كيانٌ يحرِم الأم الفلسطينية حقّ النظر إلى ولدها.. “مقابر الأرقام”: مدافن الأمومة والحقوق المشروعة 

التصنيفات : |
يناير 23, 2023 7:54 ص

*منى العمري – صمود:

هي مقابر سرّية دأب الاحتلال على احتجاز جثامين الشهداء فيها، لا سيّما من منفّذي العمليات الفدائية إلى حين تسليمهم في صفقات تبادل أو غيرها، إذ يعتبرها الاحتلال مناطق عسكرية مغلقة، ويمنع الوصول إليها دون موافقة مسبقة من جهاز “الشاباك”.

وقد سُمّيت بهذا الإسم، لأنّ سلطات الاحتلال تضع أمام كل قبر لافتة صغيرة تحمل رقماً يرمز للشهيد من دون كتابة إسمه.

كما كشفت مصادر “إسرائيلية” وأجنبية في السنوات الأخيرة معلومات عن أربع مقابر وهي:

1- مقبرة الأرقام المجاورة لجسر “بنات يعقوب” وتقع على الحدود السورية – الفلسطينية، حيث تفيد بعض المصادر عن وجود ما يقرب من 500 قبر فيها لشهداء فلسطينيين ولبنانيين غالبيتهم ممن سقطوا في حرب 1982، وما بعد ذلك.

2- الثانية، تقع بين مدينة أريحا وجسر دامية في غور الأردن، وهي محاطة بجدار، فيه بوابة حديدية معلّق فوقها لافتة كبيرة كُتب عليها بالعبرية “مقبرة لضحايا العدو”، حيث يوجد فيها أكثر من 100 قبر، وتحمل هذه القبور أرقاماً بين الـ”5003 – 5107″، ولا يُعرف إن كانت هذه الأرقام تسلسلية لقبور في مقابر أخرى أم كما يدّعي الاحتلال بأنّها مجرّد إشارات ورموز إدارية لا تعكس العدد الحقيقي للجثث المحتجزة في مقابر أخرى.

3- الثالثة، مقبرة “ريفيديم” وتقع في غور الأردن.

 4- الرابعة، هي “شحيطة” وتقع في قرية وادي الحمام شمال مدينة طبريا وغالبية الجثامين فيها لشهداء معارك منطقة الأغوار بين عامي 1965 – 1975. وفي الجهة الشمالية من هذه المقبرة ينتشر نحو 30 من الأضرحة في صفين طويلين، في ما ينتشر في وسطها نحو 20 ضريحا، ومما يثير المشاعر كون هذه المقابر عبارة عن مدافن رملية قليلة العمق، ما يعرّضها للإنجراف، فتظهر الجثامين منها، لتصبح عرضة لنهش الكلاب الضالة والوحوش الضارية. (1)

ربما يكون الاحتلال الإسرائيلي هو الكيان الوحيد في العالم الذي يفرض عقوبات على الجثث، حيث أنّه يحتجز أعداداً غير معروفة من جثث الشهداء الفلسطينيين والعرب الذين استُشهدوا في مراحل مختلفة من الكفاح الوطني.

فقد أقام الاحتلال الإسرائيلي لهذه الغاية مقابر سرّية عُرفت بإسم مقابر الأرقام، حيث كُشف النقاب عن أربع مقابر كهذه، فضلاً عن احتجاز جثث أخرى في ثلاجات. (2)

خرق القانون الدولي

إنّ حكومة الاحتلال الصهيوني تخرق أبسط قواعد القانون الدولي وتشكّل سياسة إحتجاز جثامين الشهداء خرق فاضح لإتفاقيتي جنيف “الثالثة” و”الرابعة” حيث تُمعن حكومة الاحتلال الصهيوني رفض تسليم رُفات مئات الشهداء الفلسطينيين لعائلاتهم.

كما أنّ حكومة الاحتلال تقوم بخطف واحتجاز الجثامين للشهداء الفلسطينيين ودفنهم -في ما يسمّيه الاحتلال- “مقابر مقاتلي العدو”، في ما يُطلق عليها الفلسطينيون “مقابر الأرقام”، حيث يُدفن الشهداء هناك بشكلٍ مجهول وبأرقام محفورة على لوحات معدنية ملحَقة بجثثهم أو برُفاتهم.

إنّ حكومة الاحتلال الصهيوني بضربها عرض الحائط لالتزاماتها في تحديد هوية الجثامين الشهداء المحتجزة من خلال إستخدام الطرق العلمية المتوفرة، بما في ذلك تحليل عينات الـحمض النووي (DNA)، تنتهك أبسط قواعد حقوق الإنسان فكيف إذا كان هذا الإنسان ميّت

في حين، إنّ رفض حكومة الاحتلال المستمر الإضطلاع بالعملية اللازمة لتحديد هوية الذين دُفنوا في مقابر الأرقام ينتهك قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2474، والذي يطالب الدول الأعضاء بحماية الأفراد من الإختفاء القسري نتيجة للنزاع المسلّح في المناطق الخاضعة لسلطتها.

حيث يتعيّن على الدول الأعضاء جملة من الأمور من إصدار وتوفير “وسائل مناسبة لتحديد الهوية، بما في ذلك لأفراد القوات المُسلّحة، وإنشاء مكاتب إعلام وطنية عند نشوب نزاع مسلّح، وخدمات تسجيل خطية وسجلات للوفيات وضمان المساءلة على نحو مناسب في حالات المفقودين”.

وفي هذا الصدد، إنّ حكومة الاحتلال الصهيوني بضربها عرض الحائط لالتزاماتها في تحديد هوية الجثامين الشهداء المحتجزة من خلال إستخدام الطرق العلمية المتوفرة، بما في ذلك تحليل عينات الـحمض النووي (DNA)، تنتهك أبسط قواعد حقوق الإنسان فكيف إذا كان هذا الإنسان ميّت، كذلك التزاماتها أمام “المحكمة الإسرائيلية العليا” وقرارها الصادر في العام 2017. (3) 

وفي سياقٍ منفصل، أصدرت وزارة الإعلام الفلسطينية تقريراً خاصاً في نيسان/أبريل الفائت تحت عنوان: “جثامين الشهداء المحتجزة لدى سلطات الاحتلال بين السرقة والإتجار والإخفاء”.

واستعرضت الوزارة تقارير وتحقيقات صحفية سابقة تحدّثت عن قيام الاحتلال بسرقة أعضاء الشهداء الفلسطينيين والمتاجرة بها.

وأشارت إلى كتاب “على جثثهم الميتة” للطبيبة الإسرائيلية والخبيرة في علم الإنسان مئيرا فايس، الصادر عام 2014، وقد ذكرت فيه أنّها في الفترة ما بين عامي 1996 و2002 كانت في معهد “أبو كبير” للطب الشرعي في “تل أبيب” لإجراء بحث علمي، وهناك رأت كيف كانت تُسرق الأعضاء، لا سيّما من جثامين الفلسطينيين.

“خلال وجودي في المعهد شاهدت كيف كانوا يأخذون أعضاء من جسد فلسطيني، ولا يأخذون في المقابل من الجنود، كانوا يأخذون قرنيات، وجلدا، وصمامات قلبية”
(د.مئيرا فايس)

وأضافت فايس: “خلال وجودي في المعهد شاهدت كيف كانوا يأخذون أعضاء من جسد فلسطيني، ولا يأخذون في المقابل من الجنود، كانوا يأخذون قرنيات، وجلدا، وصمامات قلبية”.

وخلصت وزارة الإعلام إلى أنّ “مسألة إحتجاز جثامين الشهداء قضية إنسانية كما أنّها ممارسة إحتلالية غير أخلاقية، تتناقض وقواعد التعامل مع جثامين قتلى الحروب التي ينص عليها القانون الدولي الإنساني”. (4)

أين السلطة الفلسطينة؟

أكّد الناطق بإسم أهالي الشهداء المحتجَزة جثامينهم لدى الاحتلال الإسرائيلي، محمد عليان، أنّ السلطة لديها صلاحيات لا تريد تجاوزها من أجل إسترداد جثامين الشهداء المحتجَزة بل تستخدمها من أجل مصالح المتنفّذين فيها.

وقال عليان خلال تصريحٍ خاص لوسائل معنية: “إنّ الاحتلال سيواصل جريمة إحتجاز جثامين الشهداء ما لم يلقَ العقاب اللازم الذي يمنعه أو يردعه عن ارتكابها”.

إنّ السلطة الفلسطينية صامتة أمام جريمة إحتجاز جثامين الشهداء، والمؤسسات القانونية لم تقُم بواجبها تجاه هذا الموضوع
(محمد عليان)

وأضاف أنّ الاحتلال لم يلقَ حتى الآن أي رادع أو عقاب دولي أو قانوني أو إعلامي، وتابع: “لذلك يواصل الاحتلال إرتكاب جريمته لأنّه لا يدفع الثمن”.

وأشار عليان إلى أنّ السلطة الفلسطينية صامتة أمام جريمة إحتجاز جثامين الشهداء، مؤكداً أنّ المؤسسات القانونية لم تقُم بواجبها تجاه هذا الموضوع”. (5)  

حملة مستمرة

يبدأ الفلسطينيون تنفيذ حملة دولية واسعة لحشد التأييد لتوفير الحماية للشعب الفلسطيني ضدّ جرائم الاحتلال الإسرائيلي، والتي كان آخرها احتجاز جثمان الشهيد الأسير ناصر أبو حميد ورفض تسليمه لذويه، وذلك عشيّة تشكيل حكومة الاحتلال الإسرائيلية اليمينية المتطرّفة.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أطلقت أمهات عدد من الشهداء حملة مستمرة تحت شعار “صرخة أمهات”، تتضمن فعاليات شعبية ووقفات وإعتصامات في مختلف المدن الفلسطينية، بهدف إيصال رسالتهن إلى العالم والضغط على الاحتلال للإفراج عن الجثامين المحتجزة.

يحتجز الكيان في ثلاجاته جثامين 117 فلسطينيا، منذ عام 2015، إضافةً إلى 256 جثماناً في مقابر الأرقام

ووفقاً للحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، يحتجز الكيان في ثلاجاته جثامين 117 فلسطينيا، منذ عام 2015، إضافةً إلى 256 جثماناً في مقابر الأرقام.

وقال الناطق بإسم الحملة حسين شجاعية: “إنّ من بين الجثامين المحتجَزة في الثلاجات جثماني شهيدتين و13 طفلا”.

ولأهمية ملف الجثامين المحتجَزة، قررت الحكومة الفلسطينية عام 2008 أن يكون يوم 27 آب/أغسطس من كل عام يوماً وطنياً لاسترداد جثامين الشهداء، تنظّم فيه فعاليات تذكّر بقضيتهم وضرورة الإفراج عن جثامينهم. (6)

المصادر المتعلقة:

1- https://felesteen.news/post/108904/%D9%85%D9%82

2- http://www.makaberalarqam.ps/?page_id=2243

3- https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=779507

4- https://www.aljazeera.net/news/humanrights/2022/11/17/%

5- https://shehabnews.com/post/113369/%D8%AE%D8%

6- https://alghad.com/%D8%AD%D9%85%D9%84%D


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , ,