جيش بثلاثة رؤوس..”هاليفي” رئيساً لأركان جيش الاحتلال

التصنيفات : |
يناير 18, 2023 7:17 ص

*أحمد الطناني – غزة:

يبدأ الجنرال، “هرتسي هاليفي”، مهامه ليكون رئيس أركان جيش الاحتلال رقم 23، خلفاً للجنرال “أفيف كوخافي” الذي شهدت فترته استكمال برامج تعزيز قوة السلاح التكنولوجي وحرب السايبر، وتعزيز قوات سلاح الجو والوحدات التكنولوجية على حساب القوى البشرية القتالية، إضافة لإرث ثقيل من المعضلات الأمنية والسياسية والداخلية. سيستمر “هاليفي” في موقع رئاسة الأركان لمدة ثلاث سنوات لكن يجوز للحكومة تمديد فترة ولايته لمدة لا تزيد عن عام واحد.

جاء تعيين “هاليفي”، المستوطن المقيم في مستعمرة “كفار هأورنيم” الواقعة على حدود الضفة الغربية بالقرب من مستوطنة “موديعين” استثنائياً خارج السياق التقليدي، حيث تبتعد الحكومات المؤقتة عادةً عن تعيين مسؤولين في مناصب عليا قبل الانتخابات، لكن المدعية العامة الإسرائيلية “غالي باهراف ميارا”، قالت إنّها “وجدت محتويات ملف سري إلى جانب رأي قانوني قدمته وزارة الجيش، يشمل أدلة كافية للسماح بالمضي قدماً في عملية تعيين رئيس الأركان الجديد”. وقد امتدت المشاورات لشهرين حول المرشحين حتى استقر قرار التعيين على “هاليفي”، بالرغم من الاعتراضات.

اختيار “هاليفي” قد جرّ الانتقادات والصراعات الداخلية بين الحكومة والمعارضة، فقد رغب رئيس وزراء الاحتلال “بنيامين نتنياهو”، في اختيار “إيال زمير”، سكرتيره العسكري في السابق. ولذلك، حارب انتخاب “هاليفي” وحاول إظهاره “اختياراً سياسياً وحزبياً يساريا”. وطلب تأجيل اختيار رئيس الأركان إلى ما بعد الانتخابات، حتى لا تفرضه الحكومة السابقة، التي كانت في فترة تسيير أعمال، على الحكومة الجديدة. لكنّ وزير الجيش في حينه “بيني غانتس”، أصر على إنهاء هذا الملف، بدعوى أنّ “إسرائيل” تجري انتخابات بوتائر عالية جدا، ولا يستطيع الانتظار”.

سجل عسكري- إجرامي حافل

في سجله العسكري العديد من المشاركات العدوانية والإجرامية ضمن جيش الاحتلال، حيث شارك في عملية “اللدغة السامة” التي اختُطف فيها القيادي في حزب الله مصطفى الديراني، كما شارك في عملية محاولة إنقاذ الجندي المخطوف “نحشون فاكسمان” والتي انتهت بمقتل الجندي والخاطفين من المقاومين، وشارك في العديد من عمليات الكوماندوز خلال سنوات انتفاضة الأقصى بما فيها محاصرة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات والأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات والخلية المسؤولة عن إغتيال “زئيفي” بمقر المقاطعة في رام الله.

“كلما عزّز الغزيون من قدراتهم العسكرية، سيتعيّن علينا ممارسة قوة أكبر لنعيدَ غزة مجدداً إلى الوراء”

(هرتسي هاليفي)

كان مسؤولاً عن العديد من المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال في شمال قطاع غزة أثناء العدوان بين عامي 2008 و2009 في منطقتي بيت لاهيا وبيت حانون، كما خاض عدة جولات قتالية مع المقاومة في القطاع بين الأعوام 2018 و2019 بما فيها عملية اغتيال القيادي في المقاومة بهاء أبو العطا.

كان أحد أبرز المسؤولين عن تعامل جيش الاحتلال مع مسيرات العودة ومواجهة الأدوات الشعبية والبالونات الحارقة، وكان جزءاً من اتجاه للتوصل لاتفاقات التهدئة وإدخال المال القطري لقطاع غزة.

أبرز توجهاته الاستراتيجية تجاه المنطقة

على مستوى غزة: يرى “هاليفي” أنّه لا يوجد حلّ نهائي للوضع في قطاع غزة، ويعارض التحسينات الاقتصادية للقطاع بهدف المحافظة على الهدوء، إذ زعم في عام 2019 أنّ مشاريع التنمية الاقتصادية في قطاع غزة -الذي يعاني من أوضاع اقتصادية متردّية للغاية من جرّاء الحصار- قد تؤدي إلى “تعزيز الإرهاب وزيادته”.

كما يرى أنّ التعامل مع غزة قائم على مبدأ أنّه “كلما عزّز الغزيون من قدراتهم العسكرية، سيتعيّن علينا ممارسة قوة أكبر لنعيدَ غزة مجدداً إلى الوراء”.

على مستوى لبنان: عندما تولى “هاليفي” شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”، وضع الساحة اللبنانية في رأس أولويات عمله، إذ رأى أنّ استقرار النظام في سوريا أدّى إلى عودة تركيز حزب الله على العمل داخل لبنان وزيادة قدراته العسكرية الموجهة ضد الكيان المؤقت وتطويرها، ما فرض تحدياً كبيراً على جيش الاحتلال، وهو يرى أنّ مشروع الصواريخ الدقيقة الذي عمل الحزب على امتلاكه يمثّل مصدر التهديد الرئيسي في لبنان “الذي قد يأتي الشر منه”، بحسب وصفه، كما يرى أنّ الحزب في السنوات الأخيرة باتت لديه قدرة عالية على استخلاص العبر وتطوير القدرات، على الرغم من السياسة “الإسرائيلية” التي تُسمى “المعركة بين الحروب”.

تنبّه “هاليفي” إلى خطر تشكّل جبهات موحدة بين المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وإمكانية اندلاع حرب متعددة الجبهات، وقد حاول إثارة الإحباط لدى المقاومتين الفلسطينية واللبنانية من إمكانية تحقّق هذا الأمر، إذ ادّعى مراراً وتكراراً أنّ المقاومة الفلسطينية ستنضمّ إلى الحرب في حال اندلاع المواجهة مع لبنان، من خلال إطلاقها صواريخ من قطاع غزة باتجاه المستوطنات، في ما لن يفعل حزب الله ذلك، حتى لو ضغطت عليه إيران.

التحديات المتفاقمة: داخلياً وخارجياً

يأتي تعيين “هاليفي” وسط مجموعة كبيرة من التحديات الداخلية والخارجية، لا يتسع المقال لتفصيلها، إلا أنّ أبرزها يتمثّل بالتحدي المتفجر في الملف الفلسطيني بتشابكاته، وسط تصاعد المقاومة المسلحة في الضفة الغربية وتمسك المقاومة في قطاع غزة بترابط الساحات وتكاملها، والوضع المتفجر في القدس والأراضي المحتلة عام 1948، ويترافق هذا الوضع مع تداخل في صلاحيات العمل في الضفة الغربية بين وزارة الجيش ووزارات أخرى، أهمها كون “بتسلئيل سموتيرتش” وزيراً في وزارة الجيش يتولى مسؤوليات في الضفة الغربية، ناهيك عن وجود “إيتمار بن غفير” على رأس وزارة الأمن القومي ومسؤوليته عن قوات “حرس الحدود” التي يريد سحب جزء منها من الضفة الغربية، وهو ما سيزيد الأعباء العملياتية والميدانية على الجيش المستنزف.

مطلوب من “هاليفي” التعامل مع خطر التصاعد في القوة لمحور المقاومة في المنطقة، والتطور الدائم لحزب الله على الحدود الشمالية مع فلسطين المحتلة

مطلوب من “هاليفي” التعامل مع خطر التصاعد في القوة لمحور المقاومة في المنطقة، والتطور الدائم لحزب الله على الحدود الشمالية مع فلسطين المحتلة، والمسارعة الإيرانية في التسلح والتطور وتحقيق قفزات في الملف النووي، إضافة لفتح باب التعاون العسكري مع روسيا على مصراعيه بعد الأزمة الروسية- الأوكرانية.

لا تقل المخاطر الخارجية تحدياً وخطورة عن الداخلية، التي يقع الجيش في مركزها، لوجود نزعات للصهيونية الدينية في صفوف ضباط الوسط، ومحاولة هيمنة من أحزاب الصهيونية الدينية وحاخاماتهم على القرار داخل الجيش، وتقويض قوة وسلطات رئيس الأركان، وهو مشهد مُعقد يُضاف لأزمة تنازع الصلاحيات بينه وبين أقطاب الحكومة، بالإضافة لما سينشأ مستقبلاً عن تعيين “إيال زامير” مرشح نتنياهو السابق لرئاسة الأركان، مديراً عاماً في وزارة الجيش، ليكون رجل نتنياهو داخل الوزارة، مما سيزيد المهمة تعقيداً على الجنرال الفيسلوف الذي يتمتع بكل شيء من مواصفات الموقع، باستثناء الكاريزما وهي أكثر ما يحتاجه.

يتفق “هاليفي” مع تخوفات كبار جنرالات جيش الاحتلال الحاليين والسابقين، على ضرورة تجنيب الجيش الدخول في صراع الأيدولوجيات لصالح الحفاظ على الجيش كمؤسسة “مهنية”، بعيداً عن الارتهانات الدينية المتطرفة، ويؤمن “هاليفي” بأهمية الحفاظ على الجيش كـ”جيش الشعب” الذي يستطيع جمع كل مكونات “فسيفساء” التناقضات الص هيونية الداخلية، وسيعمل جاهداً للحفاظ على هذه الهوية.

خلاصة

لم يكن قرار تعيين “هرتسي هاليفي” مفاجئاً إذ أنّه جاء بالطريقة التقليدية حيث أنّ المعتاد في كيان الاحتلال أن يكون المرشح الأقوى لموقع رئاسة الأركان هو آخر نائب لرئيس الأركان، ويأتي تعيينه تمهيداً لتقدمه لهذا الموقع.

لكنّ الظروف الحساسة والخلاف الذي رافق تعيين رئيس الأركان مرتبطان بشكل أساسي بالوضع الداخلي غير المستقر في كيان الاحتلال، حيث أنّه تم تعيينه في ظل حكومة تسيير أعمال، وقبل انتخابات الكنيست الجديدة بأيام معدودة وسط اعتراض كبير من المعارضة وبشكل خاص رئيس وزراء الكيان السابق بنيامين نتنياهو.

لا يُعد “هاليفي” شخصية كاريزماتية، إلا أنّه عسكري متمرس وله خلفية متنوعة وكان على تماس مباشر مع غالبية الجبهات الساخنة للاحتلال في مهمات عملياتية أو استخباراتية ومعلوماتية، وهو ما يؤمّن له إطلالة وخلفية واسعة تمكنه من التعامل مع التطورات المختلفة، إضافة أنّ خبرته العملية في التعامل مع ساحة الضفة وبشكل خاص في المرحلة الأكثر سخونة “انتفاضة الأقصى” تنذر بأنّ “هاليفي” سيولي هذه الساحة “المتفجرة” اهتماماً استثنائياً بشكل خاص بعد إبعاد شبح المواجهة مع حزب الله على أثر الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية، وتعطل آفاق الاتفاق النووي مع إيران، وهو ما يعني أنّ ساحتين رئيسيين من ساحات التحدي الماثلة أمامه قد أصبح فيها هامش للمناورة والحركة للتركيز على ساحات أخرى تشكّل اليوم أولوية، وفي مقدمتها الساحة الفلسطينية.

تجربة “هاليفي” في العمليات الخاصة والاستخبارات العسكرية يمكن أن تشكل بصمة في تفضيله لهذا الشكل من العمليات على حساب شن الحملات العسكرية الواسعة، وبشكل خاص في التعامل مع المقاومة الفلسطينية، واستكمال الاعتماد على سياسة “المعركة بين الحروب” في تحييد جهود الإمداد والتسليح للمقاومة عبر سوريا، إلا أنّه من المهم الأخذ بعين الاعتبار وبجدية عالية أنّ “هاليفي” من المؤمنين بأهمية “المبادرة” في الهجوم وحرمان الخصم من ميزة المبادرة والجهوزية للمواجهة.

سيعمل رئيس الأركان الجديد على استكمال مشاريع تطوير وتحديث وحدات وتشكيلات جيش الاحتلال وفق عقيدة “عقيدة ربط وبناء قوة قتالية متعددة الأبعاد” والتي تنسجم مع توجهات وزير الدفاع في حكومة الاحتلال “بيني غانتس” الذي كان اول من دشنها، إضافة لإيلاء مهمة استعادة ثقة الجمهور بالجيش التي يرى “هاليفي” فيها معضلة أساسية يشترك معه في تشخيص أولوياتها العديد من قادة المؤسسة العسكرية الحاليين والسابقين.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , ,