العقبة” كحاجة أمريكية أولاً

التصنيفات : |
مارس 2, 2023 7:14 ص

*أحمد حسن

في جوهرها ورسالتها قالت مجزرة بلدة حوارة مساء الأحد، أي عقب اجتماع العقبة، وغض “الجيش الإسرائيلي” -أو العصابة الرسمية- النظر عنها رغم علمه المسبق بها، إنّ نموذج عصابات “الهاجاناة” و”شتيرن وارغون” الإرهابية عام 1948، هو المعتمد في الحل والمسار الإسرائيليين -الشعبي والرسمي إذا جاز القول- نحو فلسطين وشعبها.

في جوهره ورسالته لم يكن الانزعاج الأمريكي من المجزرة المذكورة، والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عنها، استفاقة أخلاقية بحتة لطرف أساس في المأساة الفلسطينية، بل إنّه أشبه بـ”قول” سياسي غاضب يعني تحديداً “هذا ليس وقتها” لأنّها تشوّش على المعنى الأمريكي الحقيقي لقمة العقبة، التي وصفها الرئيس الأمريكي جو بايدن في اتصال هاتفي مع الملك عبد الله الثاني بـ”اللقاء التاريخي”.

وبالتأكيد لا نستطيع إغفال حقيقة دور “العقبة” في مسار إسقاط الإرادات بعد إسقاط البنادق، وبالتالي لم يكن هذا الاجتماع، شكلاً ومضمونا، إلا “عقبة” أخرى، في مسار النضال الوطني الفلسطيني الحقيقي والمؤثّر ضد الاحتلال، لكن ذلك، على أهميته، لم يكن إلا هدفاً ثانوياً أمام الهدف الحقيقي منه كحاجة أمريكية بحتة لمنع اشتعال، أو على الأقل تجميد، بؤرة توتر كبرى في المنطقة وفي لحظة لا تريدها كونها منشغلة بالصراع الإمبراطوري المصيري مع روسيا والصين، وهي بؤرة إذا اشتعلت ستكون، حتما، مدخلاً إيرانياً جديداً للتصعيد وتجميع الأوراق، وقد تصبح أيضاً فرصة روسية للدخول على الخط خاصة في ظل انزياح إسرائيلي نحو أوكرانيا -وهذا تحديداً ما يقدّم فرصة “استقلالية” ممتازة للسلطة لو أرادت استغلالها لكن، وللأسف، يبدو أنّ حسابات المصالح و”الوراثة” تمنع ذلك- دون أن نغفل الهدف الأمريكي الدائم والمتمثل في حماية كيان الاحتِلال من ذاته وانقساماته الداخلية التي تهدّد بانهيار كبير.

تخرج “العقبة” من كونها مجرد محطة في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي إلى كونها محطة في السعي الأمريكي لتقليص بؤر الاشتعال الثانوية بالنسبة لها، وهنا نفهم أيضاً تكليفها الأردن ومصر بالدور الأمني في هذا المجال، وهذا ما يفسّر لنا اقتصار الوفود المشاركة على الشخصيات الأمنية فقط لا غير.

بهذا المعنى تخرج “العقبة” من كونها مجرد محطة في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي إلى كونها محطة في السعي الأمريكي لتقليص بؤر الاشتعال الثانوية بالنسبة لها، وهنا نفهم أيضاً تكليفها الأردن ومصر بالدور الأمني في هذا المجال، وهذا ما يفسّر لنا اقتصار الوفود المشاركة على الشخصيات الأمنية فقط لا غير.

بيد أنّ الأمور لا تجري دائماً على “المسطرة” الأمريكية، فالتنصل الإسرائيلي الفوري من “العقبة” ونتائجها، يوضح يوماً إثر آخر أنّ الواقع في مكان آخر ليست “العقبة” مركزه الرئيس، لأنّ القوى الفاعلة اليوم على الأرض ليست “السلطة” ولا مصر أو الأردن، بل حكومة “إسرائيل” وميليشيات المستوطنين من جهة، والشباب الفلسطيني المقاوم من جهة أخرى، وإصرار “السلطة” على القيام بدور الحارس للاحتلال والاستيطان -وإن قلّت قدرتها على القيام به- يعني أنّها أصبحت بحد ذاتها مشكلة أمام النضال الوطني الفلسطيني، سواء لأدوارها الأمنية المعروفة، أو لمجرد وجودها ذاته، باعتبار أنّ هذا الوجود لم يعد يقدّم، وكان كذلك منذ البدء، سوى وهم الدولة للداخل، فتسحب بذلك فئات شعبية معها في طريق الاستكانة للمحتلّ، وصورة “الدولة” للخارج بما يريح “إسرائيل” التي تستطيع الادعاء بأنّها ليست كيان احتلال غاشم.

خلاصة القول، “العقبة” حاجة أمريكية أولا، لكنّها أيضاً عقبة أخرى تحاول رسم صورة مختلفة ومزيفة عن الأصل الذي يتمثّل بقضية نضال تحرري طبيعي ومشروع ضد احتلال استيطاني إلغائي، وبالتالي ليست المشكلة في اتخاذ قرارات تهدئة ولا وضع توصيات مشابهة، لكن بزوال الاحتلال نفسه، وهذا ما تحاول “العقبة” التغطية عليه، وتلك أدوارها الحصرية.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , ,