حكومة نتنياهو الجديدة.. مأزق إسرائيلي أم فرصة فلسطينية؟!

التصنيفات : |
ديسمبر 27, 2022 8:03 ص

*سنان حسن

عاد بنيامين نتنياهو مرة أخرى إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، بعد انتخابات خامسة في ظرف أربع سنوات تمكّن خلالها من تحقيق أغلبية في الكنيست خوّلته تشكيل حكومة يمينية خالصة، تُعد وفق مراقبين الأكثر تطرفاً في تاريخ الكيان الصهيوني، وعلى الرغم من أنّ “بيبي” يعلم أنّ حكومته الائتلافية تضم شخصيات غير مرحب بها داخلياً ولا حتى دوليا، إلا أنّه يصر في كل تصريح يدلي به على أنّه يُمسك بزمام الأمور ولن يسمح لأحد أن يعطل مسار حكومته، فهل يقدر بالفعل على ذلك، أم أنّ طموحات وأهداف إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، شريكيه في الائتلاف الحكومي ستكون أكبر منه ومن تاريخه السياسي؟، ماذا عن السلام مع الفلسطينيين.. هل سيستمر في رفض أي مسار تفاوضي معهم؟، وهل سيجنّبه رهانه على التطبيع مع دول الخليج وما تبقى من عرب، الانتقاد في هذه الحالة؟، وكيف سيواجه حملات الكراهية الداخلية والغربية عموماً والأمريكية خصوصاً التي تهاجمه وتهاجم حكومته اليمينية؟.

منذ اللحظة الأولى لصدور نتائج انتخابات الكنيست  تهاجم القوى والأحزاب الإسرائيلية التحالف الذي يقوده بنيامين نتنياهو وتصفه بأنّه الأكثر تطرفاً في تاريخ الكيان والأخطر على مستقبل “إسرائيل” برمته، وهذا ما أشار إليه رئيس كيان العدو إسحاق هرتسوغ في كتاب تمديد التكليف لـ”نتنياهو” عندما دعاه إلى أن تكون “الحكومة التي سيتمّ تشكيلها تعمل من أجل الشعب بأكمله في “إسرائيل””، في حين كان رئيس الوزراء المنتهية ولايته يائير لابيد قاسياً في توجيه الانتقاد للحكومة الجديدة عندما وصفها بالـ”مجنونة”، متابعاً “نتنياهو ضعيف ويتمّ ابتزازه من قِبل شركاء أصغر سناً وأكثر تصميما”، بدوره كان رئيس الأركان السابق غادي أيزنكوت أكثر وضوحاً عندما توقّع بأنّ “الإسرائيليين سيخرجون في تظاهرات مليونية في حال حدثت  تغييرات جوهرية في النظام السياسي الإسرائيلي”.

بينما يرى مؤيدو هذه التشكيلة الحكومية أنّ الوضع في الكيان يعتبر فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في كل جيل لإعادة تشكيل “إسرائيل” في صورتها الدينية المحافظة للغاية، يقول محللون وسياسيون معارضون إنّ الوضع يسير نحو الجحيم فالانقسام يتعزز في كل الطبقات، الحريديم والعلمانيين، واليسار واليمين، والعرب واليهود..

إذا، الجميع يُحذّر في “إسرائيل” من الحكومة الجديدة ويعود ذلك إلى أسباب عدة، منها القوانين التي يتمّ تغييرها وفق الاتفاق بين نتنياهو وبن غفير وسموتريتش قبل أن تؤديَ الحكومة اليمين الدستورية أمام الكنيست في خطوة بيّنت عدم الثقة ببقية الأحزاب المتحالفة معه، وأظهرت بشكل واضح أنّه منصاع بالمطلق إلى طلبات شركائه مقابل العودة مجدداً إلى الحكومة، ولعل أخطر هذه القوانين هو ما يمس جيش الدفاع الإسرائيلي والذي سيتمّ بموجبه تعزيز مكانة الحاخام العسكري الرئيسي، عبر شرعنة منصبه في نصّ القانون، الأمر الذي سيضع الجيش في حقل من الألغام الموقوتة، تبدأ عند الأصولية الدينية المسيطرة على المؤسسة العسكرية حيث يتغلغل المتدينون اليهود في الجيش الإسرائيلي ويصلون إلى مناصب عليا، وتجنيد النساء (يفرض الكيان الإسرائيلي خدمة عسكرية إجبارية للنساء اللواتي بلغن 18 سنة من العمر لحوالي الـ24 شهر أي سنتين)، ولا تنتهي عند العمل في أيام العطل اليهودية.. والأمر لم يتوقف عند الجيش بل وصل إلى الشرطة التي تعززت سلطة بن غفير عليها وعلى حرس الحدود ولا سيما في الضفة الغربية، في حين أعلنت أكثر من 50 سلطة محلية في “إسرائيل” أنّها لن تتعاون مع سياسة رئيس حزب “نوعم” آفي ماعوز الخاصة بالمناهج التعليمية. أما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش فقد تعهّد بتطبيق الشريعة اليهودية في سياساته.

إنّها دوامة مثيرة، فبينما يرى مؤيدو هذه التشكيلة الحكومية أنّ الوضع في الكيان يعتبر فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في كل جيل لإعادة تشكيل “إسرائيل” في صورتها الدينية المحافظة للغاية، يقول محللون وسياسيون معارضون إنّ الوضع يسير نحو الجحيم فالانقسام يتعزز في كل الطبقات، الحريديم والعلمانيين، واليسار واليمين، والعرب واليهود، فعلى ماذا يراهن نتنياهو بعد كل ما تقدّم؟.

إعدام “حل الدولتين”

وإذا كان ذلك هو حال  الداخل الإسرائيلي، فإنّ فرص استئناف عملية السلام المزعومة مع الفلسطينيين تبدو في ظل التشكيلة الوزارية اليمينية بعيدة المنال، فنتنياهو وقبل تشكيل ائتلافه كان يرفض أي فكرة لحل على أساس الدولتين، فكيف وقد أصبحت القضية كلها اليوم بيد غلاة المتطرفين الصهاينة الذين لم يخفوا لحظة واحدة نيّاتهم تجاه الفلسطينيين سواء داخل الخط الأخضر أم خارجه؟. وهكذا وجد الفلسطينيون (سلطة أوسلو) في عودة نتنياهو للسلطة عودة إلى التوتر وانقطاع العلاقات والتواصل بين الطرفين، وبالنسبة لفصائل المقاومة فهي ترى أنّ الوضع لن يتغير، لأنّ الجميع في كيان الاحتلال يسعى إلى قتل وتهجير الفلسطينيين، وبالتالي فالمواجهة ستبقى مستمرة مع الكيان وأجهزته ومخابراته حتى التحرير واستعادة الأرض والمقدسات من البحر إلى النهر.

أما عربياً وإسلاميا، يرى نتنياهو أنّ تعزيز التطبيع مع الدول العربية والإسلامية سيعزز من أسهمه في “إسرائيل” وسيغطي على جميع عيوب حكومته اليمينية، وبالفعل فقد ذكرت وسائل إعلام صهيونية وعالمية أنّ الاتصالات قد بدأت بالفعل بين نتنياهو وقادة عرب وهذا ما كشفته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية عن اتّصالات متقدّمة بين نتنياهو وولي العهد السعودي برعاية أمريكية من أجل التوصّل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين الطرفين، ولكن هل يكفي ذلك لوقف حملات الكراهية التي يشنها الإعلام الإسرائيلي والغربي على نتنياهو وحكومته اليمينية؟.

ما يعني أنّ حكومة نتنياهو الجديدة ستكون في صدام حتمي مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ومرد ذلك قلق محللين أمريكيين من البرامج والخطط والخطوات التي تقدّمها أحزاب الائتلاف

لقد كان مفاجئاً أن تشن صحيفة بحجم “نيويورك تايمز” هجوماً لاذعاً على حكومة نتنياهو الجديدة إذ وصف مقال لهيئة التحرير هذه الحكومة بأنّها “تشكّل خطراً على مستقبل “إسرائيل” وتوجُّهها وأمنها وحتى لفكرة موطن يهودي”، في حين ذكر موقع “أكسيوس” الأمريكي أنّ سفير الولايات المتحدة لدى “إسرائيل” توم نيدز حثّ إدارة الرئيس جو بايدن على “اتباع نهج أكثر حذراً ودقة مع الحكومة الإسرائيلية المقبلة”، أما صحيفة “الفاينانشال تايمز” وفي تقرير لجيمس شوتر فقد رأت أنّ “جزءاً كبيراً من الضجة المُثارة حول الحكومة الجديدة يتركز على اثنين من القوميين المتطرفين لهما تاريخ من الخطاب الاستفزازي المناهض للعرب، وهما إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش”. ما يعني أنّ حكومة نتنياهو الجديدة ستكون في صدام حتمي مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ومرد ذلك قلق محللين أمريكيين من البرامج والخطط والخطوات التي تقدّمها أحزاب الائتلاف، فكيف سيعبر نتنياهو بهذا المأزق في ظل وجود الإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض والتي يحفل تاريخه معها بالكثير من التوتر في ظل إدارة الرئيس الأسبق باارك أوباما وكان بايدن حينها نائباً للرئيس؟.

قد يسجّل نتنياهو نفسه بين القادة التاريخيين للكيان المحتل بكونه أكثر السياسيين حضوراً في رئاسة الحكومة وتشكيله الحكومة السادسة، إلا أنّ وصوله هذه المرة إلى مكتب رئاسة الحكومة يحمل الكثير من التحديات الكبيرة داخلياً وإقليمياً ودولياً ولعل التحدي الداخلي هو الأخطر والأدق من حيث وصول مستوطنينين متطرفين “بن غفير– سموتريتش” أُدينوا بقضايا إرهاب إلى مواقع قيادية حساسة “الجيش والأمن والشرطة والتعليم والمالية”، فهل سيستطيع نتنياهو العبور بالحكومة ووضعها في خدمة أحلامه ونرجسيته السياسية أم أنّها ستكون بداية النهاية لمستقبل أكثر قادة “إسرائيل” تولياً لحقيبة رئاسة الحكومة، والأهم هل سيستغل الفلسطينيون بصورة أو بأخرى هذا الرفض العالمي لحكومته لمصلحة قضيتهم؟.. لننتظر ونرى.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , ,