مقام الحنين.. الأستاذ وجريندايزر
مارس 7, 2023 8:32 ص*حمزة البشتاوي
لم نتعرف ونحن أطفال صغار في مدرسة “بيت إسعاد الطفولة” في سوق الغرب في لبنان، على شخصية (كوجي) البطل الثاني في مسلسل جريندايزر، وذلك لعدم وجود التلفزيون، ولاحقاً بعد أن كبرنا وتزوجنا شاهدنا المسلسل مع أطفالنا حيث تعرفنا معهم على شخصية (كوجي) الشاب الشجاع والمرح الذي يحب المزاح.
وهكذا كانت شخصية أستاذنا صاحب الطلة السمراء الساحرة والعيون الضاحكة الذي كان يدرسنا مادة الموسيقى الفنان عبد الله حداد وهو من أدّى بصوته دور (كوجي) مما جعلنا نتذكر الأستاذ والمدرسة كلما ذُكر إسم (جريندايزر).
وما زالت المدرسة رغم الدمار والخراب الذي لحق بها جراء أكثر من حرب، تحتفظ بالكثير من الحكايات والذكريات عن أيام كانت فيها مدرسة “بيت إسعاد الطفولة” التي تحتضن أبناء الشهداء هي البيت والأسرة والعالم المنتمي لفلسطين والعلم والمحبة.
وكان الإهتمام بالجوانب الثقافية والفنية يأخذ الحيز الأكبر من الأنشطة التعليمية والترفيهية في المدرسة، حيث كان يتمّ إحياء المناسبات الوطنية الفلسطينية، وخاصة ذكرى إنطلاقة الثورة الفلسطينية ويوم الشهيد ويوم الأرض من خلال الأغاني والأناشيد المنقولة والمستوحاة من التراث الفلسطيني إضافة للدبكة الفلسطينية التي تدرّب عليها الطلاب على يد مدرّب الدبكة أبو كفاح.
ومن أجل الحفاظ على التراث الوطني الفلسطيني عن طريق التعليم والترفيه، أسس الأستاذ عبد الله حداد جسماً فنياً من أبناء المدرسة عُرف لاحقاً بإسم فرقة مؤسسة إسعاد الطفولة- أبناء الشهداء للفلكلور الفلسطيني، وقدّمت الفرقة التي جالت في العديد من الدول الكثير من الأعمال الفنية من كلمات وألحان الأستاذ عبد الله حداد ومنها أغنية (والله وشفتك يا علمي) ومونولوج (كيسنجر جاء يا ويكا) ومسرحية (الأونروا) التي غنّى فيها التلامذة أغنية ساخرة عن عمل الأونروا قالوا فيها:
بطني بيوجعني دوا أحمر
أحمر أحمر دوا أحمر
راسي بيوجعني دوا أحمر
أحمر أحمر دوا أحمر
يا هيئة الأمم .. يا مضيعة الذمم
زيت سمك وكم كيلو طحين .. وعيش يا مسكين
يا طابخ الملوخية اعمل حسابي شوية
أنا نفسي فيها من زمان ومش طايلها يا حسرة عليا
ولكن أكثر ما علق في أذهان الناس من أعمال الفنان عبد الله حداد أغنية التكتيك والتي كان قد درّب عليها التلميذ ياسين عراقي قبل الإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، ولكنّه أدّاها لاحقاً بنفسه على المسرح في مدينة عدن اليمنية أمام جمهور كبير وبحضور الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي ضحك كثيراً حينها، خاصة عندما قال الأستاذ في الأغنية:
سمعت نغمة أزعجت مخي
سألت قالوا تكتيك يا جاهل
إن رخوا نشد، وإن شدّوا نرخي هيك انشهرنا بالمحافل
لازم تكون تكتكجي إبن تكتكجي إبن تكتيك
يا متكتك تكتك بتكتك كل المسائل، يا خلتي وكل شي فهمتو فيك يا معوّد إلا التكتيك.
وغطت شهرة هذه الأغنية على غيرها من الأغاني كأغنية أمريكا مش أمريكا أمريكا “إسرائيل”، والتي قال فيها:
الفيتو يخرب بيتو، قديش خرّب بيوت
وتأثراً بالأستاذ وأسلوبه وأغانيه الساخرة قام تلامذة المدرسة في أحد الأيام واحتجاجاً على أكلة المجدرة بتأليف أغنية على لحن معروف وموجهة للطباخ الرئيسي في مطبخ المدرسة أحمد الجشي قالوا فيها:
ها الله ها الله يا جشي
ها الله ها الله
على حسن طبيخك ونفيخك
ما شاء الله طلعت الأكلة مجدرة
يا أبو صلعة منورة
وما يزال من تلك الأيام الكثير من الأغنيات والحكايات والذكريات التي لو جاء علماء وباحثون في علم الأجتماع والآثار ونقّبوا تحت ما بقي من مدرسة “بيت إسعاد الطفولة” ومن ركامها لوجدوا ما يضيء الأرض بمقامات موسيقى الصنوبر والبنفسج الجميل في غربة طافحة بالأنين والحنين.
*كاتب وإعلامي
وسوم :
أبناء الشهداء, أمريكا, الأنين, الأونروا, البنفسج, الثورة الفلسطينية, الحنين, الفيتو, المجدرة, بيت إسعاد الطفولة, جريندايزر, حمزة البشتاوي, ذاكرة اللاجئين, سوق الغرب, عبد الله حداد, عدن, علم الآثار, كوجي, كيسنجر, لبنان, مقامات, ياسر عرفات