المرأة الفلسطينية بمخيّم عين الحلوة في مواجهة مع الزواج المبكر والتمييز الجنسي والعنف الأسري  

التصنيفات : |
ديسمبر 28, 2022 10:42 ص

*وفيق هوّاري – صمود:

على الرغم من التطور الكبير الذي شهده وضع المرأة الفلسطينية في الشأن العام، إلا أنّها ما زالت أسيرة الصورة النمطية لدورها الاجتماعي، وأنّ عوائق عدة ما زالت تواجه المرأة في علاقتها بالشان العام، وخصوصاً عدم الاهتمام بتطوير نفسها، بالإضافة إلى التحديات التي تواجهها مثل العادات والتقاليد، وعدم ثقة المرأة بقدرات المرأة الأخرى.

وفي مخيّم عين الحلوة الذي يضم أكثر من 55 ألف إنسان، كان للمرأة الفلسطينية منذ اللجوء إلى لبنان، دور أساسي بإعادة بناء المخيّم بعد أن دمّره العدو الإسرائيلي خلال احتلاله للجنوب اللبناني عام 1982، وكان لعدد من النساء دور مميز في مقاومة الاحتلال عبر مختلف الوسائل النضالية إلى جانب المسؤولية العائلية في ظل غياب الرجال بسبب الاعتقال أو الاختباء من قوات الاحتلال.

لكنّ هذا الدور لم يُترجَم لاحقاً بأن تلعب المرأة دوراً في مواقع القرار بمختلف جوانبه.

التمييز والعنف في المقدمة

وفي استبيان أجراه مركز “تطوير” للدراسات والأبحاث حول المرأة الفلسطينية وعلاقتها بالشأن العام واستهدف 564 إمرأة، يقول الباحثون: “إنّ فريق العمل واجه صعوبة في جمع المعلومات بسبب عدم السماح لهم بدخول عدد من أحياء مخيّم عين الحلوة وذلك خريف عام 2015”.

في الاستبيان ذاته، تبيّن أنّ 20% من النساء المستهدفات أكملن الدراسة الجامعية، وأنّ 43% أكملن المرحلة الثانوية، كما أنّ 43% من أفراد العينة لا يمارسون أي مهنة، وأنّ 53% متزوجات، و20% مطلقات أو أرامل، وأنّ 55% يتعرضن للتمييز الجنسي داخل الأسرة وفي المجتمع كما هناك شك في نسبة اللواتي نفين تعرضهن للتمييز لأنّ البعض يرى أنّه موضوع لا يجوز التحدث فيه، وأنّ 27% تتعرضن للعنف. وأظهر الاستبيان أنّ 71% من أفراد العينة يهتمون بالقضايا الاجتماعية بشكل أساسي، كما أنّ 45% من أفراد العينة يهتمون بالقضايا النسوية بالدرجة الثانية، وأنّ 30% من أفراد العينة ينتسبون إلى جمعيات، 7% تنتسب إلى نوادٍ ثقافية.

وأظهر الاستبيان أيضا، أنّ 81% من أفراد العينة يشاركون في حل مشكلات الأسرة، وهذا يعني أنّ المحافظة على وحدة الأسرة هو الهاجس الأول عند المرأة الفلسطينية، وأنّ 37% يشاركن في حل مشكلات الحي حيث يسكنون.

ويرى 46% من أفراد العينة أنّ الوضع العائلي يشكّل تحدياً أساسياً أمام المشاركة في مختلف المجالات، وأنّ الزواج شكّل تحدياً أساسياً لـ30% من أفراد العينة.

أمام هذه النتائج التي تتفاوت بين مخيّم وآخر، كان لا بد من العمل على تمكين قدرات المرأة في مختلف المجالات وخصوصاً بما يتعلق بالتحديات داخل الأسرة والمجتمع، فكانت اللجنة النسائية المجتمعية في مخيّم عين الحلوة، التي تضم 19 إمراة وتعمل منذ نحو ستة أعوام على تطوير الذات وتوعية النساء على ما يواجهن من مشكلات وتحديات.

تنامي الوعي

تقول ريما الرفاعي، وهي من بلدة طيطبا في فلسطين المحتلة، متزوجة وأم لأربعة شبان وشابات: “يهدف مشروعنا وبجوانبه المختلفة إلى الحد من العنف المجتمعي في مخيّم عين الحلوة. وما نعنيه ليس العنف الجسدي فحسب، فقد تلقّينا دورات تدريبية على مواجهة العنف، وحاولنا نقلها إلى النساء في مختلف أحياء المخيّم عبر جلسات توعية. وحاولنا التركيز على موضوع الزواج المبكر، وما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الطلاق لاحقاً وإلى تفسّخ العائلة، ونحن لا نتحدث نظرياً بل نطرح تجارب عاشتها صبايا من أهل المخيّم”.

ريما الرفاعي

وتتدخل سحر طه، وهي من بلدة الزيب في فلسطين المحتلة، وأم لخمسة أولاد لتوضح بالقول: “لقد نظمنا جلسات توعية عديدة حول ضرورة بناء شخصية الفتاة، والدور الذي يمكن أن تلعبه في محيطها وصولاً إلى اختيار شريك حياتها ضمن مؤسسة الزواج”.

وتعلّق الرفاعي على هذه المسألة بالقول: “كنّا نتناقش بشكل واسع ومستفيض، لأنّ البعض اتهمنا بأنّنا ضد الشرع، والمهم هو موافقة الفتاة على الزواج، وكنا نوضّح بأنّ الأهم هو صحة الصبية ومدى قدرتها على تحمل بناء عائلة وإنجاب أطفال، وأعطينا أمثلة عن فتاة تزوجت وهي في الرابعة عشرة من عمرها، وتدهورت حالتها الصحية بسبب الحمل، وحصل طلاق بعد الولادة، وعن طفلة بعمر الأربعة عشر ربيعاً تمّ تخطيبها لمدة أربعة أعوام وتعرضت للعنف الجسدي واللفظي خلال هذه الفترة، ودام الزواج أربعة أشهر قبل الطلاق وحافظت على صمتها المطبق خوفاً على السمعة”.

علا علي

أما علا علي، وهي من بلدة لوبية في فلسطين المحتلة، فتقول: “بلغت سن الـ29 عاما، لا أريد أن أصبح “عانسا” لكنّني أبحث عن الشخص المناسب، الذي يقدّرني ويحترمني، منذ كنت في الرابعة عشرة كان يتقدّم للزواج العديد من العرسان، لكنّي تعلّمت من تجارب الصديقات، بأن أقول لا، وساعدني بذلك موقف أهلي الذين لم يحاولوا يوماً إجباري على القبول بأي عريس لمجرد فكرة الزواج”.

الزواج خيار وليس حلاً

أما عن الصعوبات التي واجهت اللجنة النسائية المجتمعية في حملتها ضد الزواج المبكر، فتوضح الرفاعي: “عندما يتمكن الإنسان من موضوع ما فإنّه يجد الحلول لأي صعوبة ممكن أن تواجه نشاطه، نحن توجهنا إلى عدد من المدارس -بدعم من وكالة الأونروا- وناقشنا مع الفتيات خطورة الزواج المبكر، كما التقينا بالأهالي، وكان تركيزنا على الجانب الصحي، وترسيخ الوعي حول الدور الاقتصادي والاجتماعي وإكمال التعليم وخصوصا المهني كي لا تتعرض المرأة لظروف قاسية تدفعها للجوء إلى الزواج المبكر، وضربنا مثلاً عن إحدى السيدات الأرامل، كانت في التاسعة عشر من العمر ولديها ثلاثة أولاد وقد توفي زوجها بحادث، ولا تملك أي مهارة مهنية، وبالتالي تعيش على مساعدات الجمعيات وهذا ما يؤثر سلباً على شخصيتها وكرامتها الاجتماعية”.

من بين 9 معاملات في المحكمة الشرعية: واحدة للزواج وثمانية للطلاق!

وتضيف: “كي لا نقع بمواجهة مع أحد، تواصلنا مع اللجان الشعبية وبعض رجال الدين، لتوضيح موقفنا بعد أن جرى اتهامنا أنّنا ضد الزواج وضد الشرع، فشرحنا لهم جميعا، أنّنا ننشط لتأمين الشروط اللازمة لإنجاح الزواج من موقع وعي المسؤولية للوضع الصحي والاجتماعي والاقتصادي. وقد أخبرنا أحد المشايخ أنّ من بين 9 معاملات في المحكمة الشرعية: واحدة للزواج وثمانية للطلاق!، وكي لا يستمر الوضع هكذا كان علينا أن ننشط في هذا المجال للمحافظة على مؤسسة الزواج واستمراريتها وعلى تماسك الأسرة”.

رانيا غضبان

وتزيد رانية غضبان، من كويكات في فلسطين المحتلة، وأم لأربعة أشخاص: “لم نكتفِ بإقامة صلة مع اللجان الشعبية العامة بل تواصلنا أيضاً مع لجان القواطع لتوضيح نشاطنا، بعد أن تلقينا بعض الانتقادات، وبعد ذلك لم نجد صعوبة بحملات التوعية. وتلعب الأسرة دوراً في تذليل صعوبات الزواج المبكر، لقد تزوجت وعمري 19 عاما، وبعد 7 سنوات من الزواج والولادة انتسبت إلى الجامعة، وهذا ما كان ليحصل لولا مساعدة زوجي لي وقناعته بضرورة أن أكمل دراستي العليا وأؤسس لموقعي المهني ومكانتي الاجتماعية”.

وتعطي سحر طه أنموذجاً مغايراً عن أحد الأزواج وبعد أن أكملت زوجته دراستها الجامعية طلب إليها أن تبقى في المنزل وأن تقوم بالأعمال المنزلية فقط. في ما قال أحد الرجال خلال جلسة حوار إّنه وافق على زواج ابنته القاصر كي لا تذهب مع حبيبها “خطيفة”.

وتختم غضبان الحديث بالدعم المعنوي للصبايا: “أحيانا، نقابل متزوجات صغيرات السن يواجهن مشكلات فنحيلهن إلى غرفة الاستماع للحصول على دعم نفسي واجتماعي مع المحافظة على سرية الحالات وخصوصيتها”.

كسر القيد

ولا يقتصر عمل أعضاء اللجنة النسائية على موضوع الزواج المبكر، بل يتسع اهتمامهن  لمسائل مختلفة بالإضافة إلى تدريبات مهنية وتقنية وأنشطة رياضية متنوعة.

وقد خضع أعضاء اللجنة النسائية لدورات تدريبية عدة بالتعاون مع جمعيات ومنظمات دولية ولبنانية -خاصة منذ انتشار جائحة كورونا-، واهتمت هذه الدورات بتداعيات مخاطر الفيروس وكيفية مواجهتها، وعقدت حلقات نقاش حول سبل الدعم النفس – اجتماعي وكان معظمها يتمّ عن بعد وبالتعاون مع منظمة “أبعاد”، وقد استهدفت نحو 200 إمرأة من جنسيات مختلفة.

وتعلّق إحدى الناشطات الفلسطينيات على وضع المرأة الفلسطينية بشكل عام بالقول: “إنّ الأوضاع الحالية تساعد على تهميش المرأة وتحميلها مسؤوليات كبيرة، وتفكر بعض الفتيات أنّ الزواج هو باب الخلاص. هذا بالإضافة إلى العقلية الذكورية السائدة في الأسرة والمجتمع”.

ما تقوم به اللجنة النسائية المجتمعية، التي تتلقى دعماً من مشروع البرامج النسائية في وكالة الأونروا من خلال منظمات دولية ولبنانية، هو جزء من نشاط واسع تحاول جمعيات ومنظمات أخرى القيام به من أجل تطوير المرأة وتمكينها اقتصادياً واجتماعياً وثقافيا.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , , ,