بداية النهاية.. هجرة المستوطنين تُقلق الصهاينة

التصنيفات : |
مارس 3, 2023 10:01 ص

*منى العمري – صمود:

لطالما تباينت أسباب الهجرات اليهودية من داخل الاحتلال الإسرائيلي منذ زمنٍ بعيد، ففي العقود الماضية كانت الأوضاع الأمنية المتدهورة سبباً رئيسا، لا سيّما أثناء انتفاضتي عامي 1987 و2000، اللتين دفعتا بعض مهاجري الإتحاد السوفياتي السابق إلى ترك المناطق المحتلّة نحو بلدان أخرى.

إذا، يواجه الاحتلال مشكلة مزدوجة، زيادة في نِسب المهاجرين من غير اليهود أو اليهود غير الحقيقيين، مع تفاقم ظاهرة هجرة اليهود من الأراضي المحتلّة، وهو أمر يضرب أحد الأسس المتينة التي تأسس عليها الكيان الصهيوني. (١)

هجرة معاكسة تقلب المعادلة

عندما نتحدث عن الهجرة المعاكسة من “إسرائيل” تجاه أوروبا، علينا أن نستحضر المشهد من بداياته، منذ اللحظة الأولى لتأسيس الحركة الصهيونية: أيدولوجيتها وأهدافها التي أُنشئت  لأجلها، كهدف وركيزة أساسيين تمثَّلا بإنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، وكيف شجعت، بصورة كبيرة، هجرة يهود أوروبا الجماعية إلى فلسطين خلال النصف الأول من القرن العشرين، إلى اللحظة التي أعلن فيها ديفيد بن غوريون، رئيس المنظمة الصهيونية العالمية آنذاك، تأسيس “دولة إسرائيل” عام 1948، والتي أكد فيها أنّ “إسرائيل” ستمثّل وطناً قوميّاً آمناً لليهود. رافق ذلك تمرير لرواية صهيونية قائمة على تشجيع يهود العالم على الهجرة والحصول على جواز سفر “إسرائيلي” بعد شرعنة كنيست الاحتلال الإسرائيلي قانون العودة عام 1950، والذي يعطي الحقّ بمنح “الجنسية ” لكل يهودي قادم من أوروبا للعيش في “إسرائيل”. 

أصبحت “إسرائيل” تعيش توترات داخلية غير مسبوقة. وحالة التفكك والإنقسام في مكوّناتها قائمة على أربعة أنواع، هي: الهجرة، الإقامة، الولادة والتجنس.

حيث يدور الصراع على طبيعة المجتمع الصهيوني بصورة عامة، وعلى تركيبته بصورة خاصة، كما يعاني المستوطنون الإسرائيليون صراعاً طبقياً بين الأشكناز (اليهود الغربيين)، والسفارديم (يهود الشرق)، ناهيك عن حالة التمييز العنصري والاضطهاد لليهود الإثيوبيين من جهة أخرى.

تشجيع العمال الأجانب على اعتناق الدين اليهودي ومنح حقوق المواطنة لهم كخطوة منها في مواجهة الهجرة المعاكسة

وهذا ما أكّده رئيس جهاز “الشاباك” الإسرائيلي الأسبق، يوفال ديسكين، الذي قال: “إنّ التفكك الداخلي الإسرائيلي يتزايد، و”إسرائيل” لن تبقى حتى الجيل المقبل، نتيجة أسباب ومؤثرات داخلية. والإنقسام بين الإسرائيليين يزداد عمقا، كما أنّ انعدام الثقة بأنظمة الحكم آخذ في الإزدياد، والفساد ينتشر، والتضامن الإجتماعي ضعيف”. 

ما يؤكد حالة الإزدياد في نسبة الهجرة المعاكسة من “إسرائيل” إلى أوروبا، هو ما قامت به “إسرائيل” مؤخرا، عبر تشجيع العمال الأجانب على اعتناق الدين اليهودي ومنح حقوق المواطنة لهم كخطوة منها في مواجهة الهجرة المعاكسة. ولعلّ أبرز التحديات الديمغرافية التي تواجه “إسرائيل” أنّها لم تعد الوجهة المفضلة ليهود العالم. وتشير دائرة الإحصاء الإسرائيلية إلى أنّ هروب الأدمغة متواصل منذ عام 2003، وارتفع بنسبة 26% منذ عام 2013.

وتشير كل المعطيات إلى تعاظم معدلات الهجرة المعاكسة، عبر استفحال مشكلة هروب الأدمغة من داخل “إسرائيل” إلى أوروبا، إذ أنّ الأغلبية الساحقة من اليهود، الذين يغادرون “إسرائيل”، هي من الشبّان من ذوي المؤهّلات، وتحديداً في مجال التقنيات المتقدمة، الذين يبحثون عن تحقيق الذات في الخارج، وخصوصاً في أوروبا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية.

شبح الهجرة المعاكسة يقلق الصهاينة

إحصائيا، ووفق مراكز الإحصاء المتخصصة داخل “إسرائيل”، سجَّلت مؤشرات الهجرة المعاكسة من “إسرائيل” إلى أوروبا أنّ 19 ألف يهودي بين عامي 2004 و2006 غادروا “إسرائيل” من دون رجعة، وجاء العدد الأكبر في عام 2007 حينما غادرها 25 ألف نتيجة فقدان الشعور بالأمان.

اتضح أنّ العامل الأمني هو المؤثّر الأساسي في الهجرة المعاكسة، وتزايدت بصورة واضحة بعد الحرب مع “حزب الله” في لبنان

ووفق دراسة صدرت عام 2018، بعنوان “الهجرة اليهودية المعاكسة ومستقبل الوجود الكولونيالي في فلسطين”، بلغ عدد الذين تركوا “إسرائيل”، خلال العقود الأخيرة، بمن فيهم يهود الاتحاد السوفياتي السابق، مليوناً ونصف مليون. واتضح أنّ العامل الأمني هو المؤثّر الأساسي في الهجرة المعاكسة، وتزايدت بصورة واضحة بعد الحرب مع “حزب الله” في لبنان. 

كما نشرت صحيفة “هآرتس” العبرية إحصاءً صادراً عن مركز الإحصاء الإسرائيلي، قالت فيه: “إنّ عدد اليهود الذين غادروا “إسرائيل” عام 2015 فاق عدد الذين عادوا إليها، وذكرت أنّ نحو 16700 إسرائيلي غادروها عام 2015، من أجل العيش خارجها لفترة طويلة. وكان هذا بعد الحرب الإسرائيلية ضد المقاومة الفلسطينية عام 2014، وعاد منهم فقط 8500، وهي أدنى نسبة تسجَّل منذ 12 عاما”.

 كما تشير التقديرات الإحصائية الإسرائيلية، والتي صدرت مؤخرا، إلى أنّ ما يتراوح بين 800 ألف ومليون مستوطن إسرائيلي، ممّن يحملون جواز سفر إسرائيليا، يقيمون بصورة دائمة في دول متعددة حول العالم، ولا يرغبون بالعودة إليها.

وتكشف دراسة متخصصة لـ”معهد تراث مناحيم بيغن”، في القدس المحتلّة، أنّ أكثر من 50% من الإسرائيليين، وبحسب مصادر أخرى، 70%، توجهوا، أو كانت لديهم نيّة في التوجه للحصول على جواز سفر أجنبي إحتياطي.

وهذا يعكس حالة القلق، التي تدور في عقول الإسرائيليين وأذهانهم، ومفادها أنّ شبح الهجرة المعاكسة حاضر في وجدانهم على الدوام.

ويشير تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، أُجري بين عامي 2015 و2016، إلى أنّ أي مواجهة عسكرية محتدمة مقبلة مع “إسرائيل” ستجعل المستوطنين الإسرائيليين يغادرونها وينسلخون عنها نهائيا.

“خلال سنوات سينتصر العرب والمسلمون، ويكون اليهود أقلية في هذه الأرض، إما مطارَدين وإما مقتولين”

(بيني موريس)

فمنذ مطلع عام 2020، غادر ما يقارب 16 ألف يهودي “إسرائيل”، بسبب صواريخ المقاومة الفلسطينية، التي باتت تشكّل تهديداً كبيراً لحياتهم. والأمر لم يتوقف عند هذا الرقم، فلقد نشرت وزارة الإستيعاب الإسرائيلية معطياتها عن الهجرة اليهودية، وفق دراسة أعدّتها، فجاءت مُفاجئة وصادمة للأوساط الإسرائيلية، لأنّها أظهرت أنّ ثلث اليهود في “إسرائيل” يؤيّدون فكرة الهجرة، وخصوصاً بعد المواجهة العسكرية مع المقاومة الفلسطينية في أيار/مايو 2021.

ووفقاً لأرقام الوزارة ذاتها، غادر “إسرائيل” 720 ألف مستوطن إسرائيلي، واستقرّوا في الخارج بصورة رسمية منذ مطلع عام 2021، في حين سجّل العام نفسه تفوُّقاً في ميزان الهجرة المعاكسة من “إسرائيل” إلى الخارج لمهاجرين يهود، هم في الأساس قادمون من الخارج.

الاحتلال نحو الإنهيار والتفكّك

بدأت “إسرائيل” تتفكّك وتنهار داخليا، بصورة متسارعة، وهذا ما أكّده أستاذ العلوم العسكرية في الجامعة العبرية في مدينة القدس المحتلّة، البروفيسور مارتين فان كارفيلد، والمعروف أنّه من أشدّ الداعين لطرد جميع العرب من “إسرائيل”، قائلا: “إنّ تدهور الجيش “الإسرائيلي” بدأ من الرأس حتى القاع، أي من القيادة حتى الجنود، بسبب تفشي ظاهرة إدمان المخدرات والتجارة فيها، وبيع الجنود أسلحتهم لفصائل المقاومة الفلسطينية للحصول على المال، وتصاعد منسوب هجرة الإسرائيليين إلى أوروبا وأمريكا. هذا الصراع ضد الفلسطينيين خاسر، وسينتهي بنهاية “دولة إسرائيل” في نهاية المطاف”.

الأمر لم يتوقف عند البروفيسور كارفيلد، فما أفصحت عنه نُخَب إسرائيلية سياسية خلال معركة “سيف القدس” بشأن تصاعد مفهوم الهجرة المعاكسة الإسرائيلية باتجاه أوروبا يعزّز ما ذهب إليه مفكرون ومؤثّرون كثر في المشهد الإسرائيلي، كونهم أدركوا حقيقة المشهد بشأن مستقبل الكيان الصهيوني، وهذا ما رسّخَ لديهم قناعات جديدة بفعل قوة المقاومة ومحورها وصلابتهما.

وهذا ما ذهب إليه المؤرخ الإسرائيلي، بيني موريس، الذي قال: “خلال سنوات سينتصر العرب والمسلمون، ويكون اليهود أقلية في هذه الأرض، إما مطارَدين وإما مقتولين”. (٢)

المقاومة تزعزع الإستقرار الصهيوني

حذّر الرئيس الأسبق لجهاز الإستخبارات الخارجية (الموساد) تامير باردو، الصهاينة من احتمال زوال الكيان، في مقال نشرته له صحيفة “يديعوت أحرونوت”، في حزيران/يونيو 2022،. وقد قال بالحرف الواحد، معلّقاً على مغادرة 720 ألف مستوطن واستقرارهم في الخارج منذ مطلع سنة 2021: “هذا العدد مرشّح للإرتفاع هذا العام، بعدما ضربت المقاومة الفلسطينية مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي، وأصبحت، باعتراف إسرائيلي رسمي، كل بقعة مستباحة وتحت مرمى صواريخ المقاومة من غزة وحزب الله اللبناني”.

في حين، أفصحت الكاتبة وأستاذة التاريخ في الجامعة العبرية، أدليت وايزمن، إبّان معركة “سيف القدس”، حيث كتبت متوجّهةً إلى قادة الكيان، وفي كلامها رجع صدى لمقولة السيد حسن نصر الله الشهيرة في خطابه الإحتفالي بالنصر، الذي ألقاه في بنت جبيل، غداة الإنسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني، في 25 أيار/مايو سنة 2000: “لقد خدعتمونا، أنتم كذبة يا قادة “إسرائيل”، “إسرائيل” تحترق، وصواريخ غزة تنهمر على كل “إسرائيل” كالمطر. أنتم تكذبون، فـ”إسرائيل” تذهب من هزيمة إلى هزيمة، منذ حرب تموز/يوليو 2006 (لبنان) لغاية الآن. نعم، أوهن من بيت العنكبوت”. (٣)

* المصادر المتعقلة

1- “لنغادر البلاد معا”.. لماذا يفر آلاف اليهود من إسرائيل؟ | الجزيرة نت (aljazeera.net) 

2- “إسرائيل” تنزف.. الهجرة المعاكسة خطر وجودي | الميادين نت (almayadeen.net) 

3- الهجرة المعاكسة تؤرق إسرائيل: “الكيان المؤقت” على المحكّ (al-akhbar.com)


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , ,