تحية لمجلس الشورى العُماني

التصنيفات : |
يناير 3, 2023 11:04 ص
مناهضة التطبيع

*زاهر بن حارث المحروقي

إذا كنّا قد رحّبنا في السابق بقرار البرلمان العراقي تجريمَ التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، باعتباره يعبّر عن أصالة الشعب العراقي ومواقفه التاريخية في دعم الشعب الفلسطيني، فالواجبُ يحتّم علينا أن نتوجّه بتحية إكبار وتقدير لمجلس الشورى العماني، الذي ناقش يوم الاثنين الماضي (26 كانون الأول/ ديسمبر 2022)، مشروع قانون لتعديل المادة الأولى من قانون مقاطعة “إسرائيل” والتوجه إلى التشديد ضد التطبيع، حيث يوسّع المقترح نطاق المقاطعة التي نصّت عليها المادة المذكورة، بعد أن رأى بعض الأعضاء المتقدمين بالطلب، المستجدات الحاصلة، سواءً كانت في الجانب التقني أو الثقافي أو الاقتصادي أو الرياضي، فاقترحوا “تعديلات إضافية تتضمن قطع أيّ علاقات اقتصادية كانت، أو رياضية، أو ثقافية، وحظر التعامل بأيّ طريقة أو وسيلة كانت سواء كان لقاء واقعياً أو إلكترونياً أو غيره”، كما أشار إلى ذلك سعادة الشيخ يعقوب الحارثي نائب رئيس مجلس الشورى، الذي أوضح أنّ القانون الحالي يحظر التعامل مع الكيان الإسرائيلي، سواءً للأفراد أو الشخصيات الاعتبارية، لكنّ المقترح الجديد يفضي إلى “التوسع في التجريم والتوسع في مقاطعة هذا الكيان”.

حقيقة، تلقّى الناس مقترح مجلس الشورى بارتياح تام، لأنّه يعبّر عن نبض الشعب العُماني الرافض للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي؛ وهو موقف داعم للحكومة العمانية التي تواجه الضغوطات من الأقربين قبل الأبعدين، لكي تسير مع الركب.

الحكومة العُمانية على دراية بأنّ التطبيع مع الكيان الصهيوني هو في صالح الكيان ولن يكون في صالحنا، والشاهد ما حدث مع كلّ الدول العربية التي طبّعت علاقاتها، فلم تستفد شيئاً وإنّما خدمت المشروع الصهيوني.

ورغم وجود بعض الاتصالات بين الحكومة العُمانية وحكومة الاحتلال -بين فترة وأخرى- إلا أنّ الموقف الرسمي هو موقف مشرّف أيضا؛ ومن ذلك مثلاً السماح لأعضاء مجلس الشورى لمناقشة موضوع تغليظ التطبيع أو “التطويع” -كما سماه أحد الكتّاب-، فالحكومة العُمانية على دراية بأنّ التطبيع مع الكيان الصهيوني هو في صالح الكيان ولن يكون في صالحنا، والشاهد ما حدث مع كلّ الدول العربية التي طبّعت علاقاتها، فلم تستفد شيئاً وإنّما خدمت المشروع الصهيوني. وقد استطاعت سلطنة عُمان -حتى الآن- أن تَعبُر بأمان كلّ الحواجز التي أُقيمت أمامها للتطويع، كأن ترفض ضغوط الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لانضمامها إلى قافلة “الاتفاقيات الإبراهيمية”، الذي أراد أن يفوز بفترة رئاسية ثانية على حسابنا، وكذلك ضغوط خلفه الرئيس جو بايدن بالسماح للطائرات الإسرائيلية بالعبور فوق الأجواء العُمانية، وهو الرفض الذي انتقده كثير من وسائل الإعلام الإسرائيلية ومنها صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” التي أوضحت “أنّ الجدل حول المقاطعة العُمانية لـ”تل أبيب” قد يكون مرتبطاً بجهود “إسرائيل” لتأمين موافقة مسقط على تحليق الطيران المدني الإسرائيلي في أجواء الدولة الخليجية”.

يؤكد هذا المقترح وتفاعل الناس معه أنّ أمر إقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني، لو أُعطي للشعوب العربية عبر مجالسها المنتخبة لما أقدمت أيّ دولة عربية أو إسلامية على إقامة مثل هذه العلاقة

وإذا تركنا الضغوطات الأمريكية جانبا، فإنّ الأوضاع على الأرض تفرض نفسها على الواقع، عندما أصبح الإسرائيليون بعد اتفاقيات التطبيع مع البعض، أمام عقر دارنا وعلى عتبة بيتنا، بكلّ ما يمثّله ذلك من خطورة على الوضع الداخلي، ممّا يتطلب خطوات جادة لحماية المجتمع، كالتي اقترحها بعض أعضاء مجلس الشورى، إذ يؤكد هذا المقترح وتفاعل الناس معه أنّ أمر إقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني، لو أُعطي للشعوب العربية عبر مجالسها المنتخبة لما أقدمت أيّ دولة عربية أو إسلامية على إقامة مثل هذه العلاقة، رغم أنّ هناك بعض الأصوات النشاز، التي تحدثت عبر مواقع التواصل، عن الفوائد الاقتصادية التي قد تعود بالنفع للبلد من وراء هذا التطبيع، ناسين أنّ الدول العربية الست التي طبّعت مع الكيان الصهيوني لم تستفد اقتصادياً شيئا، بل الأمر صار عكسيا، وهو ما نبّه إليه د. حيدر اللواتي في تغريدة له: “يتوهم من يرى أنّ مصالحه الاستراتيجية يضمنها التطبيع مع الكيان الصهيوني؛ فنظرة إلى وضع الدول المطبّعة تكفي كبرهان.. هذا الكيان وُجد للهيمنة على الدول ولتفتيت الشعوب وتوهين الأديان وليس للتعايش والسلام، وهذا هو هدف التطبيع، ومع صعود المتطرفين في الكيان سيعود التطبيع إلى الواجهة”.

خلال السنتين الماضيتين طُرح اسم سلطنة عُمان كثيرا -خاصة في وسائل الإعلام الإسرائيلية- “كدولة محتملة للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام لتطبيع العلاقات مع “إسرائيل””، ولكنّ المسؤولين العُمانيين غلّبوا المصلحة العامة للوطن، وهي المصلحة التي تتماشى مع توجهات الشعب العُماني، وهو ما أشار إليه معالي السيد بدر بن حمد وزير الخارجية بقوله إنّ قرار مجلس الشورى العُماني بتجريم التطبيع مع الكيان الإسرائيلي جاء “تجسيداً لتطلعات الشعب العُماني وسائر الدول الإقليمية من أجل التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطيني، وفقاً للمعايير الدولية ومبادرة السلام العربية”.

عندما يتخذُ مجلس الشورى خطوة كهذه، فلزاماً عليّ أن أقف معه، لأنّي أراه موقفا مشرفاً ليس بغريب على الشعب العُماني المشهود له تاريخياً بمواقفه الداعمة للشعب الفلسطيني سياسياً واقتصاديا، وعسى أن تقتديَ به البرلمانات العربية الأخرى

وأمام الضغوط الأمريكية للتطبيع، لا أدري لماذا علينا أن نكون مجرد ورقة في يد المترشح الأمريكي أو الإسرائيلي؟ ولماذا علينا أن ندخل في حرب نيابة عن الآخرين ضد جارة لنا؟ فعُمان دولة عريقة لها ماضيها ولها مواقفها المستقلة، لذا من أجل تعزيز الموقف العُماني الرسمي لا بد أن نشيد بخطوة مجلس الشورى تلك، والذي أرى أنّه يجب أن تتضافر كلّ الجهود في هذا الاتجاه، سواءً من مجلس الشورى أو مجلس الدولة، وكذلك من الكتّاب والخطباء والمؤثرين عبر مواقع التواصل، ولا بد أن نشيد بموقف سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، المتابع للأحداث العالمية والمتفاعل معها، الذي يرى “أنّ المقاومة هي السبيل الوحيد لاستعادة فلسطين، وأنّ كلّ مسار آخر مرفوض؛ فكلّ الاتفاقيات لم تجدِ نفعا، وإنّما هي استهلاك للوقت”، فقد غرّد مثمّناً خطوة مجلس الشورى “إنّا لنساندَ بكلّ قوة المشروع الذي طُرح في مجلس الشورى العُماني الموقّر، وهو إحكام مقاطعة الكيان الصهيوني مقاطعة مطلقة في التجارة وغيرها؛ لأجل تماديهم في العدوان وعدم مبالاتهم بحقوق الشعب الفلسطيني المظلوم، وهذا ممّا يدخل في الأخوة الواجبة بين المسلمين..”

وإذا كان مقترح مجلس الشورى لتوسيع نطاق مقاطعة الكيان الإسرائيلي قد لقي هذا الترحيب الشعبي الواسع داخلياً وخارجيا، لأنّه يُعبّر عن الإرادة الشعبية العُمانية تجاه التطبيع، فالمرجو أن تتواصل الخطوات ويتحول المقترح إلى واقع عبر سن قوانين تنظم ذلك، لأنّ الدولة -بالتأكيد- على علم ودراية بالمستجدات الحاصلة في الإقليم، ومدى خطورة تغلغل الإسرائيليين في مفاصل المجتمع، وهذه الدراية تقودنا إلى تناول نقطة أخرى هامة، الانتباهُ لها واجب، وهي السماح للمقيمين في دول المجلس أن يدخلوا إلى الأراضي العُمانية دون تأشيرة، فهذه النقطة قد يكون لها عواقب لا تُحمد عقباها؛ إذ يبدأ الأمر بزيارة عادية، ثم دغدغة الناس بمعزوفة “الفوائد الاقتصادية” التي يرقص لها البعض، وتنتهي بكوارث لا قبل لنا بها.

شخصيا، كثيراً ما كتبتُ ضد التطبيع ومنتقداً كلّ الخطوات التي تقود إلى ذلك، وعندما يتخذُ مجلس الشورى خطوة كهذه، فلزاماً عليّ أن أقف معه، لأنّي أراه موقفا مشرفاً ليس بغريب على الشعب العُماني المشهود له تاريخياً بمواقفه الداعمة للشعب الفلسطيني سياسياً واقتصاديا، وعسى أن تقتديَ به البرلمانات العربية الأخرى، ومهما يكن فعلاوة على ترحيب الناس بخطوة المجلس، فإنّ مجرد مناقشة التطبيع تحت قمة البرلمان، كفيلة بأن تعطي المجلس شرعية أخرى، بعد أن كثُر الحديث طويلاً عنه وعن صلاحياته، فلا ينبغي الخلط بين الأمور.

*المصدر: جريدة “عُمان” (2/1/2023)


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , ,