الأزمة الإسرائيلية.. استحالة تحييد “الجيش

التصنيفات : |
مارس 10, 2023 10:48 ص

*أحمد حسن

لم يعش أمل الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ، “في أن يظلّ الجيش في منأى عمّا يحدث” داخليا، أكثر من ساعات قليلة، ليس فقط بسبب استمرار اليمين الفاشي في “خطته القضائية”، بل أيضا، وأولا، لأنّ الجيش الذي هو، بحسب هرتسوغ، “جيش الجميع، يحافظ على أمننا، وهو ضرورة لنا، أبناؤنا وبناتنا يخدمون فيه نظاميًّ وفي الاحتياط”، يبدو في الحقيقة أكثر من ذلك. إنّه، في ظروف “إسرائيل” وملابسات “قيامها”، هو “الكيان” بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.

 والأمر، فإنّ “إسرائيل” لم تكن يوماً ومنذ “القيامة” المزعومة مثل بقية الدول المعروفة، أي دولة تبني جيشاً للدفاع عن حدود معروفة ومحدّدة، بل كانت، ولا زالت، جيشاً بُني حوله، وعليه، كيان بكل مؤسساته المعروفة سواء المدنية أو الدينية -وهنا يجب علينا أن نتذكر أنّ  إله “إسرائيل” ذاته كان، في مرحلة هامة من تاريخه، “رب الجنود” حصريا- لذلك كلّه لا يستطيع هذا الجيش، حتى لو أراد ذلك، أن يظل في منأى عما يحدث من اضطرابات في “إسرائيل”، فمن جهة أولى تحدث هذه الاضطرابات في بيئته، وداخله، أولاً وأخيرا، كما أنّها، من جهة ثانية، اضطرابات مختلفة عما سبق، فهي لا ولم تحصل على أرضية خلاف تقليدي حول كيفية التعامل مع الجوار القريب والبعيد، وإنّما اندلعت على وقع تراكم خلافات عقائدية عرقية حدّية لا يبدو أنّ هناك إمكانية لحلّها بتنازل هنا أو هناك، بقدر ما يبدو أنّها من تلك المعادلات الصفرية التي تنتهي بناجٍ وحيد، وهو ما يثبته تمسّك الجميع بمواقفهم، بما يعني أنّ قضية “التعديلات القضائية” لم تكن سوى القشة التي تكاد أن تقصم ظهر البعير نهائيا.

تصبح حالة الخلافات المستفحلة بين الحكومة من جهة، والجيش والشرطة من جانب آخر، خلافات بين “الكيان الحقيقي” وبين بعض تجلياته الشكليّة بما يعني مرة جديدة عدم قدرة الجيش بما ومن يمثّل على البقاء خارجه.

بهذا الفهم تصبح خطوة إعلان 37 طياراً من أصل 40 يخدمون في قوات الاحتياط، عدم امتثالهم للمشاركة في تدريبات دورية لأنّهم “سينضمّون إلى الاحتجاج ضدّ خطة تقويض السلطة القضائية” أمراً مفهوما، كما يصبح مفهوماً أيضاً هذا التزايد المضطرد والمتسارع في عدد ونوعية “قطعات الجيش” المعترضة، ولكن ليس في سياق احتجاج إداري ما أو حتى كتعبير عن “انشقاق” عسكري محدّد المدة والمكان، بل في سياق اعتقادهم بضرورة قيامهم بدورهم الحقيقي في حماية مؤسسات الكيان التي تتفرع من هذا الجيش وتتعيّش عليه، وبالتالي تصبح حالة الخلافات المستفحلة بين الحكومة من جهة، والجيش والشرطة من جانب آخر، خلافات بين “الكيان الحقيقي” وبين بعض تجلياته الشكليّة بما يعني مرة جديدة عدم قدرة الجيش بما ومن يمثّل على البقاء خارجه.

القادم أسوأ

وهنا تحديداً يصبح مفهوماً هذا الانشغال الأمريكي الكبير بالداخل الإسرائيلي، لأنّ ما يحصل أكبر من “حرتقات” سياسية معتادة، ويكاد يصل -إن لم يكن قد وصل فعلا- إلى مرتبة الخلاف الوجودي الذي قد يطيح “المشروع الإسرائيلي” بكامله، وبالتالي فإنّ الولايات المتحدة تشعر جدياً بالخطر على مصالحها، كما على مصالح “إسرائيل” نفسها، عبر هروب إسرائيلي من مشاكل الداخل الوجودية إلى حرب خارجية لا تريدها واشنطن الآن، كما أنّ “إسرائيل” ذاتها لا تملك بحسب نفتالي بينيت ويائير لابيد، رئيسا الوزراء السابقين، إمكانية ربحها، ما يعني أنّ “الوضع الحالي ينطوي على تحدّيات ومخاطر أشدّ من تلك التي عرفها الكيان الصهيوني في العقود الأخيرة”، وفق ما يحذّر منه الرئيس الحالي لشعبة التخطيط في الجيش الإسرائيلي، اللواء يعقوب بنغو.

إنّها أزمة حرجة وحادّة ومصيرية وغير مسبوقة، وبالتالي تُنذر بما هو أسوأ، لهم طبعا، وهذا يعني أنّ مطالبات الجيش بالنأي عن النفس ليست إلا أضغاث أحلام لأنّ الجيش، كما أسلفنا، هو “الكيان” بالمعنى الفعلي والحقيقي له، لذلك ستكون الأيام القادمة حافلة بالكثير.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , ,