هل يكون ذلك مؤشّراً على زوال “إسرائيل”؟

التصنيفات : |
يناير 16, 2023 8:43 ص

*سنان حسن

منذ تحديد ديفيد بن غوريون (أول وزير للأمن الداخلي في تاريخ الكيان الصهيوني)، العقيدة الرئيسية للجيش والمرتكزات والمهام المتنوعة التي يقوم عليها، بأنّه جيش لكل الإسرائيليين والمحدّد الرئيس لهويتهم وسياساتهم ووجودهم، تحرص كل الحكومات الإسرائيلية على اختلاف توجّهاتها السياسية “يسار– يمين” على أن تكون صوت الجيش والمنفّذ لكل الخيارات والاستراتيجيات التي يحدّدها لحماية وجود الكيان واستمراريته، إلى درجة أنّ “إسرائيل” أصبحت دولة لجيش وليس العكس كما يفترض واقع الحال الطبيعي، وكانت صورة الجيش القوي والمتماسك هي طابع “إسرائيل” الذي صدرته للعالم طوال المرحلة السابقة.

ولكنّ ذلك بدأ بالتغيّر مع وصول حكومة بنيامين نتنياهو السادسة إلى الحكم بتحالف يطغى عليه اليمين المتطرّف والعنصري، حيث بدأت النزاعات السياسية تتسلل إلى داخل مؤسسات الجيش من بوابة التشريعات التي فرضها حلفاء نتنياهو عليه كشروط ملزمة قبل الدخول في الحكومة أو ما بات يُعرف بـ”قانون سموتريتش”، الأمر الذي عدّته المعارضة الإسرائيلية وعدد كبير من ضباط الجيش السابقين والحاليين مقدّمةً لتمزيق الجيش وكسر الصورة التي كان عليها منذ التأسيس حتى اليوم، بأنّه جيش لكل الإسرائيليين ليصبح جيشاً لجزء منهم، وربما في لحظة ما عودة الميليشيات والعصابات التي صهرها بن غوريون في الجيش، لتتسيّدَ المشهد الإسرائيلي من جديد “مليشيات بن غفير” كمثال محدّد، وذلك ما يستدعي طرح أسئلة مثل، هل بالفعل حان وقت سقوط الجيش الإسرائيلي بفعل نزاعات الإسرائيليين أنفسهم؟، وهل اليمين المتشدّد يدرك تداعيات ما يقوم به تجاه الجيش ووحدته؟، وماذا عن الجيش وقياداته هل سيبقى متفرّجاً على نزاعات السياسيين التي تطوله وتطول وجوده؟.

وبالعودة إلى التاريخ سنجد أنّ تأسيس ما يسمّى “جيش الدفاع” شكّل لحظة فارقة في تاريخ الكيان الصهيوني، لِم لا وهذا المكوّن الجديد هو المشكّل الرئيس للكيان الصهيوني والراسم لحدوده من خلال العقيدة التوسعية والعدوانية التي انتهجها في ( 1948- 1956- 1967- 1982) على الفلسطينيين في الداخل وعلى العرب في الخارج من خلال اقتطاعه أراضٍ وبلدات وضمّها إلى دولته المزعومة، حيث حرصت الأحزاب السياسية المسيطرة على المشهد السياسي الإسرائيلي على المضيّ قدماً بدعم خطط الجيش وتنفيذ قراراته الاستراتيجية، رغم وجود محاولة بعض الأحزاب اللعب بورقة التجنيد الإلزامي وطرحها في البازار السياسي لاستمالة الأحزاب الصهيونية المتشدّدة من بوابة الحريديم الذين أُعفوا من الخدمة في الجيش منذ تأسيسه للتفرّغ للعمل الديني، من خلال تبنّي قوانين في الكنيست لإجبارهم على الالتحاق بالجيش كما فعلت كتلة حزب الليكود في عام 2012 عندما صدّقت على مشروع قرار لإلغاء الامتيازات الممنوحة للحريديم تمهيداً للالتحاق بالجيش أسوة بباقي الإسرائيليين، ولكنّ ذلك لم يؤثر في مسار عمل الجيش، بعكس ما يحدث اليوم مع وصول حكومة “بن غفير” و”سموتريتش”.

إنّ سحب أجهزة تعمل تحت سلطة الجيش ووضعها تحت تصرف”بن غفير”، سيكلّف الجيش أعباءً إضافية ويجعله في حالة من عدم الاستعداد لتلبية احتياجات الجبهات

 ففي ظل عودة بنيامين نتنياهو إلى سدّة الحكم مجدّداً بعد انتخابات برلمانية خامسة في ظرف أربع سنوات واستماتته في تشكيل تحالف مع أحزاب وشخصيات يمينية متطرفة تضم الثلاثي “بن غفير – سموتريتش – أدرعي” بدأت المعارضة الإسرائيلية وكبار قادة الجيش يحذّرون من التنازلات التي قدّمها – نتنياهو- في سبيل ذلك، ولا سيما القوانين التي أقرّها الكنيست الإسرائيلي قبل الإعلان الرسمي عن الحكومة، والتي أظهرت بشكل واضح وعلني سعي المتطرّفين إلى سحب أجهزة تعمل تحت سلطة الجيش ووضعها تحت تصرفهم كما في حالة “بن غفير” المطرود من الجيش لأسباب عنصرية الذي أصبح يشرف مباشرة على حرس الحدود دون تدخل القيادة الوسطى للجيش، الأمر الذي سيكلّف الجيش كما يقول قادته أعباءً إضافية ويجعله في حالة من عدم الاستعداد لتلبية احتياجات الجبهات التي يعمل عليها لأنّه سينخرط في أعمال كان حرس الحدود مكلّفاً بها، بينما سمح تعديل أقرّه الكنيست لـ”سموتريتش” وهو وزير المالية بالحصول على صلاحيات وزير في وزارة الدفاع والتحكم بالإدارة المدنية للضفة الغربية في غياب أي تنسيق مع الجيش، ما يعني وجود قرارات لوزيرين في وزارة الدفاع، وهو ما لم يحدث من قبل في تاريخ الكيان، الأمر الذي سيؤدي إلى إلحاق ضرر كبير بالمؤسسة الأمنية والعسكرية، وقد يؤدي إلى “تفكيك جيش الشعب” كما حذّر وزير الأمن السابق بيني غانتس، بينما كان رئيس الأركان أفيف كوخافي أكثر وضوحاً عندما رفض أن يقوم وزير، ليس وزيراً للأمن، بتعيين ضباط من الجيش الإسرائيلي في مناصب مرتبطة بالساحة الفلسطينية، هذا فضلاً عن سعي الصهيونية الدينية الممثّلة بـ”بن غفير” و”سموتريتش” إلى تغيير عدد من القواعد في الجيش تتعلق بتبعية الحاخام العام للجيش وحصر الالتحاق بالجيش باليهود فقط ومنع النساء من دخوله.

من علامات قرب زوال “إسرائيل” قبل بلوغها عامها الثمانين، أنّ السياسيين يتنافسون على المكاسب الشخصية كحال نتنياهو أو على تحقيق غايات دينية توراتية كما في حالة “بن غفير”

وعليه، فإنّ نزعة نتنياهو للعودة إلى السلطة مجدداً والهروب من المحاكمات بتهم الفساد بحقّه ورغبة “بن غفير” و”سموتريتش” بالوصول إلى السيطرة المباشرة على مفاصل أمنية وعسكرية كبيرة، وضعت الجيش الإسرائيلي في وضع لم يكن فيه من قبل ودفعت بالمحللين الإسرائيليين إلى التحذير مما يجري وعدّه علامة من علامات قرب زوال “إسرائيل” قبل بلوغها عامها الثمانين، فالسياسيون يتنافسون على المكاسب الشخصية كحال “نتنياهو” أو تحقيق غايات دينية توراتية كما في حالة “بن غفير”.

 من جانبهم يرى قادة اليمين المتشدّد أنّ الظروف التي يمر بها الكيان ووصولهم إلى السلطة في هذا التوقيت هي فرصة نادرة لن تتكرّر للإعلان النهائي عن قيام “الدولة” اليهودية الموعودة وفق ما خطّته التعاليم التوراتية الصهيونية، وأنّ الممانعات والمخاوف التي يعبّر عنها السياسيون الإسرائيليون في المعارضة ما هي إلا أوهام يسعون من خلالها إلى البقاء في السلطة على حساب قيام الدولة الموعودة.

وبالنظر إلى ما سبق، يبدو أنّها أخطر مرحلة تمرّ بها “إسرائيل” في تاريخها، والسبب هذه المرة هو الجيش ووحدته التي يضرب بها المتطرّفون عرض الحائط في سبيل تحقيق أهدافهم التوراتية، لكن وصول المتطرّفين ذاتهم إلى السلطة ليس إلا نتيجة تغيّرات كبرى كان لاستمرار مقاومة الفلسطينيين وعدم قدرة الكيان الصهيوني وجيشه على إنهائها دور في ذلك، وهذا درس مهم يجب الاستمرار بالتمعّن فيه في المرحلة القادمة رغم أنّها ستكون صعبة مع هؤلاء المتطرّفين، لكن، وبسبب ذلك، يجب أن تستمر المقاومة الشعبية والسياسية في خلخلة أسس هذا الكيان المتهالكة.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , ,