“الهولوكوست”.. تطبيع الوعي العربي عبر المناهج الدراسية

التصنيفات : |
يناير 27, 2023 8:31 ص

*وسام عبد الله

شكّل مفهوم “المحرقة اليهودية ” أو الهولوكوست لدى الصهاينة، مبرراً للاحتلال والاستيطان بما يوازي السردية التوراتية، وبالنسبة لهم اعتُبر مدخلاً إلى المجتمعات الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية لتقديمهم الاعتذار، مادياً وقانونيا، لما فعله النازيون باليهود، ويُعتبر في مرحلتنا أساساً للتوسع في المجتمعات العربية، تحت مسميات عديدة، فكيف يوظّف الكيان “المحرقة” في خدمة سياسته الصهيونية؟.   

العبور إلى المجتمعات العربية

سنة 2015 بدأت سيدة أمريكية تُدعى “جانيت بينيت” بلقاءات سرية في أوروبا مع لاجئين سوريين و”إسرائيليين”، كان الهدف بحسب قولها، “تأمين دخول المساعدات إلى الداخل السوري عبر “إسرائيل””، وفي محاضرة لها نشرت على موقع TEDx العام الماضي، توضح بينيت أنّه تمّ التنسيق مع حكومة الاحتلال لتمرير المواد عبر مرتفعات الجولان، وتكون “إسرائيل” هي مكان التجمع والانطلاق والتنسيق مع المجموعات المقابلة في الطرف السوري، وما تقصد به المجموعات المسلحة المتواجدة في جنوب سوريا خلال فترة المعارك  في منطقة السويداء ودرعا وجنوب دمشق. تتابع السيدة الأمريكية، والتي تصف نفسها بأنّها “داعية للسلام”، تفاصيل العمل، ففي سنة 2016 أطلقت الحكومة الإسرائيلية عملية “حسن الجوار”، الهادفة لفتح الحدود من الأراضي المحتلة نحو سوريا، وتُشير الأرقام الناتجة عن عمل سنتين إلى تسليم 245 مليون دولار كمساعدات، إضافة لمواد طبية وغذائية غيرها.

إنّ ما حدث على الحدود السورية يمكن تكراره مع كل المجتمعات العربية، ليس من ناحية توزيع المساعدات، بل من حيث الترويج لمفهوم “المحرقة اليهودية”

الأمر الأساسي في قصة جانيت بينيت ليس تنفيذ العملية، إنّما المنطلق الفكري الذي استندت عليه وانطلقت منه لحشد الدعم الاوروبي والأمريكي وحتى مع بعض اللاجئين السوريين. تصف جانيت أسرتها بأنّها الناجية من “الهولوكوست”، والهاربة إلى أمريكا، حين شاهدت صور الحرب في سوريا ربطتها بشكل مباشر بما حدث معهم، وبدأت بالترويج لتحويل “المحرقة” إلى نموذج يعاني منه الشعب السوري، لتكون ذريعة مقبولة ومنطقية لدى المتلقي العربي والغربي. قصة السيدة الأمريكية صورة مقربة لما حدث فعلاً للقضية الفلسطينية، فالسيدة التي وصلت إلى الحدود السورية عبر الأراضي الفلسطينية، وعيونها نحو الضفة الثانية، لم تشاهد ما حدث للشعب الفلسطيني، من قتل وتهجير وهو ما نستطيع وصفه بالأدلة الدقيقة بأنّه “محرقة”، و”الهولوكوست” الذي شكّل أساس عملها، أعمى نفسه بشكل إرادي، عن قول الحقّ بأنّ الكيان الصهيوني هو نظام فصل عنصري. وما حدث على الحدود السورية يمكن تكراره مع كل المجتمعات العربية، ليس من ناحية توزيع المساعدات، بل من حيث الترويج لمفهوم “المحرقة اليهودية”.

“الهولوكوست” والتوثيق

أن ترسّخ “إسرائيل” مفهوم “المحرقة اليهودية” في مناهجها الدراسية أمر مفهوم ومتوقع، لكن، لماذا تتجه لتثبيته في وعي المجتمعات العربية والغربية؟.

يقدّم الكيان سردية “الهولوكوست” ضمن منهجه القائم على تبرير وجوده، مثل شعب الله المختار والتوراة وغيرها، ولضمان إثبات كذبته، يحوّله إلى حقيقة غير قابلة للشك وكل من يعارضها أو يقدم دليلاً مناقضاً لها، فلائحة الإتهام جاهزة.

من يقبل بوجود “الهولوكوست” في مناهجه الدراسية، من سيمنعه مستقبلاً من إصدار قانون يُجرّم ويعاقب الناكر لها، وحينها سيكون “حوار الأديان” هو المدخل لتشريعها

كون الزمن الذي ارتبطت فيه ما يُدعى بـ”المحرقة” هو الحكم النازي لألمانيا، فكان توصيف “النازيون الجدد” أحد التعابير التي يوسم بها المعارض لفكرة “الهولوكوست”، فهم مجموعة تدعم أفكار “هتلر” وتمجّد العنصرية، وهذه التهم والشعارات تُخيف وجدان المواطن الأوروبي لارتباطها بملايين الضحايا في الحروب التي خاضتها القارة الأوروبية. إنّ استخدام الإعلام وتوجيهه لتوصيف كل ما ينقد فكرة المحرقة أو حتى من الأكاديمين والناشطين الرافضين لدفع الأوروبي والفلسطيني ثمن تلك الأحداث حتى ولو فرضنا حصولها بالكامل، فأحد القوالب التي يوصفون بها، معاداة السامية. كل هذه العبارات ليست بهدف تاريخي أو أكاديمي فقط، فهي تُصرف في العلاقات الاقتصادية والسياسية، ومن يقف في الضفة المعارضة تُغلق الأبواب في وجهه ومن يقبل بها تُسهّل له الطرق.

إنّ المتابع لعمل الأكاديمين الإسرائيليين والغربيين الموالين للكيان ونظرياته، يوقن جيداً أنّهم لا يتأخرون لحظة واحدة في الدفاع عن أفكارهم، لإداركهم أنّهم لو تركوا الأمور تتوسع بنشر دراسات تُثبت كذبهم سوف يخسرون الكثير من التأييد لدى المجتمعات الأوروبية، فإن وجدوا كتاباً يعارض “المحرقة” نجدهم مستعدين لمواجهته بالمحاضرات ورفع الدعاوى القضائية ضد كاتبه بحجة محاربة السامية، وهو ما يفسر اهتمامهم بدخول المناهج والكتب العربية كي يؤمن لهم أرضية لاحقاً لمواجهة الكتّاب العرب في بيئتهم ولغتهم وحتى قوانينهم، فمن يقبل بوجود “الهولوكوست” في مناهجه الدراسية، من سيمنعه مستقبلاً من إصدار قانون يُجرّم ويعاقب الناكر لها، وحينها سيكون “حوار الأديان” هو المدخل لتشريعها، كون من قُتل هم “يهود”، وهنا نعود إلى السيدة الأمريكية جانيت بينيت التي استخدمت “تلاقي الأديان” في تأسيس مشاريعها المبنية على “الهولوكوست”.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , ,