بالتماس مع الباسل: في تعريف الذكورية السامة

التصنيفات : |
مارس 8, 2023 7:33 ص

*عبد الرحمن جاسم

قبل أعوام كتب المثقف المشتبك باسل الأعرج مقالاً أسماه “لا تكن مع الاحتلال ضدّهن” (رابط المقال في الأسفل) وقد ارتأيت -منطقيا- أن أعيد تعبئة الفكرة لضروريتها ولأنّ المرأة/الأم/الأخت تُظلم أيّما ظلم خصوصاً في المجتمعات الثورية، أو المقاومة.

لا ريب أنّ علم الإجتماع في منطقتنا الشرق أوسطية يتناول المجتمعات بسطحية سخيفة، على اعتبار أنّ هناك نوعاً من التضليل تجاه تعويم فكرة “الذكورية” عليه، وإذ يكفي أن تضع كلمة “الذكورية” المشرقية (أو المجتمع الذكوري) في محرك بحث على الإنترنت حتى يطالعك كم هائل من المقالات والأبحاث لكتّاب وباحثين يتنوعون بين الأكاديميين الدارسين، والباحثين المخضرمين، فضلاً عن رواد الإنترنت، وعشاق خولة حمدي وأثير النشمي وأحلام مستغانمي، ناهيك عن المعجبين بالكلمات “المفتاحية” والعبارات التي يمكن استعمالها كحِكم، ووضعها على صورةٍ شخصية، أو ظهر سيارة أجرة. مثلا، يتحدّث الباحث المغربي المعروف عبد الإله بلقزيز في مقالة عنونها “النزعة الذكورية كمشترك ثقافي بين المجتمعات” فيقول بلغة يائسة مستغربة: “ولسنا نتزيّد حين نقول إنّ الذكورية تكاد أن تكون، ولغاية هذا اليوم، المشترك الثقافـي والقيمي الوحيد بين المجتمعات والأمم. من يشكّ في ذلك، ليَخْتر أيّ بلدٍ في العالم يعتقد أنّه الأكثر تطوراً وتقدّما، وليُقارِن بين ما تَحتَازُه النساء فيه من فرصٍ وأنصبة وما يحتازُه الرجال فيه”. إنّ الرجل/الباحث ليكاد يجزم بأنّ دور المرأة الريادي والتقدّمي الطويل ونجاحاتها مقطوع، والأغرب أنّ الرجل يُعتبر واحداً من المفكرين العرب المعروفين.

أما الباحث الأردني محمد طالب عبيدات، فقد أشار في مقالتيه “ذكورية المجتمع” و”مجتمع ذكوري” إلى مجموعة من النقاط التي تعزل المرأة وتقمعها، وتضعها في إطار أقل من الذكر. طبعاً يجهد الباحثان في “تسطيح” الفكرة وتهميشها ضمن “القوانين” الظاهرة والمباشرة، متجاهلين أي دور حقيقي أو وجود رئيسي للمرأة إلا في الإطار “النظري” و”البسيط/الظاهر” للقضية.

مثلهما تأتي الكاتبة الفلسطينية منى المصدر في مقالتها “كيف ينمو الوعي الذكوري”، شارحة: “يستمر الوعي الذكوري في التجذّر في المجتمع من خلال تنشئة الأبناء، فحين يرى الطفل أنّ أباه يضرب أمه أو أخته ولم يردعه أحد فسيعتقد أنّ تصرف أبيه تصرف طبيعي بل وحميد، وهو يحاول الحفاظ على شتات الأسرة وتأديبها. فبالتالي سيسلك الطفل نفس سلوك الوالد في حياته وفي زواجه. حيث إنّ الأطفال يستقون معرفتهم الأولى من البيت، أي الأسرة”. في المطلق ما تقوله “المصدر” صحيح بعض الشيء، إلا أنّه يسطّح القضية، فالأم أيضاً في ذات المنزل المقترح قد تضرب أطفالها أيضا، فهل سيعتقد الطفل بأنّ للمرأة الحقّ في ضرب الرجل؟.

الذكورية السامة

وفي مقالة لسفيان الغانمي عنونها بـ”هل فعلاً المجتمع هو من يؤنِّث ويذكِّر؟”، يقول الغانمي: “فمن خلال اللعب مثلاً (لو نظرنا إلى الألعاب المخصصة للذكور)، سنجد أنّها ألعاب تُربّي فيه ذاك الحس بالتوفق والمسؤولية، بخلاف الأنثى فإنّنا نجد الألعاب المخصصة لها تتشكل من أواني للمطبخ وغير ذلك، فمنذ الصغر يتربى كلا الطرفين أو تُرسم لكل واحد منهما طريقة وتُحدد له وظائفه في الحياة”. نفس النقطة يمكن تفريقها من خلال أنّ الألعاب المشتركة الحالية والقديمة في كثيرٍ من المجتمعات هي ألعاب “لا جندرية” للأطفال (أي أنّها لا تميّز جنس الطفل)، فجميع الأطفال يلعبون “اللقيطة” (الإمساك ببعضهم)، “الغميضة” (البحث عن المختبئ)، السبعة أحجار(إيقاع الأحجار ومحاولة رصفها من جديد في سلوك فِرقي)، وبالتالي معظم هذه الألعاب لا تميّز بين الجندر، إلا أنّ الباحث اختار ما يناسب “فكرته” وولج منها إلى أنّ المجتمع “ذكوري” لكنّه سرعان ما يعود في ذات المقالة للسؤال: “لكنّ هذا التحليل يغفل أو يتغافل عن سؤال مهم، الذي يمكن أن يطرحه أي أحد، وهو إذا كان الأمر هكذا كما تقولون كيف قبلت المرأة بهذا الأمر إذا لم يكن يناسب وظائفها البيولوجية، كيف لم تستطع أن تثور ولو امرأة واحدة في التاريخ وتقول للرجال كفى، بل ولمَ لمْ يكن الأمر معاكساً مثلاً إذا قلنا أنّه توافق بينهم، لمَ لا نجد وظائف الرجل منوطة بالأنثى ووظائفها منوطة به؟”. وهذا فعلاً إجابة على أسئلته جميعها.

ما ينبغي الحديث عنه وتحديده ليس هو “الذكورية” بمعناها الجنساني، بل إنّ المشكلة -كل المشكلة- هو في “الذكورية السامة”(Toxic Masculinity) وليس في “الذكورية” فحسب.

أما “المفكر” الإسلامي محمد شحرور فيشير في مقالة/محاضرة ألقاها في بيروت عام 2002 إلى: “تلعب هذه المصطلحات –كما قلنا– دوراً أساسياً في حياة وسلوك جميع أفراد الشرائح والطبقات في المجتمع، بدءاً من زعيم الحزب الشيوعي ومروراً بزعيم القومية العربية وانتهاءً بشيخ الأزهر. جميعهم أمام ما يتعلق بالمرأة يحملون العقلية البدوية” (والمصطلحات التي يتحدّث عنها هي العرض، الشرف، المروءة، الشهامة، النخوة)؛ وكلامه لا يستحق من الرد كثيراً إذ إنّه على عادة الباحثين العرب -وهم كثر- يتبنّون مصطلح “الغرب” بشكلٍ موارب، ناقدين الغرب لكن متبنّين للفكرة كما جاءت. أبرز مثال على هذا -بخلاف شحرور- ما يقوله الصحافي السعودي خالد العضاض فيورد: “المجتمع الذكوري العربي: مجتمع مكوّن من نساء بالمقام الأول، ثم رجال، ويتميز هذا المجتمع بأنّه مهووس بتأثيم الاختلاط والخلوة العقلية البدويةوالمصافحة بين الجنسين إلخ. كما أنّه مهووس بترسيخ الاختلاف الجنسي، تكريساً لهيمنة جنس على آخر”. إنّها عبارة عن “نمطية” مطلقة يقدّمها الكاتب بمثابة “الرأي القاطع” استناداً إلى تفسير “يخدم” ما يصوره الواقع المباشر. هنا من الضروري وقبل الولوج للموضوع المراد الحديث عنه، لا بد من توضيح “المعنى” كما “الكلمة” بحد ذاتها. لقد اختلط على الكثير من الباحثين/الأكاديميين/الصحافيين والتبس عليهم، فما ينبغي الحديث عنه وتحديده ليس هو “الذكورية” بمعناها الجنساني، بل إنّ المشكلة -كل المشكلة- هو في “الذكورية السامة”(Toxic Masculinity) وليس في “الذكورية” فحسب.

أول من تناول التعبير هو عالم الإجتماع مايكل فلود، لتتبعه رايوان كونيل وكذلك شيبارد بليس وكلّهم تناولوا الأمر مفرّقينه عن “الذكورية” بحد ذاتها كمفهوم. إنّ الذكوري “السام” الذي يعنّف زوجته/ابنته (نساء عائلته) لن يكتفيَ بذلك، بل سيعنّف أولاده الذكور كذلك؛ والرجل الإستغلالي والقامع لحقوق النساء في عائلته، هو قامع لحقوق الآخرين في “بيئته” ولن يكتفيَ البتة بحقوق النساء، أما الذكوري الكلاسيكي السام فهو يرتكز على القوانين والأنظمة الوضعية، وبعض “التلفيقات” الدينية كي يؤسس لفكرته “القمعية” وهي ترتبط بالقمع بشكل كلّي، وليس ارتباطاً حاسماً بقمع المرأة. سياسيا، تأتي الأنظمة القمعية داعمةً لما يسمى بالذكورية “السامة”، مؤكدةً عليها، وهي “تقمع” الذكور كما الإناث بشكلٍ متساو، وما رغبتها في تعزيز “الذكورية السامة” إلا لأنّ الذكور السامين ينوبون عنها بشكلٍ تام في “قمع” العنصر الأكبر والأكثر عدداً وتأثيراً (النساء) كما أنّها تعطي هؤلاء “الذكور السامين” شعوراً بالسيطرة والقوة نزعتها -هذه الأنظمة- حينما قلّمت أظافرهم السياسية/الثقافية فأصبح لا رأي لهم إلا بداخل منازلهم ومحيطهم الذي يُعتبر آمنا.

يشرح الكاتب المصري الراحل نبيل فاروق في قصة قصيرة نشرها قبل أعوام مفادها أنّ رجلاً يُدعى حنفي يخاف منه الجميع في منزله، حتى أنّ أولاده وزوجته لا يستطيعون التنفس أو الكلام ناهيك عن الجلوس بجانبه في منزلهم، يتضح في ما بعد أنّه موظف “مهان” في وظيفته إلى الدرجة التي ينده عليه الموظف المسؤول عنه بـ”الحيوان حنفي فين”.

الاحتلال الصهيوني أنموذجاً

يمارس الاحتلال الصهيوني -كأي احتلال كولونيالي استعماري- ذات التقنية في تخليق “ذكوريات سامة” تخدمه في كل اللحظات التي يحتاج فيها للقمع. تشير سماح إغبارية وهي مديرة جمعية تُدعى “نعم” تعمل في الداخل الفلسطيني المحتل إلى أنّ “السلطات الإسرائيلية تقوم باستخدام مصطلح “جريمة الشرف” أكثر من العرب أنفسهم على الرغم من أنّ هذا المصطلح مرفوض عندنا. لقد طالبنا الشرطة والقضاء بعدم استخدام هذا المصطلح لأنّه يطلق حكماً مسبقاً على الجريمة المرتكبة واعتبارها “جريمة شرف”، كما يتمّ التعامل معها من قِبل السلطات وكأنّها قضية داخلية أو سرية في المجتمع ويمنع الاقتراب منها، غير أنّ ما يحدث هو عملية قتل مع سبق الإصرار والترصد، حيث يتمّ إطلاق الرصاص عليهن بعد التخطيط ومتابعة الضحية، وأحيانا تكون هناك تحذيرات لها، لذا فهناك عصابة وراء الأحداث تخطط وتدبّر لهذه الجريمة”. هذا السلوك “الصهيوني” يدل تماماً على “استمتاع” الصهاينة بما يحدث: الفلسطيني يقتل الفلسطينية، هل هناك أحلى وأعظم من ذلك؟ يتمّ استغلال الذكورية السامة بأعلى تجليّاتها.

تستخدم السلطات الصهيونية مصطلح “جريمة شرف” لتخريج القتلة هؤلاء وتبرير استخدامهم للسلاح، وإبقائه بين أيديهم، فهو لا يُستخدم في “الكفاح المسلّح” أو بمقابلها، بالعكس هو لا يوجّه إلا لصدور العرب الفلسطينين.

تستخدم السلطات الصهيونية مصطلح “جريمة شرف” لتخريج القتلة هؤلاء وتبرير استخدامهم للسلاح، وإبقائه بين أيديهم، فهو لا يُستخدم في “الكفاح المسلّح” أو بمقابلها، بالعكس هو لا يوجّه إلا لصدور العرب الفلسطينين. هذا بالضبط ما تشير إليه إغبارية حينما تقول عن ارتفاع مستوى العنف في منطقة اللد: “كنشطاء نحاول معرفة سبب كل هذا الإجرام في هذه المنطقة. قمت بتقييم قضايا القتل السابقة ووجدت أنّ هذه القضايا مرتبطة ببعضها البعض. وعلى الرغم من ذلك لم يقم أحد بالكشف عن القتلة ولم يتم أحياناً تقديم لائحة اتهام ضد أي شخص. ففي منطقة اللد تمّ قتل 35 امرأة عربية خلال العشر سنوات الأخيرة، وتمّ القبض على الفاعلين فقط في حدود 20 بالمائة من الحالات”؛ إنّها تؤكد أنّ “نصف عدد ضحايا القتل من النساء داخل كيان الاحتلال هن عربيات، ولا يُقبض على الفاعلين إذا كانت المرأة عربية، أما إذا كانت صهيونية فإنّ القاتل يُمسك وسريعا”.

طبعاً قد يعتقد البعض بأنّ الموضوع مرتبط كما تحب وسائل الإعلام الإضاءة عليها بالمرأة فحسب، لكنّ “الذكورية السامة” تمتد لما هو أبعد من ذلك بكثير، فيشير ربيع سواعد في مقاله البحثي “الجريمة في المجتمع العربي: قتيل بيافا وإصابة خطيرة بالطيبة” إلى: “تواصلت أعمال العنف والجريمة في العديد من البلدات العربية في البلاد، على الرغم من التواجد المكثف للشرطة (يقصد الشرطة الصهيونية) في بعض المناطق التي شهدت شجارات وتوترات وجرائم قتل، في الآونة الأخيرة”. هذا السلوك السام يتجّه صوب المرأة كما صوب “الآخر” الذكر/الرجل ولا يميّز بينهما، وما اهتمام الإعلام بالحالة النسائية وتعويمها أكثر من غيرها إلا للضرب على وتر “الذكورية” والتي تناسب “الجمعيات الغربية” والـNGO’s، فهي تفصل بين طرفي المجتمع الرئيسيين وتجعلهما في إطارٍ متصارع: الرجل ضد المرأة، في ما منطقا/حكماً يجب أن يكونا الرجل/المرأة ضد الاحتلال.

فلسطين وشرف العرض أم الأرض؟

طبعاً ليس الوضع أفضل بكثير في مناطق السلطة الفلسطينية أو في قطاع غزة (حيث تسيطر حركة حماس) فكلا المنطقتين لا تزالان تعيشان ذات “المنطق” السام. فيشير رائد لافي في مقالته “جرائم الشرف في فلسطين” إلى أنّ “بعض جرائم القتل، التي تُرتكب بحقّ النساء على خلفية الشرف، يكون سببها الحقيقي قضايا أخرى ومختلفة تماما، وغالباً ما تكون متعلقة بمسألة الميراث، في ظل رفض كثير من العائلات الكبيرة منح الإناث نصيبهن من الميراث الشرعي، بدعوى الحرص على عدم ذهابه إلى رجل غريب في حال زواجها” أي أنّ الموضوع مادي ولا علاقة له بـ”النسوية” أو “الأنوثة” أو سواهما. ويكمل على لسان الباحثة دنيا إسماعيل: “إلا أنّه تمّت التغطية على جرائم قتل على خلفية الشرف، رغم أنّ سببها الحقيقي بعيد جداً عن هذا الموضوع ويتعلق بقضايا وموضوعات أخرى”، مبديةً اعتراضاً شديداً على توثيق جرائم القتل على خلفية الشرف على أساس أنّ لها علاقة بالبعد الأخلاقي. وشدّدت إسماعيل على أنّ التسليم بهذه الجرائم على أنّها لغسل العار ومحاولة التقليل منها بمثابة “خطأ وجرم كبيرين”. هذا “القتل” بإسم “الشرف” والذي يحاول كثيرون أن يصفوه بـ”الذكورية” لا ينتمي أبداً لذلك بمقدار ما ينتمي إلى “ذكورية سامة” واضحة المعالم والمثالب.

إنَّ تغييب المرأة الفلسطينية عن “ساحات المقاومة” بكل أشكالها، ما هو إلا جزءٌ رئيسي من ذات الذكورية السامة البغيضة، والتي لا تنتج إلا هزائم محقّقة.

نقطة أخيرة نعود بها إلى مقالة باسل الأعرج التي افتتحنا بها المقالة، نشير إلى أنَّ تغييب المرأة الفلسطينية عن “ساحات المقاومة” بكل أشكالها، ما هو إلا جزءٌ رئيسي من ذات الذكورية السامة البغيضة، والتي لا تنتج إلا هزائم محقّقة. إنّ دخول المرأة الفلسطينية إلى الصراع، والتأكيد على دورها الريادي والرئيسي كمحفّز وأَسّ ودافع لتقوية الصراع مع الصهاينة وتأجيجه سيجعل الوصول إلى الهدف الرئيس بالتحرر أمراً منطقياً قابلاً للحدوث. إنّ غياب المرأة وتغييبها بالشكل الموجود حاليا، يعني أنّ المجتمع يحتاج إلى إعادة توجيه وتوعية كما إلى نقاشات واضحة ومتأصلة، إنّ دور المرأة لا يجب أن يكون في المنزل فحسب، ولا يجب أن يكون في “الخلف”، فميدان القتال/المقاومة بمواجهة العدو يجب أن يكون مفتوحاً للمقاومة كما للمقاوم، لا فرق بينهما. ولا ننسى أنّ خولة بن الأزور كانت “مسلمة” وقادت مجموعةً مسلّحة لتحرير شقيقها “ضرار” من أسر الروم، وكثيرات من سيدات وبنات المسلمين ومن القرن الإسلامي الأوّل وحتى إبان عصر النبوّة قد قاتلن بالسيف ونذكر منهن على سبيل الذكر: أم حرام بنت ملحان، أم حكيم بنت الحارث بن هشام، نسيبة بنت كعب. أما في العصر الحديث فنذكر فاطمة نسومر الثائرة الجزائرية -بمواجهة الفرنسيين- المعروفة وإبنة أحد شيوخ الطريقة الرحمانية الصوفية، والتي أُطلق عليها لقب “خولة جرجرة” في ما أطلق آخرون عليها لقب “جان دارك جرجرة” ولكنّها كانت تفضل الإسم الأول تيمناً ببنت الأزور.

نساء المقاومة

فلسطينيا، يمتلئ التاريخ الفلسطيني بنساءٍ مقاومات كنّ رمزاً رئيسياً للقتال المباشر ومن النقطة صفر، كحلوة زيدان التي قاتلت بعد استشهاد إبنها وزوجها وقتلت ست جنود من عصابات الهاجاناه والشتيرن في قرية “دير ياسين” إبان المجزرة. نفس الأمر ينسحب على مهيبة خورشيد، قائدة المقاومة في يافا في العام 1948، والتي كانت مسؤولة وشقيقتها “ناريمان” عن فصيلٍ مسلح قاوم الصهاينة في المدينة؛ واشتهرت بحملها المباشر للسلاح وخطبها القوية الداعية للكفاح المسلّح والمقاومة المتنوعة بالسلاح والفكر. زكية شمّوط بدورها لم تقل أداءاً عن زميلاتها، فهي نفّذت أكثر من سبع عمليات بمواجهة الصهاينة في العام 1968 والذين اعتقلوها وحكموا عليها بـ1188 سنة، وقد أنجبت شمّوط في سجن أسرها طفلتها ناديا، لتكون بذلك أول فلسطينية مقاومة تنجب في الأسر؛ لتخرج لاحقاً إثر صفقة تبادل، طلبتها بالإسم. طبعاً ما ورد من الأسماء قليلٌ جداً وقد أبعدنا الأسماء “الحديثة” و”المعاصرة” كأم جبر وشاح، وأم نضال فرحات وأم ناصر (لطيفة أبو حميد)، وما التعتيم على هذه الأسماء ونسيانها المتعمّد إلا لتعويم “ذكورية سامة” تناسب قيادات “المرحلة” التي لا تريد أي مزاحمة من “الذكور” فكيف “بالإناث”؟.

بالمحصّلة، تخدم فكرة ومفاهيم “الذكورية” وتعويمها، بعيداً عن لفظ “السامة”، الصهاينة/الاحتلال كما الأنظمة القمعية، كثيرا، وتضع ما يريدونه في متناول اليد، فتقسيم المجتمع وفصله عن بعضه هو جل ما يريده المحتل، كما “مغتصب السلطة” و”المهيمن” عليها. وما إبعاد نصف المجتمع الأقوى والأكثر بروزاً -ونعني به المرأة- إلا دليلٌ تأكيدي على أنّ الموضوع أكبر وأعمق بكثير من مجرّد مفهوم “ذكورية وأنثوية” بل يتعدّاه إلى “مفهوم” احتلالٍ بارز يمكن اختصاره ولو اصطلاحاً بكلمتين: “ذكورية سامة” لا أكثر ولا أقل.

*كاتب فلسطيني

https://qudsn.co/post/113819/%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D9%83%D9%86-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%B6%D8%AF%D9%87%D9%86

وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , ,