رسالة الأسير كريم يونس قبل أيام من الإفراج عنه

التصنيفات :
يناير 2, 2023 8:06 ص

نشرت جمعية واعد للأسرى والمحررين، أمس الأحد، رسالة الأسير كريم يونس قبل أيام من الإفراج عنه، وذلك بعد قضائه 40 عاماً بشكل متواصل في سجون الاحتلال.

 ومن المقرر الإفراج عن الأسير يونس الذي يقبع في سجن هداريم، يوم الخميس المقبل الخامس من كانون الثاني/يناير 2023.

ووُلد كريم يونس في بلدة عارة في الداخل الفلسطيني، في 23 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1958.

واعتُقل في السادس من يناير 1983، وحُكم عليه بالسجن المؤبّد بتهمة “الانتماء إلى حركة فتح” وقتل جندي إسرائيلي.

وفي ما يلي نص رسالة الأسير كريم يونس:

ها أنا أُوشك أن أغادر زنزانتي المُظلمة، التي تعلمتُ فيها أن لا أخشى الظلام، وفيها تعلمتُ أن لا أشعرَ بالغربة أو بالوحدة، لأنني بين إخوتي، اخوةُ القيد والمعاناة، إخوة جمعنا قسمٌ واحد، وعهدٌ واحد.   

أُغادر زنزانتي، ولطالما تمنيتُ أن أغادرها منتزعاً حريتي برفقةِ إخوة الدّرب، ورفاق النّضال، متخيلاً استقبال يعبّر عن نصرٍ وإنجازٍ كبير، لكنّي أجد نفسي غير راغب، أحاول أن أتجنب آلام الفراق، ومعاناة لحظات الوداع لإخوةٍ ظننتُ أنّي سأكمل العمرَ بصحبتهم، وهم حتماً ثوابتٌ في حياتي كالجبال، وكلما اقتربت ساعة خروجي أشعر بالخيبةِ وبالعجز، خصوصاً حين أنظر في عيون أحدهم، وبعضهم قد تجاوز الثلاثة عقود.
  
سأترك زنزانتي، وأغادر لكن روحي باقيةٌ مع القابضينَ على الجمر المحافظين على جذوة النّضال الفلسطيني برمته، مع الذين لم ولن ينكسروا، لكن سنواتِ أعمارهم تنزلق من تحتهم، ومن فوقهم، ومن أمامهم، ومن خلفهم، وهم لا زالوا يطمحون بأن يروا شمس الحرية لما تبقى من أعمارهم، وقبل أن تُصاب رغبتهم بالحياة بالتكلفِ والإنحدار. 

سأترك زنزانتي، والأفكار فجأة تتزاحم، وتتراقص على عتبة ذهني وتشوشُ عقلي فأتساءل محتاراً على غير عادتي إلى متى يستطيعُ الأسير أن يحمل جثته على ظهره، ويتابع حياته والموت يمشي معه، وكيف لهذه المعاناة، والموت البطيء أن يبقى قدرهُ إلى أمدٍ لا ينتهي، في ظل مستقبلٍ مجهول، وأفق مسدود، وأمل مفقود وقلقٌ يزداد مما نشاهد، ونرى من تخاذل، وعدم اكتراث أمام استكلاب عصاباتٍ تملك دولة، توحشت، واستقوت بخذلان العالم، على شعب أعزل، حياته تُنهش كل يوم دون أن يشعر أنّ جروحه قد لا تندمل، وأنّ لا أمل له بحياةٍ هادئة، ومستقرة، ومع ذلك بقي ندّا، وقادراً على الاستمرار. 

سأترك زنزانتي، وأنا مدركٌ بأنّ سفينتنا تتلاطمها الأمواج الدولية، من كل صوبٍ وحدب، والعواصف الإقليمية تعصف بها من الشّرق والغرب، والزّلازل المحلية، وبراكين عدوانية تكاد تبتلعها، وهي تبتعد، وتبتعد عن شاطىء حاول قبطانها أن يرسو إليه قبل أكثر من ربع قرن.

سأترك زنزانتي، مؤكداً أنّنا كنّا ولا زلنا فخورين بأهلنا، وبأبناء شعبنا أينما كانوا في الوطن والشتات، الذين احتضنونا، واحتضنوا قضيتنا على مر كل تلك السنين، وكانوا أوفياء لقضيتنا، ولقضية شعبنا، الأمر الذي يبعثُ فينا دائما أملاً متجددا، ويقيناً راسخاً بعدالة قضيتنا، وصدق انتمائنا، وجدوى وجوهرِ نضالنا.

سأترك زنزانتي، رافعاً قبعتي لجيل لا شك أنّه لا يشبه جيلي، جيل من الشباب الناشط والناشطات الذين يتصدرون المشهد في السنوات الأخيره، جيل من الواضح أنهم أقوى وأجرأ، وأشجع، والأجدر لاستلام الراية، كيف لا وهم المطلعون على الحكاية، والحافظون لكل الرواية، والحريصون على تنفيذ الوصايا، وصايا شعبنا المشتت المشرد، بانتزاع حقّه بالعودة، وتقرير المصير، فطوبى لهذا الجيل الصاعد، برغم أجواء التهافت.

سأتركُ زنزانتي، بعد أيام قليلة، والرّهبة تجتاحني باقتراب عالم لا يشبه عالمي، وها أنا أقترب من لحظةٍ لا بد لي فيها إلا وأن أمر على قديم جروحي، وقديم ذكرياتي، لحظة أستطيع فيها أن أبتسم في وجه صورتي القديمة، دون أن أشعر بالندم، أو بالخذلان، ودون أن اضطر لأن أبرهنَ البديهي الذي عشته، وعايشته على مدار أربعين عاما، علني أستطيع أن أتأقلمَ مع مرآتي الجديدة، وأنا عائد لأنشد مع أبناء شعبي في كل مكان نشيد بلادي نشيد الفدائي.. نشيد العودة والتّحرير.

كريم يونس
سجن هداريم
١ يناير ٢٠٢٣م


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , ,