باعتبارها خطة “واقعية وجيوسياسية واستراتيجية” معتبراً أنّها نِتاج تحليل للواقع وجذوره، ويدّعي أنّها مدعّمة بالافتراضات الواقعية والتاريخية والديمقراطية والأمنية والسياسية، ويرى أنّها تمثّل الحل الوحيد الذي له “قيمة حقيقية” بالمقارنة مع جميع الحلول المقترحة.

بحسب سموتريتش، فإنّ أساس اقتراحه هو تغيير بمقدار مائة وثمانين درجة عما فكّر فيه الساسة الصهاينة في العقود الأخيرة، ويرى أنّها تتطلب إعادة التفكير بشجاعة، مُعللاً بأنّ معظم الخطط السياسية من اليسار واليمين التي تمّ اقتراحها في السنوات الأخيرة تقدم “حلولا” تُديم الصراع وتدفع الجميع لمواصلة إدارته لقرن آخر.

يقدّم برنامجه باعتباره يعالج جوهر “المشكلة”، متطرقاً لجذور الصراع وجذر فشل جميع “الحلول السياسية” في الماضي والمستقبل، ويقدّمها سموتريتش قائلاً “لا يهم ما هي الخريطة التي يرسمها مفكرو البرامج السياسية المختلفة -حتى على ما يعرف بـ”اليمين”، لأنّ شارون كان لديه خريطة، ولدى أولمرت خريطة، وربما لدى نتنياهو أيضاً خريطة– ما سيكون هو اللاسلام هنا ما دام مفهوم الأصل الذي يقصده هذا البلد وارد في جواره ويتمّ التخلي عن مجموعتين متضاربتين في الطموحات الوطنية. إذا كان هذا هو الحال، فسيتعيّن على أحفادنا وأحفادهم أيضاً الاستمرار في العيش بحد السيف”.

يرى سموتريتش أنّ الأساس في الخلاف هو في وجود طموحين قوميين متعارضين في الأرض “المتنازع عليها”، وهذا الواقع يظهر أنّه لا يمكن الحفاظ عليهما معاً

يرى سموتريتش أنّ الأساس في الخلاف هو في وجود طموحين قوميين متعارضين في الأرض “المتنازع عليها”، وهذا الواقع يظهر أنّه لا يمكن الحفاظ عليهما معا، مستكملاً أنّ التناقض رئيسي ومتأصل في تطور مفهوم “الشعب الفلسطيني”، معتبراً أنّ “الشعب الفلسطيني” ليس سوى حركة مضادة للحركة الصهيونية، وأنّ هذا هو جوهرها.

ينكر سموتريتش وجود “فلسطين” أصلا، معتبراً أنّها “أمة” ” لم تكن موجودة قبل المشروع الصهيوني، وأنّ “فلسطين” كانت الإسم الجغرافي لهذه القطعة من الأرض ولا شيء آخر.

مضيفاً أنّ استمرار وجود “تطلّعين قومييْن متعارضين في قطعة أرض صغيرة” سيضمن سنوات عديدة أخرى من الدماء والحياة على السيف، فقط عندما يتخلى أحد الطرفين، عن طيب خاطر أو بالضرورة، عن تحقيق طموحه القومي، سوف يتحقّق السلام، وسيكون من الممكن هنا أن يعيش حياة من التعايش، متبعاً ذلك بـ”أنّ اليهود، لن يتنازلوا عن طموحهم القومي في إقامة دولة مستقلة في هذه الأرض، الدولة اليهودية الوحيدة في العالم. لهذا السبب فإنّ من يجب أن يتخلى عن التطلع إلى تحقيق هويته القومية هنا هو الجانب العربي”.

يقدّم الغرض من خطته بأنّها لم تعد تدير صراعاً مستمراً متفاوت الشدة، ولكن تحسمه بدون مزيد من الارتباك والحلول التجميلية، معالجة جذور المشكلة حتى نهايتها، معتبراً أنّ “إسرائيل” طوال سنوات وجودها هربت من لمس هذه الجذور ولن يكون من السهل تغيير هذا النموذج. حيث يرى أنّ الاستمرار في إدارة الصراع يقوّض موقف “إسرائيل” ومصالحها المهمة، ويسبب أضراراً لا يمكن إصلاحها، معتبراً أنّه قد يكون من الصعب فهم خطة “الحسم” في البداية، لكنّ “ضرورتها وحتميتها، سيؤدي في النهاية إلى تبنّيها من قِبل المجتمع الإسرائيلي والمجتمع الدولي.

يرى سموتريتش أنّه لا فرق جوهري بين طرحه وبين الخطة السياسية لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، فيُعرِّف نتنياهو الكيان العربي الذي يسعى الفلسطينيون إلى إقامته على أنّه “دولة غير مكتملة”، مما يعكس حقيقة أنّه لا ينوي، السماح لهذا الكيان السياسي بامتلاك جيش ومراقبة الحدود، الجو والبحر والفضاء الإلكتروني، أي أنّه طالما بلا حدود وسيادة فإنّ ذلك الكيان ليس دولة حقيقية.

يعتبر سموتريتش أنّ المعركة على “الأمل” هي أساس في حسم الصراع، معتبراً  القول “إنّ اللجوء للعنف من الفلسطينيين ينبع من اليأس” كذبة، فالمقاومة تنبع من “الأمل”، الأمل في إضعاف الكيان، وأنّ المقاومة تأمل في تحقيق إنجازات يمكن من خلالها إضعاف المجتمع “الإسرائيلي” وإجباره على الموافقة على إقامة دولة فلسطينية عربية

المعركة على “الأمل”

يعتبر سموتريتش أنّ المعركة على “الأمل” هي أساس في حسم الصراع، معتبراً  القول “إنّ اللجوء للعنف من الفلسطينيين ينبع من اليأس” كذبة، فالمقاومة تنبع من “الأمل”، الأمل في إضعاف الكيان، وأنّ المقاومة تأمل في تحقيق إنجازات يمكن من خلالها إضعاف المجتمع “الإسرائيلي” وإجباره على الموافقة على إقامة دولة فلسطينية عربية، مضيفاً أنّه حتى الإستشهاديين الذين يفجرون أنفسهم لا يعملون من فراغ، ولكن من أجل “قضية نبيلة” على طريقتهم الخاصة، معتبراً أنّه يجب أن لا يكون هناك هدف، أو تشكيل قناعة بأنّه غير مجد، مما يعني أنّ الدوافع ستنخفض وتنهي المقاومة تدريجيا، وبناءً عليه فإنّ أي حل يجب أن يقوم على أساس تدمير الطموح لتحقيق الأمل القومي العربي بين الأردن والبحر.

حيث يعتبر سموتريتش أنّ أي كينونة سياسية فلسطينية ستساهم في تنمية “الأمل القومي الفلسطيني” وهو ما سيعني تصعيد المقاومة وزيادة فعلها، معتبراً أنّ “القضم الزاحف في قرار تخصيص أراضٍ للفلسطينيين لم ينبع من اعتبارات العدالة، بل من الخضوع للعنف العربي”.

في ما يرى أنّ الخطوة الأولى في محاربة الأمل تكمن في صدور تصريح “إسرائيلي” لا لُبس فيه للعرب والعالم أجمع بأنّ دولة فلسطينية لن تقوم، وأن يتمّ ذلك بالأفعال وبشكل أساسي تطبيق “السيادة الإسرائيلية” الكاملة على أراضي الضفة الغربية، وقرار استيطاني يتضمن إقامة مدن ومستوطنات جديدة في عمق المنطقة وجلب مئات الآلاف من المستوطنين الإضافيين للعيش فيها، وهو ما سيوضح للعرب والعالم أجمع أنّ الواقع لا رجوع فيه، وأنّ الحلم العربي بإقامة دولة قد تحطم مرة واحدة وإلى الأبد، على اعتبار أنّ القرار بالوجود الاستيطاني يهدف إلى حرق وعي العرب والعالم أجمع بعدم وجود فرصة لإقامة دولة عربية.

يحدد سموتريتش للفلسطينيين خيارات محدودة في رؤيته، أولها لمن يقبل التخلي عن تحقيق تطلعاته القومية، حيث سيسمح لهم بالبقاء والعيش كأفراد في “الدولة اليهودية”، ولكن وفق نموذج إقامة يتضمن الإدارة الذاتية للحياة المجتمعية، إلى جانب الحقوق والواجبات الخاصة

تقسيم الفلسطينيين والقضاء على أي تمثيل سياسي

يحدد سموتريتش للفلسطينيين خيارات محدودة في رؤيته، أولها لمن يقبل التخلي عن تحقيق تطلعاته القومية، حيث سيسمح لهم بالبقاء والعيش كأفراد في “الدولة اليهودية”، ولكن وفق نموذج إقامة يتضمن الإدارة الذاتية للحياة المجتمعية، إلى جانب الحقوق والواجبات الخاصة.

يخصّص للفلسطينيين شكلاً لإدارة حياتهم اليومية بأنفسهم أولاً من خلال إدارات بلدية إقليمية (خالية من الخصائص الوطنية) والتي سيكونون قادرين أيضاً على التصويت لها، وهذه الإدارات سيكون لها علاقات اقتصادية وغيرها من العلاقات المتبادلة في ما بينهم.

وارتباطاً بسلوك هذه “البلديات” سينظّم علاقتها في ما بعد مع السلطات المختلفة في الكيان الصهيوني، ولاحقا، مع تقدّم العملية واستيعابها، وبناءً على معايير الولاء والخدمة العسكرية أو الوطنية، سيكون من الممكن دمج نماذج الإقامة، وحتى المواطنة.

يقترح سموتريتش تقسيم الحكم الذاتي لفلسطينيي الضفة الغربية إلى ست حكومات بلدية إقليمية سيتمّ انتخابها في الخليل وبيت لحم ورام الله وأريحا ونابلس وجنين، دافعاً بأنّ هذه التقسيمة “تتلاءم مع التركيبة الثقافية والقبلية للمجتمع العربي، مما يضمن السلام الداخلي والازدهار الاقتصادي”.

يدّعي سوميترتش في رؤيته أنّ “عرب الخليل ليسوا مثل عرب رام الله، هؤلاء ليسوا مثل عرب نابلس، والآخرون ليسوا مثل عرب أريحا، حتى لهجة اللغة العربية تختلف من منطقة إلى أخرى”. في ما يعتبر أنّ الانقسام إلى حكومات بلدية إقليمية سيؤدي إلى تفتيت المجتمع الوطني الفلسطيني والتطلعات إلى تحقيقه، لكنّه في الوقت نفسه سيحافظ أيضاً على الانقسام العشائري – العشائري وبالتالي يسمح بنظام مستقر لإدارة الحياة اليومية.

يُذكّر سموتريتش أنّ البدائل أسوأ بكثير: إنشاء دولة فلسطينية من شأنه أن يعرّض للخطر وجود الكيان “الإسرائيلي”، ومنح حقوق التصويت الكاملة والفورية للفلسطينيين سيخلق عجزاً يهودياً كبيرا، من مكونات “إسرائيل”.

يقدّم سموتريتش بديلاً للفلسطينيين الذين سيجدون صعوبة في التخلي عن تحقيق تطلعاتهم القومية، بدفعهم للخروج من الأراضي المحتلة إلى واحدة من الدول العربية المحيطة، أو السعي لمستقبل في أوروبا وأمريكا الجنوبية أو دول أخرى

الترانسفير الجديد

يقدّم سموتريتش بديلاً للفلسطينيين الذين سيجدون صعوبة في التخلي عن تحقيق تطلعاتهم القومية، بدفعهم للخروج من الأراضي المحتلة إلى واحدة من الدول العربية المحيطة، أو السعي لمستقبل في أوروبا وأمريكا الجنوبية أو دول أخرى.
مقترحاً تقديم تسهيلات كبيرة لكل من يرغب بالهجرة، بل وحتى تقديم تحفيزات مادية واتفاقيات دولية مع دول تستقبل اللاجئين الفلسطينيين بأكبر التسهيلات الممكنة، بحيث نكون أمام نماذج هجرة جديدة تجهزها “إسرائيل” بديلاً عن الهجرة بالقوارب المتهالكة، بل بالظاهرة الحديثة الشائعة المتمثّلة في ركوب طائرة، “الانتقال” إلى البلدان والاستيعاب في بيئة يوجد فيها في الغالب “مجتمع من المهاجرين”.

مُذكراً أنّ نشأة الصهيونية كانت من التبادل السكاني: الهجرة الجماعية لليهود من الدول العربية وأوروبا إلى الأراضي المحتلة، “طوعا أو قسرا”، في ما المطلوب استكمال الخطوة ورحيل جماهير من العرب الذين عاشوا هنا -طوعا أو قسرا- إلى الفضاء العربي المحيط. وهو ما يعتبره استكمال لخطوة تاريخية لم تكتمل.. (إحياء مخطط الترانسفير الصهيوني).

أما من لا يقبل بأي خيار من الخيارات التي وضعها سموتريتش، فهو يرى بوضوح أنّ التعامل معهم يجب أن يكون بحسمٍ من قِبل جيش الاحتلال، واستخدام أقصى درجات القوة والإجرام في فرض هذه الرؤية.

خلاصة:

تمثّل رؤية سموتريتش إحياءً لمشروع “الترانسفير” الصهيوني ومتكاملاً مع خطط ترحيل الفلسطينيين التي قامت بها الميليشيات الصهيونية، ومن بعدها حكومة “إسرائيل”، من أجل ترحيل أكبر عدد ممكن من السكان غير اليهود بهدف الحفاظ على يهودية الكيان الإسرائيلي.

الأساس أن تكون المواجهة بذات شكل مواجهة مشروع “الترانسفير” الصهيوني التاريخي، حيث سقطت رصاصات مقاومين فلسطينيين من الجبهة الشعبية على أحد أبرز روادها “رحبعام زئيفي” الذي شكّل حزبه جزءاً رئيسياً من حزب “تكوما” الذي ينتمي إليه سموتريتش.

هذه الخطة، التي يبدو أنّ رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو سيمررها ولو جزئياً ولن يعمل جدياً على الحد منها أو مواجهتها سعياً لاستقرار ائتلافه الحكومي، تتطلب مواجهة فلسطينية حقيقية بمقدار الخطر الذي تشكّله هذه الأطروحات الصهيونية التصفوية.

فالأساس أن تكون المواجهة بذات شكل مواجهة مشروع “الترانسفير” الصهيوني التاريخي، حيث سقطت رصاصات مقاومين فلسطينيين من الجبهة الشعبية على أحد أبرز روادها “رحبعام زئيفي” الذي شكّل حزبه جزءاً رئيسياً من حزب “تكوما” الذي ينتمي إليه سموتريتش.

إنّ تصعيد المقاومة واستعادة المؤسسات الوطنية الفلسطينية التمثيلية وفي مقدمتها منظمة التحرير باعتبارها أداة التحرير وليس ممراً للحلول الاستسلامية والهبوط بالسقف السياسي الفلسطيني وسط تصاعد في التطرف الصهيوني الساعي للقضاء على أي حضور فلسطيني.

بالتأكيد، إن صمود الشعب الفلسطيني في أرضه يمثّل الاستثمار الوطني الأمثل، وهو ما يتطلب دعم هذا الصمود في خطة وطنية عاجلة، تتضمن مواجهة حقيقية وفاعلة للتمدد الاستيطاني، وتحويل المعركة على الأرض إلى استنزاف للاحتلال عبر تصعيد المواجهة مع كل التجمعات الاستيطانية، ورفع تكلفتها، مما يجعل مخطط الضم وابتلاع الأراضي مخططاً مكلفا.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , , ,