الحرب على الحركة الأسيرة.. معاقل الصمود في وجه العاصفة

التصنيفات : |
يناير 14, 2023 8:04 ص

*أحمد الطناني – غزة:

تصدّر عنوان استهداف الحركة الأسيرة قائمة الأولويات التي افتتح بها الوزير الصهيوني المتطرف “إيتمار بن غفير” عهده في وزارة “الأمن القومي”، حيث سارع منذ الأيام الأولى لاستلامه الحقيبة الوزارية إلى اتخاذ خطوات عملية تستهدف الأسرى والتضييق عليهم وحرمانهم من منجزاتهم ضمن مخطط كبير يستند إلى العقلية الانتقامية الفاشية التي باتت السمة الرئيسية لحكومة “نتنياهو” الحالية.

ليست الهجمة الأولى التي تتعرض لها الحركة الأسيرة، ولا المحاولة الأولى لتحويل سنوات الاعتقال، التي يقضيها مناضلو الشعب الفلسطيني في باستيلات الاحتلال، إلى سنوات من الجحيم والانتقام الضاربة بوجه الحائط كل المعايير والمواثيق الدولية. كل مُنجز للحركة الأسيرة لتحسين ظروف الأسر كان ثمنه الكثير من التضحيات التي لن تكفي الكلمات لوصفها، وسنوات من التحدي والتصدي والصمود.

بن غفير والعدوان الشامل

من قبل الوصول إلى الاتفاق على الائتلاف الحكومي، لم يترك المتطرف بن غفير فرصة لإطلاق تهديداته والتعبير عن تفكيره العدواني الفاشي والإعلان عن مخططاته الانتقامية بحقّ كل ما هو فلسطيني، وفي قلب هذه المخططات، استهداف كل القضايا الكبرى التي يعتبرها الشعب الفلسطيني قضايا الإجماع والتوافق، ولا يختلف عليها أي فلسطيني، وعلى رأسها قضايا الأسرى والقدس.

أدرج بن غفير مخططات استهدافه للأسرى في اتفاق الائتلاف الحكومي مع نتنياهو قاطعاً الشك باليقين أنّ ما قدّمه من أفكار لن تكون مجرد خطابات للاستهلاك الإعلامي، بل هي خطوات فعلية ستستهدف تفكيك قلاع الأسْر الفلسطينية

منذ نجاحه في انتخابات الكنيست، عبّر بن غفير عن حرصه الشديد على تحويل حياة الأسرى الفلسطينيين إلى جحيم، وأعلن عن إعداده خطة ترتكز إلى إلغاء ما يُسمّى الانتماء الفصائلي للأسرى داخل سجون الاحتلال، حيث يقضي كل أسير محكوميته داخل قسم يوجد فيه أبناء تنظيمه السياسي، وهو ما درجت عليه العادة منذ انتفاضة الحجارة الأولى، فضلاً عن توجهه إلى إلغاء مكانة المتحدث عن الأسرى في التفاوض مع مصلحة السجون، ووقف وجبات الطعام الخاصة.

أدرج بن غفير مخططات استهدافه للأسرى في اتفاق الائتلاف الحكومي مع نتنياهو قاطعاً الشك باليقين أنّ ما قدّمه من أفكار لن تكون مجرد خطابات للاستهلاك الإعلامي، بل هي خطوات فعلية ستستهدف تفكيك قلاع الأسْر الفلسطينية، والانتقام من الأسير الفلسطيني وعدم الاكتفاء بجريمة وجوده خلف القضبان، بل تحويل كل يوم من أيام السجن إلى جحيم.

دشّن بن غفير حربه على الأسرى بزيارته لسجن نفحة، وتفقّده الأقسام الجديدة التي جرى افتتاحها هناك حيث عبّر عن “سعادته وشعوره بالرضى” من تأكده أنّ الأسرى لن يحصلوا على أي ظروف مريحة، مؤكداً أنّه ماضٍ في مخططه لتبنّي قانون يفرض عقوبة الإعدام على الأسرى، إضافة لمجموعة قرارات كان آخرها تشديد القيود على زيارة أعضاء الكنيست العرب للأسرى الفلسطينيين.

تتضمن خطة بن غفير العمل على تفكيك بنية الحركة الأسيرة، بما يمنعها من اتّخاذ قرارات مصيرية في المواجهة. وعليه فقد بدأت مصلحة السجون “الإسرائيلية” إجراء تنقلات للأسرى بين المعتقَلات شملت 40 أسيرا، بينما تخطّط مصلحة السجون لإعادة توزيع نحو ألفَي أسير

تتضمن خطة بن غفير العمل على تفكيك بنية الحركة الأسيرة، بما يمنعها من اتّخاذ قرارات مصيرية في المواجهة. وعليه فقد بدأت مصلحة السجون “الإسرائيلية” إجراء تنقلات للأسرى بين المعتقَلات شملت 40 أسيرا، بينما تخطّط مصلحة السجون لإعادة توزيع نحو ألفَي أسير، وبحسب المخطط “الإسرائيلي”، فإنّ عمليات النقل والتوزيع ستُستكمل خلال الأسابيع المقبلة من دون أن تستثنيَ القادة.

لماذا الأسرى؟؟

لطالما شكّلت الحركة الأسيرة الفلسطينية نموذجاً من نماذج الصمود، ووجهاً مشرقاً من وجوه الشعب الفلسطيني، ومكوناً رئيسياً من مكونات الفعل السياسي والنضالي الوطني، حيث نجح مناضلو الشعب الفلسطيني منذ سنوات طويلة في إفشال جوهر عملية الاعتقال المُتمثّل في معاقبة الأسير وتحويل فعله الوطني إلى نقمة وخلق حالة من الردع لدى الأسرى لمنعهم من العودة إلى الفعل الكفاحي والعمل الوطني.

حولت الحركة الأسيرة السجون إلى قلاع للصمود، وأكاديميات للتصليب وبناء المناضلين، وتفريخ للكادر النوعي الذي شكّل إضافة متميزة للفعل الوطني الفلسطيني والزخم الأبرز في العديد من المحطات الكبرى في تاريخ الشعب الفلسطيني، حيث أنّ أبرز وجوه الشعب الفلسطيني في مختلف المجالات هم من الأسرى المحررين.

شكّلت وثيقة الأسرى، التي عُرفت باسم “وثيقة الوفاق الوطني”، الأرضية الرئيسية لكل اتفاقيات الوحدة الوطنية والمصالحة الفلسطينية، وتعالج في طياتها كل عناوين الخلاف بين الفصائل والقوى الفلسطينية

عبر سنوات من النضال التراكمي، استطاعت الحركة الأسيرة انتزاع العديد من الُمنجزات التي دُفع في سبيل تحقيقها تضحيات جسام، كان أهمها إلى جانب التفاصيل الحياتية اليومية والحقّ في التعليم والقراءة والكتابة، وانتزاع الحقّ في توزيع الأسرى على غرف مُقسّمة حسب انتماءاتهم مما يتيح لهم ممارسة حياتهم التنظيمية داخل السجون ويُسهّل عملية بناء هياكلهم القيادية والمشاركة الفاعلة في العمل السياسي ضمن أطرهم التنظيمية، إضافة لكونها فرصة لتطوير قدرات وممكنات الأسير.

لم تتوقف إسهامات الحركة الأسيرة في إفشال الجوهر الانتقامي في العملية الاعتقالية، بل شكّل الأسرى على الدوام صمّام الأمان للشعب الفلسطيني، والنموذج الأكثر تقدماً في الوحدة الوطنية والتآلف والتعاضد بين مكونات الحركة الأسيرة، الذين قدّموا وثيقة الأسرى التي عُرفت باسم “وثيقة الوفاق الوطني” والتي شكّلت الأرضية الرئيسية لكل اتفاقيات الوحدة الوطنية والمصالحة الفلسطينية، وتعالج في طياتها كل عناوين الخلاف بين الفصائل والقوى الفلسطينية.

عزيمة الأسرى: الجدار الصلب

لسنوات خلت، حاول العديد من قادة الاحتلال الانتقام من الحركة الأسيرة، وتفكيك البناء الصلب للتنظيمات داخل أسوار السجون، ومنع مساهمة الأسرى في الشأن السياسي الفلسطيني، والقضاء على عزيمتهم عبر إجراءات انتقامية متعددة.

أعلنت الحركة الأسيرة حالة التعبئة الشاملة، استعداداً لمواجهة الإجراءات التعسفية وتضع على رأس خياراتها بحسب “هيئة شؤون الأسرى” مجموعة من الخطوات الكبرى أهمها الذهاب إلى العصيان أو إضراب جماعي يعمّ كل سجون الاحتلال

على الدوام، اصطدمت هذه الإجراءات الإجرامية بحائط صدّ قوي ومتين جوهره وأساسه العزيمة التي تلامس عنان السماء وتتجاوز كل أسوار وتحصينات السجون، عزيمة الأسرى التي لا تعرف المستحيل، وحولت الأمعاء الخاوية إلى أداة نضالية واجهت كل مخططات الفاشية والإجرام وانتزعت حقوقها من أنياب حكومات الاحتلال على اختلافها.

أعلنت الحركة الأسيرة حالة التعبئة الشاملة، استعداداً لمواجهة الإجراءات التعسفية وتضع على رأس خياراتها بحسب “هيئة شؤون الأسرى” مجموعة من الخطوات الكبرى أهمها الذهاب إلى العصيان أو إضراب جماعي يعمّ كل سجون الاحتلال، معلِنةً أنّ “لدى الحركة الأسيرة برنامجاً لمواجهة مخطّطات المتطرف بن غفير”. ونبّهت إلى أنّ ردة الفعل “قد يَنتج منها ارتقاء شهداء في صفوف الأسرى، وهو ما لن تُحمد عقباه”، مؤكدة أنّ “الأسرى على أتمّ الاستعداد والاستنفار، حيث شُكّلت لجان وطنية من جميع فصائل العمل الوطني لمواجهة أيّ إجراء جديد، وستكون هناك مرحلة عنوانها النصر أو الشهادة”.

التضامن الشعبي شريان الصمود الرئيسي

يعرف كل متابع لشؤون الأسرى، وأي قارئ لبيانات قيادة الأسرى، أن الشريان الحقيقي الذي يدعم صمود الحركة الأسيرة في وجه كل الإجراءات الإجرامية يتمثل في التضامن الشعبي والالتفاف الجماهيري حول خطوات الأسرى النضالية.

أخطر شعور يمكن أن يشعر به الأسير، هو فقدان التفاعل الخارجي مع قضيته، وفقدان العمق الجماهيري المُجمع على أولوية وأهمية قضية الأسرى، وبالتالي فإنّ كل بيانات الأسرى ومناشداتهم تضع على رأس دعواتها، الدعوة لأبناء الشعب الفلسطيني والأحرار في العالم إلى أوسع تضامن مع قضيتهم وإسناد لخطواتهم.

تشكّل الاستجابة الشعبية لتحركات الحركة الأسيرة تأثيراً مزدوجا، وجهه الأول في كونه يمثّل عاملاً مهماً من عوامل تعزيز الصمود والإسناد لخطوات الأسرى النضالية، والوجه الثاني في كونه عامل ضغط كبير على مستويات صنع القرار في حكومة الاحتلال الذين يسعون لتجنب اندلاع إنتفاضة شعبية شاملة.

الأيام ستلقّن بن غفير درساً لن ينساه، جوهره أنّ الشعب الفلسطيني وصمود أبنائه وعزيمتهم هي الصخرة الأساسية التي تحطمت عليها المئات من الطموحات الإجرامية والفاشية للعديد من وزراء وسياسيين وقادة الإجرام في الحركة الصهيونية على مدار التاريخ، وهي الصخرة التي ستحطم أحلامه أيضاً هو وفريقه من الفاشيين اليمينيين المتطرفين.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , ,