عباس و”غزوة” مجلس الأمن و”كأنّك يا أبو زيد..”

التصنيفات : |
فبراير 22, 2023 8:06 ص

*أحمد حسن

على مرحلتين متتاليتين، أنهت واشنطن “غزوة” الرئيس محمود عباس “الدبلوماسية” على “إسرائيل” في مجلس الأمن الدولي، بعد إرغامه، وتحت التهديد والترغيب بحسب مصادر فلسطينية، إلى سحب مشروع قرار وقف الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة من على طاولة المجلس، بعدما كان من المقرر التصويت عليه يوم الإثنين الماضي.

إنهاء “الغزوة” جاء على مرحلتين، في الأولى منها عمدت واشنطن إلى إفراغ القرار الفلسطيني- الإماراتي المقدّم من مضمونه عبر إدخال تعديلات جوهرية على بنوده، في ما نقلت في المرحلة الثانية -وتحت التهديد بحصار 2002 الشهير من جهة أولى، وتعهدات أمريكية بتجميد الاستيطان، ووقف هدم المنازل في الضفة والقدس، والتخفيف من عمليات اقتحام المدن الفلسطينية لعدة شهور من جهة ثانية- الأمر برمته من “قرار” إلى مجرد “بيان رئاسي” ليس له بحكم القواعد الدولية قوة القرار ولا تأثيره أو مفاعيله، ولا فائدة منه سوى ضمّه إلى المدونة القانونية الضخمة التي تشكّل ملف فلسطين في مجلس الأمن منذ عقود عدة.

ويبدو، من التسريبات الإعلامية، أنّ تراجع عباس جاء بسبب “تهديدات شخصية وعائلية وُجّهت إليه”، سواء ما تعلّق منها بإمكانية تأييد واشنطن فرض حصار إسرائيلي عليه، أو ما تعلّق منها بسحب “كل الامتيازات التي يتمتّع بها هو وعائلته، إضافة إلى تعطيل الامتيازات التي يتمتّع بها قادة السلطة في الضفة، وتنفيذ عملية واسعة هناك”.

بيد أنّ هذا عذر أقبح من ذنب، لأنّه ينطوي، ويدلّ في الآن ذاته، على جانبين مؤسفين، أولهما قيامه، أي العذر، كدليل بيّن على مدى انخراط “المجموعة” في العلاقات والمصالح المالية مع العدو وتقديمها ذلك على المصلحة الوطنية الجامعة، والثانية، أن يخضع قادة شعب تحت الاحتلال لتهديد شخصي من أي جهة كانت في ما شعبهم ذاته يتعرض يومياً لإفناء مادي ومعنوي ممنهج ومدروس.

انقلبت “الغزوة” من قرار يدين “إسرائيل” إلى بيان دولي يدين المقاومة ويساويها بأعمال وجرائم المحتل، بل يطالب السلطة الفلسطينية “بالتخلي عن الإرهاب ومكافحته”

وإذا كان ما سبق تسريبات “مغرضة” كما سيسارع البعض للقول، فإنّ الأخطر من ذلك كله أنّ يكون المكسب المقابل للتنازل عن “قرار” الإدانة الواضحة للعدو ليس إلا بعض الفتات المالي والدبلوماسي لمصالح مجموعة محددة وليس للشعب الفلسطيني وقضيته المحقّة التي تتقزّم في هذه الحالة من قضية شعب محتل إلى مجرد نزاع عادي يُحلّه تفاوض مالي أو فتح معبر هنا أو إلغاء بؤرة استيطانية هناك.

بهذا المعنى نفهم كيف انقلبت “الغزوة” وبالاً علينا فانتقلنا من قرار يطالب الكيان الصهيوني “بوقف فوري وكامل لنشاطاته الاستيطانية في الأراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية”، إلى بيان يعّبر عن “القلق والاستياء العميقين”!، ومن قرار يدين “إسرائيل” إلى بيان دولي يدين المقاومة ويساويها بأعمال وجرائم المحتل، بل يطالب السلطة الفلسطينية “بالتخلي عن الإرهاب ومكافحته”، وهو ما يعني ضمناً أنّها ضالعة في الإرهاب”.. وهذا ما جنته السلطة الفلسطينية من حربها الدبلوماسية.

وإذا كان من الواضح أنّ واشنطن تجنّبت بهذه الخطوة إحراج استخدام الفيتو أو الامتناع عن التصويت، إلا أنّها قالت أيضاً للرئيس الفلسطيني وللمرة الألف: هذا طريق مسدود ومغلق، لكن الرجل الذي يؤمن بفكرة “المفاوضات..المفاوضات.. ثم المفاوضات” ولا شيء غيرها لا يبدو أنّه صدّق أو سيصدق مستقبلاً أنّ “مقاومته” الدبلوماسية لن تنفع في عالم الغابة ما لم تقترن بالمسدس، وبالتالي لن يكون إيابه من هذه “الغزوات” إلا على إيقاع المثل الشهير: و”كأنّك يا أبوزيد ما غزيت”.

وربما لم يكن أبلغ من بيان حركة “حماس” للتعبير عن مجمل ما جرى حين قالت على لسان الناطق باسمها حازم قاسم، إنّ “السلطة مُصرّة على شراء الوهم من الإدارات الأمريكية وحكومات الاحتلال”، وإنّ “سلوك رام الله يقدّم خدمة مجّانية للعدو، ويجمّل صورته البشعة أمام الرأي العام العالمي، ويشجّع مسار التطبيع معه”.

وهذا عين ما يقوله، وما أراده، البيان الرئاسي الصادر بكل تفصيل فيه: مواصلة بيع الوهم وشرائه وتجميل صورة العدو ولا شيء آخر.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , ,