حسن حميد.. الفائز دوما!

التصنيفات : |
مارس 17, 2023 8:44 ص

*فاطمة شاهين

فاز حسن حميد. من ولادته الأولى في الجليل الفلسطيني في العام 1955، إلى ولاداته المتكررة بين القنيطرة ودمشق في المخيّمات، خاض انتظاره، وفاز. “الانتظار مقلقٌ وموحش وكثير الأسئلة، لهذا لا بد من الكتابة عنه” هكذا يقول وهكذا كان يخوض انتظاره عميقا، في فلسطينه، في مخيّمات شعبها العائد، في أزمنتها وأماكنها وشخوصها، فأفرد لها حكايات الأمل، في البدء شعرا، ثم أدباً قصصياً وروائيا، يبلغ به عنان العطب الذي أصاب كل شيء.

فاز الأمل!

حين أعلن المجلس الأعلى للثقافة في مصر منذ أيام، في العاشر من هذا الشهر، عن فوز الأديب القاص والروائي حسن حميد بـ”جائزة نجيب محفوظ للرواية” للعام 2022، عن روايته “ناغوغي الصغير”، لم يكن الخبر فوزاً للكاتب الفلسطيني الخائض في معاناة شعبه مذ كان يُلقّب بشاعر المخيّم الصغير، بقدر ما كان فوزاً للأمل.

لقد رافقت المعاناة كاتبنا منذ طفولته، وطبعت كل مشهديات الذاكرة لديه، من التشرد والفقر، إلى المآسي التي كانت تحلّ على الشعب الفلسطيني داخل فلسطين وفي مخيّمات اللجوء/العودة، إلى القلق والخوف والبحث عن الأمن.

في تلك الحياة، يذكر حميد أنّه لا شيء كان يدعو للكتابة، ولا حتى كان هناك ترف وقتٍ للتأمل والرؤية، كانت الأيام معاناة تجرّ الأخرى، في محاولات استيعاب الواقع والسعي “وراء حلم الخروج من مأساة فقدان الوطن”. يقول “تلك الحياة الـمرمّدة بظروفها القاسية، ما كنت أظن أنّها ستصقل في داخلي موهبة الكتابة، ظننت أنّها ستقضي عليّ”، ولكنّها لم تقضِ عليه، فهو ذلك المعلّم الذي رفض بدايةً أن يُعيَّن مدرّساً في المدينة، وحمل مسؤولية البقاء في القرية فبنى منزله المتواضع في المخيّم، وأعان عائلته بعد غياب والده الذي كما يحكي عنه” ذهب في غياب طويل من أجل استعادة البلاد الـمنهوبة”. ثم وفي خضمّ كل ذلك، أدرك أنّه في مغارة الكتابة، كما يعبّر عنها، وفي “منجمها الحقيقي”.

لقد استطاع الشاب الفلسطيني الذي لم يأتِ من عائلة قارئة أو متعلّمة، أن يحمل إجازة في الآداب (1980) قسم الفلسفة وعلم الاجتماع من جامعة دمشق، وفي اللغة العربية من جامعة بيروت العربية، وكذلك دبلوم دراسات عليا في التربية (1982)، وشهادة دكتوراه من الجامعة اللبنانية (2008)، عمل في التدريس في دمشق، وأخذته الصحافة الثقافية والأدبية ليكون رئيساً للقسم الثقافي في صحيفة الثورة السورية، كما رئيس تحرير صحيفة الأسبوع الأدبي الصادرة عن “اتحاد الكتاب العرب في سوريا” والذي كان فيه لفترة طويلة نائب الرئيس.

لم تكن الكتابة لديه مجرّد سرد، لقد غاص في عمق التاريخ، وتناول من التراث العربي، ونقل حقبات زمنية بأماكنها ولغاتها وناسها، ببنائها الاجتماعي والسياسي والتاريخي، وكان يخدم في كلّ ذلك، رواية شعبٍ أرادوا أن ينزعوا تاريخه وينكروا جذوره الضاربة في هذه الأرض

الباحث الروائي

لقد استطاع حسن حميد أن يبني ميزته الخارقة في الكتابة الروائية، على مستويين: المضمون والشكل. أما في المضمون، فلم تكن الكتابة لديه مجرّد سرد، لقد غاص في عمق التاريخ، وتناول من التراث العربي، ونقل حقبات زمنية بأماكنها ولغاتها وناسها، ببنائها الاجتماعي والسياسي والتاريخي، وكان يخدم في كلّ ذلك، رواية شعبٍ أرادوا أن ينزعوا تاريخه وينكروا جذوره الضاربة في هذه الأرض. لقد كانت قدرته فائقة على نقل واقع المخيّم في روايته “تعالي نطيّر أوراق الخريف”، لجعله تاريخاً حقيقياً لشعبٍ استطاع أن يقيم حياة في اغترابه ومنفاه، وليفوز عنها بجائزة سعاد الصباح للإبداع الفكري والأدبي (1990).

ثم عاد بنا إلى القرن الثالث عشر في روايته “جسر بنات يعقوب”(1999) ليكون اليهودي وبناته الثلاث، صهاينة عصرنا اليوم، وسارقي الأرض في محاولتهم السيطرة على الجسر، وليظهر لنا الأطماع التي كانت في أرض فلسطين وفي منطقة طبريا ونهر الأردن عبر العصور. وعن مدينة القدس، كان أفضل ما كُتب روايته “مدينة الله”، هكذا كان عنوان الجائزة التي نالتها من ملتقى المثقفين المقدسي بالتعاون مع اتحاد الكتّاب والأدباء الفلسطينيين (2020)، وفيها وجدنا محورية المكان، والقدرة الفائقة على الكتابة عن مدينة لم يستطع حسن حميد العيش فيها، إلا أنّه بالوصف الذي يجمع تاريخ المكان بجغرافيته، جعل الرواية مفعمة بالمعاني وأحاسيس الارتباط القدسي بالأماكن، فكيف إذا كانت مدينة القدس، مدينة الله.

كثيرون يعرفون سرد الحكايات ولكن أن يصبح الكاتب باحثاً في البنية الروائية، مجدّداً لها، فهذا ما تميّز به حسن حميد

أما إذا أردنا الحديث عن الشكل، سنجد التوازن قائماً بينه وبين المضمون، فكثيرون يعرفون سرد الحكايات ولكن أن يصبح الكاتب باحثاً في البنية الروائية، مجدّداً لها، فهذا ما تميّز به حسن حميد. لقد استعار من التراث العربي، التذييلات والهوامش وأضافها إلى نصوص روايته “جسر بنات يعقوب”، فعمّقت في وجدان القارىء معلومة أوردها خلال السرد، وكانت طريقة الرسائل هي التي كتب بها روايته “مدينة الله” ليصف المدينة بشكل فنّي مختلف.

ومن هنا كان باحثاً روائيّا، في الشكل والمضمون، بل تعدّى البحث الرواية، إلى النقد الأدبي، يقول: “أنا مهموم بعلّة النقد، علينا نحن العرب أن نكتشف جماليات الإبداع العالـمي، بأيدينا وعقولنا، علينا أن نحب ذلك الإبداع بمشاعرنا، وليس بمشاعر النقاد الغربيين أنفسهم، بمعنى، علينا نحن وبعد قراءة معمقة للتجارب الأدبية العالـمية أن نقول عنها: إنّها رائعة وجميلة”.

“الجوائز جواذب”

وعوْداً إلى الجائزة، يعتبر أديبنا الباحث الروائي، أنّ الجوائز جواذب، وأنّها حقاً ساعدت على انتشار أعماله القصصية والروائية، والتي كان آخرها رواية “ناغوغي الصغير”. لقد أرادوا حتماً أن يعبّروا من خلال منح الجائزة، عن مدى تقديرهم لإبداع حسن حميد. والإبداع نقصد به هنا، غير المألوف. فكما تحدّث حسن حميد عن فلسطين بذاتها، بواقعها ومكانيتها وناسها واتصالها الروحي والتاريخي بالمآسي داخلها وخارجها، فقد استطاع من خلال روايته الفائزة “ناغوغي الصغير” أن ينقل همجية وظلم الكيان الصهيوني على أبناء شعبه، الذي ادّعاه، هذا الشعب الذي جُمع من الشتات، ووُعد بجنة الله على الأرض، يعاني الأمرّين، من الظلم والعنصرية والتعسّف، فيكشف حميد هنا وجه الصهيونية القبيح تجاه أبناء جلدتهم، ويؤسس أملاً جديدا.

لا سوداوية لأنّها عجز، لا يعرفه هو، ولا أبناء شعبه حتما. فليس ديدن الفدائيين إلا الأمل، والسعي، وهكذا كانت رواياته

“التراجيديا بكل صورها موجودة في رواياتي، أما العجز والسوداوية فلا آثار لها ولا ترسيمات”. يحسم الأمر، لا سوداوية لأنّها عجز، لا يعرفه هو، ولا أبناء شعبه حتما. فليس ديدن الفدائيين إلا الأمل، والسعي، وهكذا كانت رواياته على الرغم من ثقل المعاناة فيها، تحمل في طياتها ضوءاً لصباح سيشرق دوماً حتى العودة. فلسطين التي استطاع أن يضمّها في رواياته العربية، نُقلت إلى بعض اللغات الأخرى، ولو أنّ هذا العالم تجرّأ على نقل كلمة الحق، بنفس وقاحته في إعلاء ما يدعم الرواية الصهيونية، لكانت روايات حسن حميد، وكل الروايات التي تحمل السردية الفلسطينية الحقّة، تُقرأ اليوم بكل لغات العالم. ولكنّه الانتظار مع السعي، سينتهي، بإعلاء الحقّ واقعاً فعلياً عند التحرير، ليفوز الأمل مجدّداً في الجولة الأخيرة.

*كاتبة لبنانية

*المراجع

1. بشير، صباح. (2021). عن رواية مدينة الله للروائي حسن حميد. مأخوذ من:

صباح بشير: عن رواية “مدينة الله” للروائي حسن حميد | رأي اليوم (raialyoum.com)

2. جسر بنات يعقوب (رواية). مأخوذ من:

جسر بنات يعقوب (رواية) – ويكيبيديا (wikipedia.org)

3. حطيني، يوسف. (2009). دراسة: حول رواية تعالي نُطيّر أوراق الخريف. مأخوذ من:

http://yousefhittini.blogspot.com/2009/10/blog-post_447.html

4. حوار مع الأديب الفلسطيني الكبير جسن حميد. (2019). مأخوذ من:

حوار مع الأديب الفلسطيني الكبير حسن حميد – موقع الصفصاف (al-safsaf.com)

5. د. حسن حميد يفوز مجدّدًا ب”جائزة نجيب محفوظ للرواية” (2023). مأخوذ من:

د.حسن حميد يفوز مجدداً – الوسط||Midline-news

6. عمران، رشا. (2021). المؤامرة صناعة محلية. مأخوذ من

المؤامرة صناعة محلية (alaraby.co.uk)

7. عمرو، عايد. (2007). الروائي الفلسطيني حسن حميد: أكتب عن الناس هناك .. في الـمخيم حيث الحياة الـمنقوصة. مأخوذ من:

الروائي الفلسطيني حسن حميد: أكتب عن الناس هناك .. في الـمخيم حيث الحياة الـمنقوصة (archive.org)


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , ,