الانقسام يمزّق مخيّم عين الحلوة ويفقده وحدته السياسية والأمنية

التصنيفات : |
مارس 14, 2023 5:57 ص

*خاص – صمود:

ليل السبت 11 آذار/مارس 2023، سلّمت عصبة الأنصار خالد جمال علاء الدين المعروف باسم “الخميني” إلى عضو قيادة الساحة اللبنانية في حركة فتح اللواء منير المقدح، بعد أكثر من أسبوع على مقتل العنصر في قوات الأمن الوطني محمود زبيدات في مخيّم عين الحلوة.

علاء الدين هو المشتبه بارتكابه جريمة القتل هذه، وقد طالبت القوة المشتركة بضرورة الإسراع بتسليمه لكنّ عصبة الأنصار التي ينتمي اليها شهدت سجالاً حول طلب التسليم، ويقول أحد الناشطين: “يبدو أنّ عدم الإسراع بتسليمه يعود إلى المعلومات التي يعرفها عن العصبة ونشاطها، كما أنّ والده جمال المنتمي إلى حركة فتح تمّ استدعاؤه إلى السفارة الفلسطينية والطلب إليه العمل على تسليم ابنه تحت مسؤولية الفصل من الحركة. ومن الفيديو الذي نشره والد المشتبه به يتبين أنّ التسوية قد تمّت بتسليمه إلى المقدح وأن يجري التحقيق معه وبعد ذلك يصدر قرار تسليمه إلى السلطات اللبنانية”.

لكنّ هذه التسوية التي حصلت أراحت أهالي مخيّم عين الحلوة من التوتير والاستنفار اللذين أدّيا إلى إقفال الشارع الفوقاني وتعطُّل الحياة الاقتصادية والتجارية في المخيّم المذكور.

و”عين الحلوة” هو أكبر المخيّمات الفلسطينية في لبنان، ويعيش فيه أكثر من 55 ألف إنسان، وتشكّل الحياة في المخيّم صورة مكثّفة للوضع اللبناني، وخصوصاً في مجال العمل، إذ يشهد ارتفاعاً في نسبة العاطلين من العمل خصوصاً من حملة الشهادات الجامعية والمهنية، وانسداد سبل الهجرة القانونية.

إنّ الحوادث الأمنية المتكررة وخاصة بين حركة فتح والمجموعات الإسلامية المتشددة أطاحت بوحدة المخيّم وحوّلته إلى مجموعة مخيّمات ترعى كل منها جهة واحدة أو جهات عدة وتعتمد على البلدة الأصلية أو عائلة ما

وكان شقيق المشتبه به قد قُتل على يد بلال العرقوب منذ عامين تقريباً بالقرب من مكان الحادثة الحالية، إلا أنّ هذه المنطقة أي حي الصفصاف شهدت ازدهاراً اقتصادياً وحركة تجارية واسعة بعد القضاء على ظاهرة بلال بدر.

غير أنّ الحوادث الأمنية المتكررة وخاصة بين حركة فتح والمجموعات الإسلامية المتشددة أطاحت بوحدة المخيّم وحوّلته إلى مجموعة مخيّمات ترعى كل منها جهة واحدة أو جهات عدة وتعتمد على البلدة الأصلية أو عائلة ما.

الانقسام سيّد المخيّم

قديما، وحّدت البندقية الفلسطينية، خلال الحروب الأهلية، القرار في المخيّم وكانت السلطة الأساس تعود إلى “الكفاح المسلح” بصفته الجهاز الذي يشرف على أمن المخيّم والمقيمين فيه، في حين أنّ إدارة عمل المخيّم كانت تحت إشراف اللجنة الشعبية المعيّنة من منظمة التحرير الفلسطينية، وإلى جانبها لجنة أخرى تتبع قوى التحالف التي توالي النظام السوري.

لكن اليوم تحوّلت إدارة “عين الحلوة” إلى لجان أحياء وقواطع تسيطر قوى محددة على كل منها، حتى أنّ هذه اللجان تنسج علاقاتها مع خارج المخيّم وفقاً لما تراه من مصالح الحي وأهله.

ففي حي حطّين هناك لجنة تضم خليطاً من الانتماءات السياسية.. من “فتح” إلى الإسلاميين ويرأسها علي أصلان وهو ليس من “حطّين” لكنّه استطاع أن يدير العلاقات بين مكونات أهالي الحي بما يضمن استقراره ويلقى تجاوباً من الجميع، لكنّ ذلك لا يمنع حدوث مشكلة هنا أو هناك في الحي المذكور.

أما اللجنة الشعبية في حي اللوبية فهي بإشراف “فتح”، وجماعة اللينو. ونادراً ما تشهد توترات أمنية.

أما حي عرب أبو شوشة وعلى الرغم من وجود جماعة اللينو فيه، إلا أنّ معظم المقيمين فيه يُدينون بالولاء لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).

منذ أشهر شهدت مدينة صيدا اجتماعات بين قوى سياسية لبنانية وقوى فلسطينية من الأحياء والقواطع ما يؤشر إلى التعاطي بالمفرق مع الوضع الفلسطيني

وتلعب لجنة عمقا دوراً أساسياً في مساعدة العائلات المتعففة فيه من خلال المعونات الغذائية والصحية.

أما في حي الزيب فلا وجود لأي إطار يهتم بأهله، بل يشهد نزاعاً مستمراً بين آل خليفة وآل قبلاوي في ما يتوزع أهله على مكونات سياسية مختلفة.

الوضع في “صفورية” مختلف تماما، إلى جانب اللجنة الشعبية هناك مجلس شورى، ويضم الإطاران وجهاء وكبار عائلات صفورية بغض النظر عن الانتماء السياسي لهم.

بعد إنهاء ظاهرة بلال بدر في “الطيري” أُنشئت لجنة شعبية تضم عدداً من المستقلين الفاعلين.

ويشكّل حي الصفصاف معقل المجموعات الإسلامية المتشددة وعلى رأسها عصبة الأنصار، وإلى جانبه عرب زبيدة.

وفي حي طيطبة وعقبرة لجنتان كل منها تدين بالولاء إلى جهة سياسية محددة.

ويُنظر إلى حي البركسات كمعقل لحركة فتح وفيه لجنة شعبية معتمدة من قِبل منظمة التحرير الفلسطينية، ويُذكر أنّ حي البركسات هو خارج المساحة القانونية لمخيّم عين الحلوة.

أما مخيّم الطوارىء الذي هو على مسافة من مخيّم عين الحلوة، فقد أُنشئ عام 1956 بعد الزلزال الذي أصاب مدينة صيدا، ويضم خليطاً من اللاجئين القادمين من بلدات فلسطينية مختلفة. ويسيطر على مخيّم الطوارىء تنظيمات جند الشام وفتح الإسلام وعصبة الأنصار.

إنّ هذه الصورة المبسطة لواقع مخيّم عين الحلوة تُظهر التباينات بين الأحياء وقد تحوّل كل منها إلى مخيّم له خصوصيته وسياسته وعلاقاته مع الخارج اللبناني وهذا ما ترك نتائج سلبية على وحدة الموقف الفلسطيني وأتاح في المجال لتدخُّل قوى سياسية لبنانية في المواقف الفلسطينية. ومنذ أشهر شهدت مدينة صيدا اجتماعات بين قوى سياسية لبنانية وقوى فلسطينية من الأحياء والقواطع ما يؤشر إلى التعاطي بالمفرق مع الوضع الفلسطيني. أما القوة الفلسطينية المشتركة والتي تضم عديداً من جميع الاتجاهات السياسية بما فيها عصبة الأنصار، والتي تقوم مهامها على ضبط الأمن والانتظار في جميع أنحاء المخيّم فإنّها لا تقوم بالمهام الموكلة إليها بسبب الانقسامات الفلسطينية العديدة.

هل يمكن أن تشكّل حادثة مقتل محمود زبيدات مدخلاً لقراءة فلسطينية مسؤولة عن كيفية إعادة الوحدة إلى مخيّمات اللجوء إلى حين الرجوع إلى فلسطين؟.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , ,