ألمانيا و”إسرائيل “: استعصاء التحرر من عقدة الذنب
مارس 16, 2023 8:18 ص*وسام عبد الله
يشكّل ما يُعرف بـ”الهولوكست” معياراً للعلاقة بين ألمانيا و”إسرائيل”، كون الدولة الألمانية بحكوماتها المتعاقبة، ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى اليوم، تعتبر نفسها المسؤولة عن تلك الأحداث التي تروّج لها الصهيونية، وتعتبرها جزءاً من التبرير لتحميل الألمان مسؤولية ما نفّذه الحكم النازي، فأصبح كل ما يمس “إسرائيل” أو “اليهود” يوصف بأنّه معاد للساميّة. في حين أنّ الدول الأخرى التي غزتها ألمانيا، بعضها لم يحصل على نفس مقدار التعويضات للاحتلال.
عقدة الذنب
في عام 1952 وقّعت حكومتا ألمانيا الغربية والاحتلال “اتفاقية لوكسبرغ ” لدفع التعويضات، وهي تشمل تعويض الكيان الإسرائيلي والأفراد الناجين من “الهولوكسوت” بمبلغ 822 مليون دولار. وكانت الرغبة الإسرائيلية ليست فقط متعلقة بـ”الهولوكوست “، وإنّما لتأمين دعم مالي للكيان الذي استوطن حديثاً أرض فلسطين. فخلال 14 عاماً من الاتفاقية، كانت ألمانيا الغربية دفعت ما يقارب 3 مليارات مارك ألماني لحكومة الكيان.
في عام 1960 كان اللقاء الرسمي الأول بين ألمانيا ممثلة بالمستشار الألماني كونراد أديناور وكيان الاحتلال ممثلاً برئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون حين كانا في سفر إلى الولايات المتحدة وقررا الالتقاء شخصياً في نيويورك. حيث يوصف هذا اللقاء، بأنّه وضع حجر الأساس لبناء العلاقة بين الطرفين، الذي استمر حتى الآن. وما حدث من الجهة الألمانية لم يكن صدفة، ففي كتاب بعنوان “صداقة مستحيلة: ديفيد بن غوريون و كونراد أديناور”، يصف المدير السابق لمكتب مؤسسة كونراد أدناور في “إسرائيل” ميشاييل بورشارد، المستشار الألماني بأنّه “صهيوني كاثوليكي”.
لكن الإسرائيلي لا يترك فرصة ليستثمرَ في “عقدة الذنب” الألمانية، حتى لو كان المنفّذ من جنسية مختلفة، وهو ما حدث العام الماضي، فتوصلت ألمانيا وعائلات الرياضيين “الإسرائيليين” الذين قُتلوا خلال عملية احتجاز رهائن نفّذها مقاومون فلسطينيون من مجموعة “أيلول الأسود” قبل خمسين عاما، لتحصل العائلات على تعويض يبلغ إجمالاً 28 مليون دولار. وتشير التقديرات بأنّ قيمة التعويضات التي دفعتها ألمانيا، من خمسينيات القرن الماضي للكيان الإسرائيلي، إلى ما يقارب 100 مليار دولار.
معاداة فلسطين
تنص المادة 130 من قانون العقوبات الألماني، “يعاقب بالسجن مدة تتراوح بين ثلاثة أشهر وخمس سنوات، من يقوم بطريقةٍ ما بالإساءة للسلم العام عن طريق بثّ الكراهية ضد أي مجموعة قومية أو عرقية أو أي مجموعة سكانية عن طريق إجراءات العنف العنصرية، أو الاعتداء على كرامة الآخرين بسبب انتماءاتهم الخاصة”، يتمّ الاستناد على هذا النص القانوني لقمع كل من يقف ضد “إسرائيل” ويدعم الشعب الفلسطيني.
قبل أيام، ألغت بلدية مدينة فرانكفورت وولاية هيسن الألمانية حفلاً للمغني البريطاني روجر ووترز، على خلفية آرائه المعارضة للاحتلال الإسرائيلي وجرائمه، وتأييده للقضية الفلسطينية. وأصدرت البلدية بيانا، وصفت فيه المغني البريطاني أنّه “أشهر المعادين للسامية في العالم”، وهذا التوصيف هو العنوان الدائم لكل حالات القمع.
على المستوى الاعلامي، تعرّض الصحافي اللبناني ربيع بركات، نهاية الشهر الماضي لاستبعاد من مؤسسة ألمانية، وكتب موضحا: “ثلاث منشورات على صفحتي الخاصة على “فيسبوك”، بينها صورة لغرافيتي تُظهر ليلى خالد على جدار الفصل العنصري، تسبّبت بإحجام إدارة Deutsche Welle Akademie عن التعاقد معي، بعد إتمام جزء من العمل، بذريعة “معاداة الساميّة”.
وفي العام الماضي، أعلنت المؤسسة الاعلامية الألمانية “دويتشه فيله”، عن فصل الصحافيين: باسل العريضي، مرهف محمود، مرام سالم وفرح مرقه، وفضّ التعاقد مع داوود إبراهيم، بتهمة التعبير عن “آراء معادية للساميّة”، بسبب تغريدات ومقالات تنتقد الاحتلال الإسرائيلي. وأوضحت الشبكة أنّ القرار جاء بعد تحقيق تولّته وزيرة العدل الألمانية السابقة زابينه لويتهويسر وعالم النفس أحمد منصور المعروف بدعمه للاحتلال والذي يصف نفسه بأنّه “عربي إسرائيلي”.
وتقمع الشرطة الألمانية المظاهرات الداعمة لفلسطين، ويتعرّض المشاركون خلالها إلى الاعتداء، ومحاولة تفريق التجمعات بالغاز المسيّل للدموع، كما حدث العام الماضي في تظاهرات ضد المجازر المرتكبة في قطاع غزة.
مراجعة الماضي
تشير الفيلسوفة الأمريكية سوزان نيمان، لمجلة “التيارات اليهودية” في أمريكا، بأنّه ظهر انزلاق من ثقافة التكفير، عن جريمة “المحرقة”، نحو ممارسات وصفتها بـ”المكارثية”، أي توجيه الاتهامات بالتآمر دون وجود أدلة، وأُجبر العديد من الأشخاص على ترك وظائفهم، وحُرم كثيرون آخرون من التمويل أو الجوائز أو من فضاء لتقديم أعمالهم.
ولكن، هل التغيير ممكن في السياسة الألمانية “الإسرائيلية”، ومن خلفهما الولايات المتحدة الأمريكية؟.
يقول الخبر، إنّ واشنطن منحت “إسرائيل”، الضوء الأخضر لبيع ألمانيا منظومات دفاعات جوية وصواريخ من طراز “حيتس 3″، لاعتراض الصواريخ طويلة المدى. العلاقة المبنية على الأمن والاقتصاد من الصعب اختراقها على المدى المنظور. يبقى العمل في المجتمع، ومحاولة إعادة التواصل المستمر مع الأكاديميين والمفكرين والناشطين الألمان، لمحاولة تشجيعهم ودعمهم لإعادة مراجعة الماضي بنظرة مختلفة وأقرب للحقيقة، وإلا فهم يرتكبون مجزرة جديدة بحقّ شعب جديد، وإن كانت منذ عقود تحت مسمّى “النازية ” فهي الآن تحت شعار “الديمقراطية”، ولكن النتيجة واحدة.
*كاتب لبناني
وسوم :
ألمانيا, ألمانيا الغربية, اتفاقية لوكسمبورغ, التيارات اليهودية, الحكم النازي, الكيان الصهيوني, المحرقة اليهودية, المكارثية, الهولوكوست, تعويضات, ديفيد بن غوريون, ربيع بركات, صمود, عقدة الذنب, فلسطين المحتلة, ليلى خالد, مجازر, معاداة الساميّة