الرأي المرتقب لمحكمة العدل الدولية: “على من تقرأ مزاميرك يا داوود”؟!

التصنيفات : |
يناير 10, 2023 7:39 ص

*أحمد حسن

ربما لو قُدّر لمراقب خارجي أن يبديَ رأيه بطلب الأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية إصدار قرار استشاري بشأن ماهية الاحتلال الإسرائيلي والتبعات القانونية لاحتلال الأراضي الفلسطينية، فلربما -مرة جديدة- كان سيقول إنّ هذا الطلب، وكل الملابسات التي أحاطته، يستبطن، في أحد أوجهه، أغرب مفارقة حصلت في العام الماضي ليس على مستوى القضية الفلسطينية فقط، بل على مستوى قضايا الاستعمار والاحتلال بأسرها.

وجه الغرابة هنا أنّ هذه القضية، التي تقترب من سن الخامسة والسبعين، كانت طوال هذه الفترة مبسوطة ومنشورة أمام أعين العالم أجمع، وبالتالي فإنّ الجرائم الإسرائيلية، سواءً على البشر أو الحجر، كانت تحدث علناً وأمام الكاميرات، وأنّ ماهية الاحتلال -أي احتلال- وكذلك التبعات القانونية لأي شيء يقوم به المحتل، ليست بحاجة لآراء قانونية جديدة لأنّها موجودة ومقنّنة ليس في قرارات علنية للأمم المتحدة فقط بل في صلب القرارات التأسيسية لها، وذلك، بالمبدأ، مغزى ومبرر وجودها ذاته.

إنّ الذعر الإسرائيلي الواضح من القرار، كما أنّه يستبطن أيضاً الخوف من قيام المحكمة بتوصية الأمم المتحدة ودول العالم بإجراءات مادية لاتخاذها ضد “إسرائيل”، وبالتالي زيادة مبادرات المقاطعة ضدها في أرجاء العالم، بما في ذلك من خلال سحب الاستثمارات.

لكن، ولأنّ الواقع لا المثال هو ما يحكم هذا العالم، أو بكلمة أكثر دقة، هذه الغابة، لذلك فإنّ هناك ما يجب التمعّن فيه بخصوص هذا القرار وملابسات صدوره وانعكاساته ومآلاته المستقبلية المتوقعة، وأول ما يستحق الوقوف عنده، كما يجب البناء عليه لاحقا، هو ذلك العدد من الدول التي صوتت بالموافقة على القرار رغم إصرار “إسرائيل” ورعاتها على منع صدوره مستخدمين في ذلك كل أساليب الترهيب والترغيب.

أما الأمر الثاني، فهو ذلك الذعر الإسرائيلي الواضح من القرار، وهذا ما يفضحه وصف رئيس حكومة الكيان “بنيامين نتنياهو” للقرار بـ”الحقير”، وبالتأكيد فإنّ هذا التوتر الرئاسي يشي بأهمية ولو معنوية للقرار، كما أنّه يستبطن أيضاً الخوف من قيام المحكمة بتوصية الأمم المتحدة ودول العالم بإجراءات مادية لاتخاذها ضد “إسرائيل”، وبالتالي “زيادة مبادرات المقاطعة ضدها في أرجاء العالم، بما في ذلك من خلال سحب الاستثمارات” على ما يخشى البعض.

أما ثالث الأمور التي يجدر بنا التوقف عندها هي أنّ الرأي الاستشاري الذي قد تصدره محكمة العدل الدولية وإن كان مجرد “فتوى قضائية” غير ملزِمة من الناحية القانونية لهيئات الأمم المتحدة، إلا أنّه، بحسب المختصين، “ينطوي على أهمية كبيرة بما أنّه صادر من أعلى جهة قضائية دولية تتكون من قضاة ينتمون إلى أغلب النظم القانونية في العالم، وبالتالي فإنّ هذه الفتوى ستشكّل، حال صدورها، مرجعية قانونية بالنسبة للمسألة المطروحة، كما تشكّل عرضاً للموقف القانوني الدولي من هذه المسألة، وهذا في حد ذاته سيدعم الحقوق الوطنية المشروعة الفلسطينية”.

الواقع لا المثال، مرة جديدة، يقول إنّ سقف الاستفادة الفلسطينية من القرار المرتقب ليست أكثر من إضافة نصر معنوي آخر للقضية، وسوابق المحكمة ذاتها هي ما يؤكد ذلك.

بيد أنّ الواقع لا المثال، مرة جديدة، يقول إنّ سقف الاستفادة الفلسطينية من القرار المرتقب ليست أكثر من إضافة نصر معنوي آخر للقضية، وسوابق المحكمة ذاتها هي ما يؤكد ذلك، ففي عام 2004 أصدرت هذه “المحكمة” قراراً بعدم قانونية الجدار الإسرائيلي العازل، ودعّمته بالقوانين والمواثيق الدولية والإنسانية كما على القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وأبرزها القرار رقم 2625، ثم طالبت، أي المحكمة، كل الدول “الالتزام بعدم الاعتراف بشرعية وجود الجدار الفاصل الذي أقامته “إسرائيل” وكافة النتائج المترتبة على إقامته وعدم تقديم أي عون أو دعم من شأنه تعزيز وتثبيت وجود الجدار غير القانوني”.

ولكن “على من تقرأ مزاميرك يا داوود”، فإذا كان رفض الكيان الإسرائيلي لذلك الحكم أمراً طبيعياً، فإنّ الأمر الأدهى والأمرّ من ذلك أنّ دول الأمم المتحدة” لم تفعل شيئاً لتطبيقه على غرار قرارات الأمم المتحدة ومجلس أمنها السابقة ومنها قرار مجلس الأمن 2334 الذي اعتبر الاستيطان في الأراضي الفلسطينية غير شرعي بما فيها القدس.

إنّ القرار المقبل ليس إلا نصراً معنوياً آخر لا يمكن تحويله إلى حقيقة مادية إلا إذا أُدخل “المطهر” والمصهر الفلسطيني المقاوم.. وسوى ذلك قبض ريح لا غير.

ثم إنّ الواقع، وللمرة الثالثة، يجبرنا على أن لا نتجاهل حقيقة أنّ المعارضة والضغوطات الأمريكية والإسرائيلية قد ساهمت في زيادة نسبة الدول المعارِضة للطلب الفلسطيني ونسبة عدد الممتنعين عن التصويت، وهذا مؤشر واضح لصعوبة تنفيذ ما سيصدر عن المحكمة في المستقبل.

وأكثر من ذلك، فإنّ من يحكم الكيان الصهيوني اليوم هو “جمع الفاسدين والمجانين” كما وصفهم أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، وهؤلاء لن يقيموا وزناً لقرار المحكمة خاصة وأنّ أجندتهم المعلنة هي الاستيطان والمزيد منه، وقد كان “نتنياهو” واضحاً للغاية حين قال إنّ القرار “لن يكون ملزماً للحكومة الإسرائيلية، معتبراً أنّ الشعب اليهودي ليس محتلًا لأرضه ولا محتلاً لعاصمته الأبدية القدس”.

بهذا المعنى، يمكن تكرار القول إنّ القرار المقبل ليس إلا نصراً معنوياً آخر لا يمكن تحويله إلى حقيقة مادية إلا إذا أُدخل “المطهر” والمصهر الفلسطيني المقاوم.. وسوى ذلك قبض ريح لا غير.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , ,