سينما بالاس.. “قطشة يا اسماعيل”

التصنيفات : |
يناير 26, 2023 7:22 ص

*حمزة البشتاوي

شكّلت سينما بالاس التي أُنشئت على عقار ملاصق لمخيّم برج البراجنة في العام 1958 من قِبل مستثمرين من عائلتي جارودي وسنان، المتنفس الأبرز لأهالي المخيّم  يقصدونها بغرض التسلية والترفيه، وكانت مصاريف سينما بالاس في ذلك الوقت تتناسب إلى حد مقبول مع المستوى المعيشي لأهالي المخيّم الذين أصبحوا من رواد تلك السينما بشاشاتها الكبيرة وألوانها وأضوائها الباهرة والمشاهد التي فيها متعة للعين والقلب، وكانوا يرتاحون على مقاعدها الخشبية المتحركة في داخل الصالة رغم المنغّصات التي كانت تأتي من البلكون حيث كان يرمي بعض الجالسين ما يقع بأيديهم من بقايا الأطعمة والبزورات وغيرها.

وكانت سينما بالاس قد افتتحت أولى عروضها بفيلم (لص بغداد) الذي تمّ إنتاجه في العام 1924 واعتُبر لاحقاً فيلم ذو قيمة ثقافية وتاريخية ومعنوية كبيرة.

كان التفاعل الأكبر من قِبل أهالي المخيّم مع الأفلام التي تُعنى بالقضية الفلسطينية ومنها فيلم (أجراس العودة) الذي تمّ إنتاجه عام 1966 من بطولة عايدة هلال

ثم توالت عروض الأفلام السينمائية على شاشة سينما بالاس وكان من أبرزها أفلام بروس لي ومن أشهرها فيلم (الرأس الكبير) وأفلام الثنائي الكوميدي الإيطالي باد سبنسر وترانس هيل وأفلام  الكاوبوي و كوجاك وطرزان وجيمس بوند وسانتوس الذي قلده بعض أبناء المخيّم باللباس والقفز من أماكن عالية مما أدى لتعرضهم للأذى الجسدي.

وشاهد أبناء المخيّم في سينما بالاس الكثير من الأفلام الهندية وخاصة فيلمي (اليتيم) و (التوأمان) للممثل أميتاب باتشان الذي أوقع أهالي المخيّم بالحزن الشديد وجعلهم يذرفون الكثير من الدموع على أحداث هذين الفيلمين وغيرهما من الأفلام الهندية التي تتكرر فيها نفس القصة والأحداث.

وكان التفاعل الأكبر من قِبل أهالي المخيّم مع الأفلام التي تُعنى بالقضية الفلسطينية ومنها فيلم (أجراس العودة) الذي تمّ إنتاجه عام 1966 من بطولة عايدة هلال، وفيلم (الفلسطيني الثائر) وتمّ إنتاجه في العام 1969 من بطولة غسان مطر، وفيلم (كلنا فدائيون) الذي تمّ إنتاجه أيضاً في العام 1969 ومن أبطاله غسان مطر وعلياء نمري.

كانوا من شدة تأثرهم بتلك الأفلام يطلقون على بعضهم ألقاباً مشتقة من أسمائها وأبطالها، كالمناداة على أحدهم بأسم (كوجاك) بسبب حلاقة شعره أو (آلان ديلون) لمن يشتري ثياباً جديدة.

وقد تركت الأفلام التي عُرضت بصالة سينما بالاس في تلك المرحلة أثراً كبيراً على ثقافة وشخصية أبناء مخيّم برج البراجنة خاصة على مستوى السلوك والوعي، وكانوا من شدة تأثرهم بتلك الأفلام يطلقون على بعضهم ألقاباً مشتقة من أسمائها وأبطالها، كالمناداة على أحدهم بأسم (كوجاك) بسبب حلاقة شعره أو (آلان ديلون) لمن يشتري ثياباً جديدة.

وكان رواد سينما بالاس من الشباب قد اعتادوا على قيام إدارة السينما بحذف المشاهد الفاضحة التي تُعرض على الشاشة، وكانوا كلما يتمّ حذف مشهد من تلك المشاهد في الفيلم تعلو صيحاتهم: “قطشة يا اسماعيل”.

واسماعيل هو موظف في السينما مكلّف من الإدارة مع زميله أبو نادر راجي بالتدقيق بتذاكر الدخول إلى قاعة السينما، ولكنّ الشهرة كانت من نصيب اسماعيل ذي الهيبة والجسد الضخم والقامة الطويلة كـ”فتوّات” السينما المصرية، وكان بهذا الشكل والأداء يمثّل هيئة رقابية صارمة على المشاهد المسموحة والممنوعة من العرض في الأفلام التي كانت تجذب أبناء المخيّم من خلال (الأفيشات) وصور النجوم أكثر من القصة والمضمون.

ويمكن للذاكرة الفردية والجماعية أن تربط ما بين سينما بالاس ومخيّم برج البراجنة وما مر عليهما من أحداث وحروب وزمن كانت تبدأ فيه الأعياد بالنسبة لأبناء المخيّم من سينما بالاس حيث كانوا يعيشون حياة مختلفة وجديدة مع كل فيلم يشاهدونه، وما بين تلك الأفلام والواقع الحالي الذي يعيشونه.. “قطشة يا إسماعيل”.

*كاتب وإعلامي


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,