حكومة نتنياهو.. الاستتار بالدين لقتل الفلسطينيين

التصنيفات : |
فبراير 3, 2023 8:52 ص

*سنان حسن

“حكومة بنيامين نتنياهو السادسة هي الأكثر تطرّفاً وتشدّداً في تاريخ الكيان الصهيوني”.. هكذا عنونت الصحافة الإسرائيلية والعالمية، ومردّ ذلك أنّ المكوّنات الرئيسية لها من أحزاب وتيارات الصهيونية الدينية تدّعي تطبيق التعاليم التوراتية وبناء الهيكل مكان المسجد الأقصى وغيرها من التعاليم التلمودية المتطرّفة، ولكن ما يهم بالفعل، هل هذه الحكومة اليمينية متشدّدة ومتدينة كما يدّعي أعضاؤها، أم أنّها حكومة عنصرية فاشية تريد من خلال الغطاء الديني تحقيق نزعات صهيونية تلمودية، والأهم في المجتمع الصهيوني منذ ما قبل النكبة حتى اليوم أنّ هناك معتدلين ورافضين للتشدّد والتطرّف؟.

القتل سمة المجتمع الإسرائيلي

تمكنت الصهيونية الدينية خلال مشوار طويل، بداية من حركة مزراحي في عام 1902 مروراً بحزب المفدال بعد النكبة في عام 1948 وحزب شاس في 1984 وصولاً إلى القائمة الصهيونية الدينية (الاتحاد الوطني – تكوما، عوتسما يهوديت، نوعام) عام 2022، من تحقيق نقلة كبيرة نحو تصدّر المشهد الإسرائيلي والتحكم بقراره المركزي، وما نشهده اليوم من وصول إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وآفي ماعوز إلى مقاليد الحكم الرئيسية في كيان الاحتلال دليل على ذلك، وهذا لا يعني أنّ كيان الاحتلال لم يمر عليه غلاة ومتطرفون في مراكز القرار سابقا، بل على العكس فمنذ اللحظة الأولى لوجود الكيان الغاصب على أرض فلسطين المحتلة يتوالى المجرمون على قيادة الكيان الغاصب من دافيد بن غوريون مروراً بإسحاق شامير وأرئيل شارون، فجميعهم يلتقون في حقدهم على الفلسطينيين وقتلهم والتنكيل بهم، ولكن اليوم ومع وصول المجتمع الصهيوني إلى حالة من الانقسام الكبير بين الأحزاب والقوى الصهيونية التقليدية التي كانت مسيطرة لفترات طويلة على مقاليد العمل السياسي في الكيان، واضمحلال وذوبان البعض الآخر، حزب العمل مثال، وجدت الأحزاب الدينية ضالتها في استمالة المجتمع المفكَّك “يهود شرقيين – ويهود غربيين – ويهود فلاشا” عبر خطاب قائم على التحريض والقتل والعنف معتمدةً على تعاليم صهيونية تلمودية تحضّ على القتل والإجرام بحقّ الفلسطينيين، وحتى في بعض الأحيان تحرّض على المخالفين لهم في المجتمع الإسرائيلي نفسه، وما ذكره محلل الشؤون العسكرية في القناة الـ13 بعد عملية نيفيه يعقوب في القدس المحتلة “الكراهية بين مكونات المجتمع الإسرائيلي وصلت ذروتها” مثال.. والنتيجة كانت تصدّرهم المشهد السياسي وتنازل الأحزاب التقليدية لهم عند تشكيل الحكومات وتنفيذ أهدافهم ومخططاتهم، وما شهدته حكومة نتنياهو الجديدة حتى الآن خير دليل على ذلك، ولكنّ السؤال الملحّ دائما: هل بالفعل هذه القوى والأحزاب تلتزم “التعاليم الدينية اليهودية” أم أنّها تستخدمها لتبرير أفعالها ونزواتها؟.

إنّ ما يشهده كيان الاحتلال الإسرائيلي اليوم من وصول المتطرّفين والمتشدّدين إلى قمة المشهد السياسي هو حالة من تغيير الوجوه ليس أكثر، فالتطرّف والقتل والإجرام هو سمة المجتمع الإسرائيلي

لقد شكّل اقتحام المسجد الأقصى من وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير نقطة كاشفة على أنّ الأعمال التي يقوم بها هو ومجموعته الصهيونية المتشدّدة لا علاقة لها بالتعاليم الدينية ولا بتطبيق شريعة يهودية كما يزعم ويسوّق، وإنّما أفعال يمكن وصفها بالعنصرية، ومردّ ذلك أنّ الحاخامات الحريديم من التيارين الغربي والشرقي والحاخام الأكبر في “إسرائيل” ما زالوا يحرّمون بشكل قطعي الدخول إلى باحات الأقصى، لأنّه وفق التعاليم المزعومة دخول اليهود إلى المسجد يؤخّر بناء الهيكل..إلخ، “بيان الحاخامية المركزية في “إسرائيل” في 2004″ يأتي في هذا السياق.

الأمر الثاني، الذي يمكن الوقوف عنده هو انتخاب رئيس الكنيست الإسرائيلي الجديد أمير أوحانا، وهو مثليّ الجنس والأحزاب الصهيونية تنادي برفضها لمجتمع الميم وتعدّ ذلك جريمة بحقّ الدين اليهودي، تصريح أوريت ستروك عضو الكنيست عن حزب الصهيونية الدينية: “نسعى إلى تغيير القانون المناهض للتمييز، الذي من شأنه أن يسمح للأشخاص بتجنّب القيام بالأعمال التي تتعارض مع معتقداتهم الدينية بما في ذلك التمييز ضد المثليين في المستشفيات”، وبالتالي كيف يمكن تفسير موقف بن غفير وسموتريتش وماعوز الذين صوّتوا لأوحانا ليتسلّم المنصب؟، هل هو تطبيق للشريعة التي يتشدّقون بها؟ أم أنّ ما جرى كشف تلطّيهم خلف الستار الديني لتحقيق أهدافهم التي يمكن القول إنّها ليست عنصرية فقط بل نازية أيضا، حيث توعّد بن غفير المقاومين منفّذي العمليات ضد قوات الاحتلال ومستوطنيه بـ”الإعدام على كرسي كهربائي”، بينما قال سموتريتش إنّ بيوت وممتلكات منفّذي العمليات ستعود إلى المستوطنين؟.

إنّ ما يشهده كيان الاحتلال الإسرائيلي اليوم من وصول المتطرّفين والمتشدّدين إلى قمة المشهد السياسي هو حالة من تغيير الوجوه ليس أكثر، فالتطرّف والقتل والإجرام هو سمة المجتمع الإسرائيلي وليس حالة فردية أو طفرة عابرة، وإنّما نمط حكم قائم على الإجرام والعنصرية والإرهاب. لذا، يجب ألا يفوتنا أنّه كلما اشتدّ التطرّف والتشدّد في الكيان المحتل، فإنّ ذلك يؤكد أنّ خيار المقاومة هو الأمضى في مقارعة المحتل، وأنّ الدعوات ومقترحات الحل التي يسوقها البعض لتسويق التهدئة وعودة التنسيق الأمني ما هي إلا ذرّ للرماد في العيون.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , ,