الشعب يحمي المقاومة.. ولا عزاء لأرباب العقبة

التصنيفات : |
فبراير 27, 2023 8:10 ص

*أحمد الطناني – غزة:

باتت كل فلسطين على حزن ليلة الأربعاء، بعد مجزرة دامية نفّذها جيش الاحتلال في مدينة نابلس استهدفت اغتيال القياديين الشهيدين حسام اسليم ومحمد أبو بكر الجنيدي من مجموعات عرين الأسود وكتيبة نابلس، ارتقى خلالها 11 شهيداً من أقمار نابلس.

لم تكن العملية التي نفّذها جيش الاحتلال في وضح النهار، سهلة وسلسلة كما كان يريدها الاحتلال عملية سريعة ومباغتة لوحدات المستعربين والكوماندوز، إلا أنّ البلدة القديمة كانت على موعد مع ملحمة جديدة، يُسطّر فيها أبطال نابلس وأهلها صفحة مُشرقة تُضاف لصفحات العز والشرف والبطولة.

رفض المقاومون تسليم أنفسهم، أرسلوا رسائلهم الصوتية عبر منصات التواصل الاجتماعي، نحن هنا محاصرون، لن نستستلم ولن نتراجع، مشتبكين مقبلين غير مدبرين، دربنا درب الشهادة وعيوننا نحو فلسطين، ووصيتنا لا تتركوا البندقية.

لم تترك نابلس أبناءها وحيدين، هبّ المقاومون من كل حدب وصوب

لم تترك نابلس أبناءها وحيدين، هبّ المقاومون من كل حدب وصوب، من كل مخيّمات ومناطق نابلس لإسناد رفاقهم، كما هبّت الجماهير للمساهمة في المواجهة مع جيش الاحتلال الذي دفع بتعزيزات كبيرة حتى لا يفقد الصيد الثمين، واضطر لقصف البيت على المتحصّنين فيه بعد اشتباك ملمحي استمر لساعات، شهد إقدام لا مثيل له للمقاومين الذين ارتقى عدد منهم إلى جانب مجموعة من المواطنين برصاص جيش الاحتلال خلال العملية الإجرامية.

لملمت نابلس جراحها، ونعت “عرين الأسود” شهداءها بكلمات من غضب ونار وإصرار على استكمال درب الأحرار، وأعلنت أنّ “العرين” باقٍ ودماء الشهداء قناديل تُنير الطريق، ورسالة الدماء هي رسالة لكل المراهنين على مسارات التسوية، أن لا لغة مع هذا العدو سوى لغة القوة، ولا حوار معه إلا عبر فوهات البنادق.

بيعة الجماهير مع المقاومين

أصدرت مجموعات “عرين الأسود” بياناً نارياً بالغ الأهمية مساء الخميس 23 شباط/ فبراير، موجهةً رسائل واضحة لكل من يفكر بعقد الصفقات الأمنية مع الاحتلال بهدف القضاء على المقاومة وإجهاض المد الانتفاضي في الأراضي الفلسطينية.

“قطار المقاومة قد انطلق، ولا يستطيع أحد أن يوقفه”

وجّهت “عرين الأسود” دعوتها للجماهير الفلسطينية للخروج إلى الميادين والشوارع في منتصف الليل مكبرين تأكيداً على التفافهم حول خيار المقاومة وبيعتهم مع الشهداء بأن يبقوا على ذات الدرب، مؤكدين ما ذكره العرين في بيانه “قطار المقاومة قد انطلق، ولا يستطيع أحد أن يوقفه”.

شكّلت الاستجابة الجماهيرية الواسعة لدعوة “عرين الأسود” رسالة مهمة، حملتها حناجر الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني الذي خرجوا إلى الشوارع في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحتى في بعض مخيّمات الشتات، صادحين بالتكبيرات والهتافات للمقاومة و”عرين الأسود” وباقي المجموعات والكتائب.

قالت الجماهير كلمتها في مشهد غاب طويلاً عن شوارع فلسطين، أن تكون الجماهير في قطاع غزة ومدن الضفة الغربية من شمالها لجنوبها، والقدس المحتلة، وبعض مخيّمات الشتات، حاملين ذات الشعار، ملتفين حول ذات الفكرة، فكرة المقاومة كدرب ونهج.

الرسالة كانت واضحة أنّ هذا الشعب يحمل مقاومته ويحميها، يُحصّنها ويُشكّل سياجاً لها، فهي منه وهو منها، وهي رسالة أيضاً لكل من اعتقد أنّ حالات المقاومة ما هي إلا “زوبعة في فنجان” سرعان ما ستنتهي.

العرين أيقونة للفكرة، نموذج عن الجيل الفلسطيني الجديد

أصبحت مجموعات “عرين الأسود” الأيقونة التي تُعبّر عن حالات ومجموعات المقاومة الحديثة التي انطلقت في محافظات الضفة، هذه المجموعات التي تجاوزت كل التوقعات، وفاجأت كل التقديرات.

يعبّر العرين عن جيل نهض من تحت عشرات الطبقات من خطاب الهزيمة والاستسلام، ليقول بالفعل قبل الكلام إما النصر أو الشهادة

يعبّر العرين عن الجيل الفلسطيني الجديد، الجيل الذي رفض كل ما خُطط ودُبر وجُهز له من محاولات للتدجين وصهر الوعي وإعادة البرمجة ليكون الجيل الذي يقبل الاحتلال ويتعايش معه. ليكون الرد من الميدان مخالفاً ومغايرا، بجيل من الشباب الذي يحمل بداخله إقدام وتضحية تستحق أن تُوثَّق للأجيال القادمة، عن جيل نهض من تحت عشرات الطبقات من خطاب الهزيمة والاستسلام، ليقول بالفعل قبل الكلام إما النصر أو الشهادة.

رسائل من الميدان

حمل الميدان رسائل متعددة خلال الأيام السابقة، بدءاً من الملحمة الكبرى في البلدة القديمة بمدينة نابلس، مروراً بالحشود الشعبية التي استجابت لدعوة “عرين الأسود” مبايعةً للمقاومة رافضةً للخطط الأمنية والمؤامرات التي تُحاك على الشعب الفلسطيني، وليس انتهاءً بالتحركات الجماهيرية الشبابية في كل المحافظات رفضاً للمشاركة في قمة العار الأمنية- قمة “العقبة” التي يتكون جدول أعمالها من بند واحد فقط ألا وهو القضاء على المقاومة ونزع كل عوامل اشتعال انتفاضة فلسطينية جديدة.

الشعب الفلسطيني خرج إلى الشوارع والميادين بدون دعوات منظمة، ومنطلقاً من قناعة راسخة، أنّ الجدوى الحقيقية هي جدوى المقاومة، وكل المؤتمرات والصيغ التي يطرحها الوسطاء بقيادة رأس الأفعى “الولايات المتحدة” هدفها فقط إجهاض الفعل الفلسطيني وحماية الاحتلال.

ترافق الحراك الجماهيري مع ارتفاع واضح وملموس في الفعل المقاوم وعدد حالات الاشتباك التي استهدفت نقاط ومواقع جيش الاحتلال على امتداد محافظات الضفة، كانت رسائل بالنار والرصاص، أن مجموعات المقاومة في حالة توسع في الفعل والحضور عملياتياً وجغرافيا.

الشرعية هي شرعية الميدان، والميدان هو للمقاومة

رسائل المقاومة والجماهير واضحة، من يُفكر بأنّ مجموعات المقاومة ستكون لقمة سائغة لمخططاته، فهو واهم، ومن يظن أنّه يمتلك أي شرعية بفعل احتكاره لموقع رسمي يؤهله لأن يقدّم التنازلات باسم الشعب الفلسطيني، فهو حتماً حبيس أفكار لا تتجاوز كونها ضروب من الخيال، فالشرعية هي شرعية الميدان، والميدان هو للمقاومة.

العقبة: مؤامرة جديدة سيُسقطها الشعب الفلسطيني

بالرغم من حجم المؤامرة التي تستهدف الشعب الفلسطيني ومقاومته، إلا أنّ حركة التاريخ علّمتنا أنّ المؤامرات لن تتوقف من تلقاء نفسها، ولن يكف المتآمرون عن كونهم متآمرين، ومن ارتضى أن يكون ضد شعبه ومقاومته عن سبق إصرار لن تُصوَّب بوصلته.

المطلوب وطنياً لإسقاط المؤامرة: التوحد في خندق المقاومة

المؤامرات تُسقط، تتحطم، تتهشم، عبر التصدي لها، والتنبه لخطورتها، ومحاصرة مفاعيلها، وتصعيد الفعل المُجابه الرافض لمخططات التدجين والاستسلام ليستكملَ الاحتلال مخططات التصفية والسيطرة على الأرض وطرد البشر وتهجيرهم وهذا هو جوهر مخططات وزراء الحكومة الصهيونية الفاشية.

المطلوب وطنياً لإسقاط المؤامرة التوحد في خندق المقاومة، وتوفير كل سبل الدعم اللازم والغطاء الوطني والمجتمعي والمظلة السياسية لمجموعات المقاومة في الضفة الغربية، والعمل على تعزيز صمودها وتوسيع فعلها، وإسنادها بجدول فعل شعبي متواصل يوسع من حالة الاشتباك مع الاحتلال، والمؤامرات حتماً ستقسط ولا عزاء لأرباب العقبة وعرّابي المؤامرات الذين سيلفظهم التاريخ.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , ,