شرم الشيخ: التاريخ كـ”ملهاة” و”مأساة” أيضاً!
مارس 21, 2023 7:50 ص*أحمد حسن
ربما كان اغتيال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي المهندس الكيميائي، علي رمزي الأسود، في دمشق أمس هو أبلغ تعبير موضوعي عن نتائج اتفاق الجانبين: الفلسطيني -أي السلطة- و”الإسرائيلي” خلال اجتماع في مدينة شرم الشيخ المصرية “على استحداث آلية للتصدي للعنف والتحريض والتصريحات والتحركات التي قد تتسبب في اشتعال الموقف بين الطرفين”، سواء عرفت السلطة بهذا الاغتيال مسبقاً أم لم تعرف.
فهذا الاغتيال، اللافت بتوقيته، أثبت صحة ما وصف به محلل سياسي عربي هذا “الاجتماع” قبل انطلاقه بأنّه يندرج تحت عنوان “دبلوماسية الحضور البهيج”، بغض النظر عن النتيجة المعروفة سلفاً وهي بقاء الوضع القائم كما هو لأسباب دولية وإقليمية معروفة.
والأمر، فإنّ هذا كلام دقيق ويمكن أن نضيف إليه أنّ هذا الاجتماع الجديد ينتمي إلى نمط الاجتماعات الرنانة “الفخمة” في عناوينها وطبيعة ونوعية الجهات المشاركة بها، لكن الخاوية والخالية من أي رؤية مستقبلية صالحة وبالتالي لا تقدّم، أي هذه الاجتماعات، نتائج مفيدة وفعلية إلا مرحلياً ولجهات محدّدة فقط، بما يعني أنّ تكرارها يجعلها تبدو كـ”ملهاة” مرة و”مأساة” مرة أخرى وفق مقولة “ماركس” الشهيرة عن التاريخ الذي يكرر نفسه.
والأمر فإنّه لا يمكن، دون قصة “الملهاة” و”المأساة”، فهم بعض ما يحدث بين بعض السلطات العربية و”إسرائيل”، فرغم كل ما يبدو في الظاهر من صراعات وتناقضات و”تصريحات” مدوية إلا أنّها، في الجوهر، ليست سوى عملية تغطية فعلية على حقيقة كبرى، وهي الترابط الموضوعي الوجودي بينهما، أي أنّ وجود أحدهما مرتبط طرداً بوجود الآخر، ويمكن الانتباه إلى توقيت النشوء للبعض والمرجعية الوحيدة لهما معاً لتأكيد ذلك.
وإذا كان للاجتماعات المتتالية دور يندرج تحت بند “الملهاة” للجماهير والشعوب عن حقيقة هذا الترابط، فإنّ “المأساة” تتمثّل في أمرين اثنين: أولهما، تشريع استهداف كوادر وطنية مقاومة مثل الشهيد “الأسود”، وثانيهما، أنّ ذلك كله يحدث في ظل تطورات ومتغيرات عالمية تسمح لهؤلاء -لو امتلكوا قليلاً من الجرأة كي لا نقول “الوطنية”- أن يقلبوا الطاولة على المحتل الإسرائيلي وراعيه الأمريكي وأن يتوقفوا عن تقديم خدمات مجانية للحكومة الصهيونية اليمينية التي بات العالم يضيق ذرعاً بممارساتها وسلوكها الفاشي، لكنّ “الملهاة” و”المأساة” تبدو وكأنّها تنحو منحىً “شكسبيريا” بالكامل.
فمشاركة السلطة في هذا الاجتماع الجديد رغم إفشال “إسرائيل” ذاتها لـ”ملهاة العقبة”، باعتبارها أمٌّ والدة لشرم الشيخ، ليس لها، أي هذه المشاركة، سوى أن تصبّ زيتاً إضافياً على نار الأزمات الداخلية من جهة أولى -خاصة وأنّ هذه السلطة لا تملك سوى التنسيق الأمني الذي يريد الاحتلال وواشنطن المزيد منه- وأن تمنح، من جهة أخرى، الفرصة لعصبة القتلة في الحكومة الإسرائيلية كي يستمروا في إجرامهم بحقّ الشعب الفلسطيني.
بهذا المعنى لا يمكن قراءة هذا الاجتماع إلا كخطوة أخرى في مسار انحدار معيب لـ”السلطة” تقبل فيه بالخضوع لرغبة أمريكية- إسرائيلية تحاول استباق شهر رمضان وما قد تواجهه “إسرائيل” به -ويؤكد ذلك الاتفاق على موعد آخر في رمضان- كما لمساعدة هذه الأخيرة في حربها الوجودية ضد المقاومة، التي لا تجد سواها مخرجاً من أزمتها الداخلية التي تتجه حثيثاً نحو “عنف أهلي” لا أحد يعرف نتائجه.
لكنّ شعبنا، ودماء “الأسود” من شرايينه، يعرف جيداً أنّ الاشتباك خياره الوحيد، وما سواه من اجتماعات ليس إلا “ملهاة” تطيل أمد “المأساة” فقط لا غير.
*كاتب سوري
وسوم :
أحمد حسن, أمريكا, اجتماع شرم الشيخ, اغتيالات, الاحتلال الصهيوني, الحكومة الإسرائيلية, السلطة الفلسطينية, الشعب الفلسطيني, المقاومة الفلسطينية, الملهاة والمأساة, جرائم الاحتلال, صمود, علي رمزي الأسود, فلسطين المحتلة, قمة العقبة, كارل ماركس