“إسرائيل” وسياسة التدمير الذاتي.. الانهيار بات وشيكاً

التصنيفات : |
فبراير 23, 2023 7:52 ص

*سنان حسن

ما زال النقاش يحتدم في “إسرائيل” حول الإصلاحات القضائية التي يسير بها ائتلاف بنيامين نتنياهو الحكومي على وقع المظاهرات التي يشهدها الكيان للأسبوع السابع على التوالي ومبادرة الرئيس إسحاق هرتسوغ للوساطة بين المعارضة والحكومة من جهة، والانتقاد الأمريكي العلني لأول مرة لمخططات الحكومة الإسرائيلية وتوجّهاتها، التي هي برأي واشنطن -أي الإصلاحات- قد تُحوّل الكيان إلى دولة منبوذة عالميا.. ولكن هل أوقف كل ذلك سير التعديلات في الكنيست؟، بالتأكيد لا، بل على العكس أنجز هذا الأخير القراءة الأولى للمشروع بانتظار القراءتين الثانية والثالثة، اللتين لن تكونا بعيدتين عن الإقرار قريباً جدا، فهل باتت “إسرائيل” بالفعل على شفا حرب أهلية كما يحذّر الكثير من القادة والساسة الإسرائيليين؟ وما مصير مبادرة هرتسوغ، وكيف سيتعامل نتنياهو مع موقف واشنطن الرافض لخططه ومشاريعه؟، وهل سيكون الخلاص بإسقاط الحكومة والدعوة لانتخابات جديدة؟، والأهم ما موقف حلفاء نتنياهو من كل ذلك وهل سيسلّمون بالأمر الواقع؟.

التايتانيك الإسرائيلية

لا يتوقف الإعلام  الإسرائيلي عن التحذير من خطر كبير يُحدق بالكيان في حال إقرار الإصلاحات القضائية التي تسير بها حكومة نتنياهو اليمينية، ولأول مرة يتمّ الحديث عن حرب أهلية ودعوات للجيش للتدخل وحسم الأمور للحفاظ على “الدولة” كما يزعم المطالبون، حيث شبّه جدعون ليفي في مقال له في صحيفة هآرتس بتاريخ 19/2/2023 بعنوان “المشاركة والتصميم: ركاب الدرجة الأولى على متن “التايتانيك” استيقظوا”، مصير الكيان حالياً بمصير سفينة التايتانيك التي غرقت، والسبب كما يراه ليفي عائد إلى القادة الإسرائيليين القدماء والجدد في المعارضة والحكومة، ومضيّ كل طرف في الإصرار على مواقفه حتى لو أدّى ذلك إلى سقوط الدولة وغرقها في بحر الفوضى، حيث شبّه ليفي سياسة “إسرائيل” بأنّها درجات أولى وثانية وثالثة تماماً كركاب السفينة، ووصول نتنياهو وائتلافه بوصول طاقم قيادة للسفينة، ولكن نصف هذا الطاقم قديم من الدرجة الأولى والآخر جديد من الدرجتين الثانية والثالثة ويريد التغيير دون اكتراث بالعواقب ولو أدّى ذلك إلى سقوط “إسرائيل” بفعل الفوضى، مشبّهاً الرفض الحالي لما يجري في الكيان الصهيوني من مظاهرات بأنّه انتفاضة من ركاب الدرجة الأولى كيلا يتغيّر نمط حياتهم ومكاسبهم التي كانوا عليها طوال الفترة الماضية حيث يقول: “عندما جاء الطاقم الجديد برئاسة القبطان القديم – الجديد بشخصيته المختلف عليها: نصف الركاب أُعجبوا به والنصف الآخر مقتوه، بدرجة غير مسبوقة. الطاقم الجديد غيّر الصورة. فقد قال إنّه سيُدخل قوانين جديدة على السفينة يمكن أن تغيّر طبيعتها.

حتى آخر قطرة دم لديهم سيقاتلون من أجل وقف التغييرات وترك السفينة على حالها، السفينة الأفضل بالنسبة لهم

البعض اعتقد، ولا سيما في الدرجة الثانية والثالثة، أنّ التغيير إيجابي، أو للأسف لن يكون دراماتيكيا. ولكنّ ركاب الدرجة الأولى وبعض الأشخاص في الدرجة الثانية كانوا على قناعة بأنّ هذا تغيير مصيري، وهم غير مستعدين لمواصلة الإبحار في سفينة قوانينها مشكوك فيها. هذه لن تكون سفينتهم بعد الآن ولا يوجد لهم سفينة أخرى. حتى آخر قطرة دم لديهم سيقاتلون من أجل وقف التغييرات وترك السفينة على حالها، السفينة الأفضل بالنسبة لهم”.

معارضة التغيير

وأمام المواقف المتصلّبة من الحكومة وسعيها إلى التغيير بدت وساطة هرتسوغ، الذي طرح مبادرة من خمس نقاط كخريطة طريق للحل بين المعارضة والحكومة، غير مجدية في ظل تعنّت كلا الطرفين، حيث رأى ناحوم برنياع  في مقال في صحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ 19/2/2023 أنّ الساسة الإسرائيليين سواء في المعارضة أم الحكومة لم يحترموا الرئيس ولا مبادرته، فالحكومة استمرّت في تنفيذ مشروعها، حيث أقرّ الكنيست القراءة الأولى لمشروع القانون الجديد، كما أنّ رئيس المعارضة يائير لابيد لم يُعطِ أيّ وزن لوساطة للرئيس بل تعامل معها باستخفاف، معتبراً أنّ هرتسوغ يتحمّل مسؤولية أخلاقية لإيقاف ما يجري، لأنّه يتوجّب عليه أن يغتنم الفرصة المناسبة لتحقيق ذلك وهو لم يفعل “الناس الفهيمون، المناسبون، مثل رئيس الدولة، يقولون لأنفسهم في أثناء الأزمة، أنا أفعل فعلاً لكنّي أفعله في الوقت المناسب، حيث يؤدّي إلى تغيير، ليس الآن. لديّ رصاصة واحدة في السبطانة ولن أضيعها سدى. عندما قرّر العمل كان الأوان قد فات”، مضيفا: “لرئيس الدولة يوجد القليل جداً من الصلاحيات السياسية. لكن توجد له صلاحيات أخلاقية. لا تجلبوا القوانين إلى التصويت غدا، كان يمكنه أن يقول لروتمن وشركائه: انتظروا. إذا أقرّيتم القانون غداً فلن تجدوني بعد غدٍ عندما ستحتاجون إلى سترة واقية حيال أمريكا، حيال المحكمة، حيال المتظاهرين. في يوم الأمر لن أنقذ لكم نتنياهو”. ولكن ماذا عن اليسار ومشروعه هل هو جاد في منع نتنياهو وحلفائه من الوصول إلى مآربهم؟.

إنّ ما يحتاج إليه اليسار الإسرائيلي الآن حقاً هو خطة مارشال لـ”إسرائيل”
(زئيف أبراهام)

في السياق، توجّه الصحافة الإسرائيلية انتقاداتٍ واسعة للمعارضة على أنّها فاقدة للمشروع، فهي تريد أن تتظاهر فقط وكأن التظاهر هو الهدف. لذلك على المعارضة، واليسار جزء رئيس منها، أن تحدّد ما تريده فالمظاهرات هي وسيلة للوصول إلى هدف. لكنّها تحوّلت إلى هدف بحدّ ذاته، فهناك حدود لما يمكن لمظاهرة أن تفعله وما يجري على مدى سبعة أسابيع يؤكد أنّها استنفذت ذاتها. وبالتالي، يجب أن تضع خطة كبيرة للعودة إلى الساحة السياسية بقوة وإعادة المشهد السياسي الإسرائيلي إلى التوازن من خلال العودة إلى كتلتين وازنتين في الكنيست وليس كما يحصل اليوم.. كتلة من ستة مقاعد بقيادة إيتمار بن غفير يمكنها تغيير المشهد الإسرائيلي العام، حيث يقول الكاتب زئيف أبراهام في “يديعوت أحرونوت” في مقال بتاريخ 19/2/2023 بعنوان “ما الخطير في المظاهرات هكذا فشل الاحتجاج”: “إنّ ما يحتاج إليه اليسار الإسرائيلي الآن حقاً هو خطة. خطة مارشال لـ”إسرائيل”.. وأن يطلبوا المغفرة على المظالم العنصرية والتفرقة التي وقعت على مدى عشرات السنين ضد جماعات في المجتمع الإسرائيلي وأن يقترح تعويضاً مناسباً وأن تقترح خطة تظهر كيف يكون اليسار فيها مستعداً بعض الشيء لإفلات قبضته عن مواقع القوة ومشاركة حريديم، عرب، شرقيين، إثيوبيين فيها. ليس الآن، لكن بعد عقد. ودون تمييز إصلاحي بل فقط من يكون مناسباً من بين المرشحين”.

الانهيار بات وشيكاً

وطالب أبراهام بحظر مشاركة العسكريين في كتابة هذه الخطة، لأنّهم كانوا السبب في ما وصل إليه المجتمع الإسرائيلي من تفرقة وتباعد، مبيّناً ذلك بالقول: “لمن المحظور أن يشارك في كتابة ورقة موقف كهذه ضباط الجيش. فإعجاب ممثلي اليسار السلميين بأصحاب الرتب هو إعجاب يبعث على الشفقة. ضباط الجيش الذين يتحدثون عن الكفاح (غولان، يعلون وباراك) هم أناس حموا، غذّوا وطهّروا الاحتلال، ولفظهم الجمهور من الساحة السياسية. جدول الأعمال الذي يطرحونه للمظاهرات هو عسكري وعدواني ويشبّه الطرف الآخر بالنازيين.. من يتابعهم ليس معنياً بالسلام، هو معني بالتظاهر”.

إنّ المؤيّدين لـ”إسرائيل” حتى واشنطن ترى في ما يجري مقدمة لأحداث كبرى في “إسرائيل” لا يمكن لأحد تصوّرها

أما النقطة الأكثر جدلاً اليوم في “إسرائيل” فهي الدخول الأمريكي المباشر على خط الأزمة الناشئة، فبعد تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن عن ضرورة أن يكون الإصلاح محطّ إجماع بين الإسرائيليين كي لا يتمّ تدمير الأمة على حدّ وصفه، وما تلاها من تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن أمام نتنياهو نفسه في القدس المحتلة، حيث يرى الكثير من المتابعين أن التوجّس الأمريكي مما يجري قد يعطل الكثير من الخطط والمشاريع التي تضطلع “إسرائيل” بتنفيذها في الشرق الأوسط بسبب انشغال ساستها بتحصيل مكاسب ضيّقة على حساب مشاريع ومخططات كبرى تحضّر لها واشنطن لـ”إسرائيل” مع محيطها والعالم، ولكنّ الساسة الإسرائيليين ومنهم نتنياهو الذي استهزأ بالانتقادات الأمريكية، حيث تجاهل بداية كلام بلينكن في المؤتمر الصحفي المشترك معه، قبل أن ينقل أحد الصحافيين عن نتنياهو في اجتماع لكتلة الليكود أنّه طالب بلينكن أن يخرس عن الكلام في ما يخص الشؤون الداخلية للكيان، أما المعارضة فقد استثمرت في الموضوع للقول إنّ المؤيّدين لـ”إسرائيل” حتى واشنطن ترى في ما يجري مقدمة لأحداث كبرى في “إسرائيل” لا يمكن لأحد تصوّرها.

إنّها مرحلة مصيرية في كيان الاحتلال لأنّ الخلافات الداخلية تتعاظم وتبدو عصيّة على الحل ما يهدّد بالانهيار الداخلي وهذا ما قد نراه بأقرب مما نتصوّر.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , , ,