أصداء الاتفاق السعودي – الإيراني داخل الكيان الصهيوني
مارس 13, 2023 12:14 م*أحمد الطناني – غزة:
عاصفة سياسية كبيرة أثارها الإعلان الصادر من الصين وبوساطتها عن الاتفاق بين إيران والسعودية، والذي ينص على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وإعادة فتح السفارتين والممثليات الدبلوماسية في غضون شهرين.
جاء التوصل لهذا الاتفاق عقب مباحثات جرت على نار هادئة منذ فترة، شكّلت مسقط وبغداد محطات مهمة فيه، وصولاً للمحطة الكبرى في الصين بمشاركة الرئيس شي جين بينغ. وتحدّثت المصادر الإعلامية أنّ المباحثات جاءت إثر رغبة من طهران والرياض في حل الخلافات بالحوار والدبلوماسية.
يحمل الاتفاق دلالات كبيرة، يعكسها المكان والتوقيت ومحورية المتفقين ومركزية الراعي، وهو اتفاق فاجأ الصديق قبل العدو، ويشكّل نجاحه بادرة تغيير لخارطة المنطقة السياسية بعد العاصفة التي أحدثها في الشرق الأوسط ووصل صداها لكل العالم، وهذا الصدى أخذ وقعاً كبيراً عند دولة الاحتلال خصوصاً مع طموحها الكبير بتشكيل حلف مع دول خليجية لضرب إيران والاستثمار الكبير لحالة العداء والشحن ما بين الدول الخليجية والسعودية على نحو الخصوص مع إيران.
انهيار للجدار الدفاعي الإقليمي ضد إيران
انشغل أقطاب المعارضة والحكومة في تصريحات المزاودة السياسية والاتهامات المتبادلة، حيث وصف زعيم المعارضة يائير لابيد إعادة العلاقات بين السعودية وإيران بأنّها “فشل ذريع وخطير للسياسة الخارجية للحكومة الإسرائيلية” التي يتزعمها حالياً بنيامين نتنياهو، وشدد على أنّ ذلك “انهيار للجدار الدفاعي الإقليمي الذي بدأنا ببنائه ضد إيران. وهذا ما يحدث عندما تكون مشغولاً طوال اليوم بمشروع قانون مجنون بدلاً من الاهتمام بإيران”.
واعتبر رئيس حكومة الاحتلال السابق، نفتالي بينيت، أنّ “تجديد العلاقات بين السعودية وإيران، هو تطور خطير بالنسبة لـ”إسرائيل” وانتصار سياسي بالنسبة لإيران” وأنّ استئناف العلاقات الإيرانية السعودية يشكّل “ضربة قاضية لجهود بناء تحالف إقليمي ضد إيران”.
وزير الحرب الصهيوني السابق بيني غانتس وصف الاتفاق بالتطورات المقلقة، وأشار إلى أنّ التحديات الأمنية الجسام التي على “إسرائيل” التعامل معها تزداد. في ما عقّب رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمنية في الكنيست يولي إدلشتاين على الاتفاق قائلا: “إنّ العالم لا يتوقف ونحن مشغولون هنا بالصراعات بين القوى والصدامات”. معتبراً الاتفاق “أمر سيئ للغاية بالنسبة لـ”إسرائيل” والعالم الحر بأسره”.
زعيمة حزب (العمل)، ميراف ميخائيلي، اعتبرت الاتفاق فشلاً كبيراً من قِبل نتنياهو، مضيفة: “هذه حكومة نتنياهو الخطيرة لن تدوم طويلا، وهذا أمر مفروغ منه، لكنّ الضرر الهائل الذي سبّبته لأمننا، سنستغرق سنوات لإصلاحه”.
من جانبه، اعتبر مسؤول سياسي رفيع في حكومة نتنياهو، أنّ اتفاق إيران والسعودية، بدأ منذ الحكومة السابقة (بينيت – لابيد) مستغلاً الضعف الإسرائيلي والأمريكي، وأنّ “المحادثات الإيرانية والسعودية بدأت قبل سنة في فترة الحكومة السابقة، إذ أنّ الضعف يجلب التقارب مع إيران بينما القوة تبعده عنها”. موجّهاً إصبع الاتهام لرئيسيْ الحكومة السابقين، يائير لابيد ونفتالي بينيت، إثر الاتفاق المعلن عنه بين السعودية وإيران.
“بصقة” في وجه “إسرائيل”
لم يتوانَ محللو الصحف العبرية ولا مراكز البحث في كيان الاحتلال عن شن هجوم قاسٍ على كل المستوى السياسي الصهيوني، واصفين الاتفاق بشتى الأوصاف ومحذّرين من مخاطره الكبيرة إن كان يُعبّر عن تحوّل حقيقي في استراتيجية المملكة السعودية.
مراسل صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية إيتمار آيخنر، رأى أنّ الاتفاق هو خطوة دراماتيكية تعكس تعبيراً عن عدم الثقة في القيادة الأمريكية، وكذلك تعبيراً سعودياً عن عدم الثقة في رؤية نتنياهو، لعزل إيران.
مضيفاً أنّه من الناحية العملية، “يمكن النظر إلى القرار السعودي على أنّه “بصقة” في وجه الاحتلال الإسرائيلي، يجب أن تشعر “إسرائيل” بالقلق من احتمال أن يتوصّل السعوديون إلى استنتاج مفاده أنّ “إسرائيل” ليس لديها خيار عسكري موثوق به، وبالتالي يفضّلون محاولة استرضاء “الوحش” الإيراني والتوصّل إلى تفاهم معه”.
أما المحللة في الشؤون العسكرية كارميلا مناشيه، أكدت أنّ الاتفاق يقلق جداً المستويات السياسية لدى الاحتلال. متسائلةً في حديث صحفي لها: “أين كانت الاستخبارات؟، وهل علمت؟، لأنّنا نحن لم نعلم بذلك!”.
أما معلقة الشؤون السياسية في القناة 12 الإسرائيلية دانا فايس، فقد قالت إنّ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أمضى طوال فترات تولّيه منصبه، يحارب إيران، “لكنّنا الآن موجودون في وضع تتقدّم فيه إيران كثيراً نحو التخصيب بنسبة 90%”. مضيفة: “نتنياهو تعهّد في ولايته هذه أنّه سينجح في تطبيع العلاقات مع السعودية، ونحن الآن نرى ذلك يبتعد، وفي هذا ضرر إقليمي كبير جدا”.
حلم الحلف المُشترك ضد إيران يتبدّد
تزامن الإعلان عن الاتفاق بين إيران والسعودية مع تواجد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في منطقة الشرق الأوسط ضمن جولة حملت عدة أهداف، أهمها التأكيد على “الالتزام الأمريكي” تجاه حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
تشمل أجندة أوستن إعادة إحياء فكرة إنشاء أنظمة دفاعية وصاروخية مشتركة ومتكاملة لمواجهة التهديدات الإيرانية، بحيث يتولى كيان الاحتلال قيادة هذا التحالف في صيغة أبسط وأقل حدة من الطرح السابق الذي هدف إلى خلق “ناتو شرق أوسطي”، والذي لم يرَ النجاح بسبب تشكُّك حلفاء الولايات المتحدة في جدية المساعي الأمريكية والالتزام الأمريكي تجاه المنطقة.
يمثّل الاتفاق السعودي- الإيراني، بما يشمل تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بين البلدين، تبديداً للحلم “الإسرائيلي” والرغبة الأمريكية في إنجاز التحالف الأمني أو “الحلف الدفاعي” أو حتى إنشاء منظومات مشتركة مثّلت إيران العدو المستهدف فيها، حيث يضع هذا الاتفاق كل هذه الأوهام خلف السعودية “في المنظور القريب على الأقل”، وهو ما سيُفشل هدفاً رئيسياً من أهداف زيارة الوزير الأمريكي.
“إسرائيل” وحيدة
يغيّر الاتفاق خارطة المنطقة، وبحسب توصيف وكالة “أسوشييتد برس” فإنّ القرار السعودي بالاتفاق مع إيران ترك “إسرائيل” وحيدة إلى حد كبير، حيث يُبعد الاتفاق احتمالات التطبيع مع السعودية، الذي لطالما مهّد له “نتنياهو” على أنّه الثمرة الأكبر لائتلافه الحكومي الجديد، والإنجاز المُنتظر.
يُتيح الاتفاق تعزيز الاحتمالات بتفكيك العديد من الأزمات في المنطقة بما فيها الانفتاح على سوريا، وتفكيك أزمات لبنان، اليمن والعراق، وهي كلها مواقع من شأن الاستقرار فيها زيادة الضغط على كيان الاحتلال، بحيث لا تصبح قوى المقاومة في هذه الدول مستنزفة بالاقتتال الداخلي، وتُعزز قوتها باتجاه تناقضها الاستراتيجي مع الاحتلال ودعم منظومة المقاومة في المنطقة.
من جانب آخر، يُبهت الاتفاق من قيمة كل اتفاقيات “أبراهام” التطبيعية خصوصاً وأنّ غالبية الدول المطبعة تدور في فلك السعودية، وبالتالي فإنّ أي استثمار “إسرائيلي” لها سيكون محدوداً في ضوء عدم تشجع السعودية على فتح المزيد من الآفاق أمام الاحتلال، واختيار تحجيم الرهان على الحصان الأمريكي، وحليفه الصهيوني في المنطقة، والتقاط المتغيرات العالمية بطريقة ذكية تخدم مصالحها –السعودية- البحتة بعيداً عن الارتهان للموقف الأمريكي الذي تعمّد إذلالها في السنوات الأخيرة وتركها عُرضة للهجمات دون أي دفاع، بينما هبّ بكل قوّته للدفاع عن أوكرانيا.
ستحمل الأيام القادمة إشارات واضحة حول جدية الاتفاق السعودي – الإيراني، ومدى انعكاسه على قضايا المنطقة المختلفة، والذي سينعكس بالطبع بالفائدة على شعوب المنطقة أولا، وعلى القضية الفلسطينية ثانيا، وسيزيد من حجم التحدي أمام الاحتلال الصهيوني الذي ظنّ أنّه يمكن أن يتسيّد المنطقة مستثمراً العداء مع إيران لتكون خصم شعوب المنطقة بدلاً منه.
*كاتب فلسطيني
وسوم :
أحمد الطناني, أمريكا, اتفاقات أبراهام, الاةفاق السعودي - الإيراني, التقارب مع إيران, الجدار الدفاعي, الحصان الأمريكي, السعودية, الصراعات بين القوى, القضية الفلسطينية, القيادة الأمريكية, الكيان الصهيوني, الوحش الإيراني, تحالف إقليمي, تخصيب اليورانيوم, سياسة, صمود, فلسطين المحتلة, لويد أوستن, محور المقاومة, نتنياهو