الساعة الآن

التصنيفات : |
مارس 28, 2023 6:49 ص

*بسّام جميل

لنعيدَ النصاب إلى بداية الحكاية، ولنسردَ من جديد، قصة الذئاب البيضاء التي انتشرت في جبال فلسطين قبل نكبتها.

في ذلك الوقت، كانت المواجهة يومية مع احتلالات متعددة، ولعل أهمها المباشر، في إرهاصات نهاية الحكم العثماني، وبدء حضور خجول للصهاينة، ثم تلتها فترة مربِكة من السطوة البريطانية، التي وُجدت في ظلها حكومة فلسطين الأولى، وإدارة محلية للكثير من المدن، فبدأ الاعتراف الصريح بأنّ للعمالة ثمناً يمكن دفعه للبعض وهدره للبعض الأخر.

لم تكن المصالحات العشائرية أو المزاودات المدنية لتنقذَ الموقف، فالتمدد الصهيوني أصبح سرطاناً تتآكل بفعله مفرادات كثيرة، لينهشَ الأرض وبعضاً من المبادئ، كفعل جرذ حذر، ليتمكّنَ من تقسيم البلاد بمواقف من هم خارجها، فنفشل أمام خيانات عظمى، تحت مُسمّى جيش الإنقاذ، وما سُمّي بالهدنة و قرار التقسيم الأممي.

خلال تلك الحقبة، لم تغِب ليوم واحد، فكرة “الذئاب” عن الحضور في سهول وجبال فلسطين، فلا فرق بين طريد يواجه حكم الإعدام، وآخر ينتظره “سفربرلك” ليُساقَ إلى معارك خاسرة، إلى التيه في بلاد غريبة، وآخرين واجهوا عدوهم التاريخي بالجرح والنار، في مواجهات دامية، ومعارك سريعة الانسياق لنهايات معروفة سلفا، لكنّها سجّلت مواقف أبناء الأرض.

ملايين من اللاجئين، ينتظرون، أن يتحرك الفرد للكل والكل للفرد، أن تعود قضية الزقاق والشارع إلى الواجهة، ليصبحَ ممكناً أن نستعيد المبادرة بالقول والفعل، فلا تُخذل مدينة أو حتى نخلة تواجه وحدها المياه الآسنة التي تتدفق كالسيل من المستوطنات

آلاف الأسرى في سجون الاحتلال، وآلاف آخرين في معتقلات السلطتين، في غزة والضفة، ملايين من اللاجئين، ينتظرون، أن يتحرك الفرد للكل والكل للفرد، أن تعود قضية الزقاق والشارع إلى الواجهة، ليصبحَ ممكناً أن نستعيد المبادرة بالقول والفعل، فلا تُخذل مدينة أو حتى نخلة تواجه وحدها المياه الآسنة التي تتدفق كالسيل من المستوطنات.

عرفنا أنّ كل حاكم “بأمر الله/ الثورة” يعرف ما يريد، ويدرك أنّ الشعب يتبع مصيره هو، كأنّ هذا الاختزال بشخص الرئيس، القائد، التوجّه، يعني النجاة، ولا يعلم الحاكم أنّ الشعب يُعدّ له أيامه، بانتظار أن يولي قبلته الجديدة، علها تحكم عقل البوصلة فتهتدي إلى الشعب، ليعودَ مصير الفرد مُعلّقاً بمصير الشعب كله، لا بصناديق اقتراع عبثية، ومفاوضات يقبض ثمنها قصوراً وحسابات بنكية متخمة لتكون إرثاً شرعياً لوريث الحكم والمحكمة القادم.

كل فعل مقاومة من المطاردين، الذئاب المنفردة، هو دعوة لكل القطعان التي تجرّها أيادي السلطات الحاكمة إلى عبث المصير. إنّ من العبث حقاً هذا السياق الذي اتّخذ من العلّة وسادة يتّكئ عليها ليرقبَ مشهداً دموياً صارخاً بشكل يومي، دون اكتراث إلا لحسابه الشخصي، لحياته فقط، لمرقد نومه: الوطن العزيز!.

وهناك من يراهن أنّ العنكبوت سيهدم بيته الواهن بنفسه، فينتظر، وهو المُسجّى في حبال هذا العنكبوت، لا يتّسع له الوقت ليلتقطَ  أنفاسه الأخيرة. فهل هذا رهان عاقل، أم أنّه تخاذل مجرور على مكاسب فردية فحسب؟.

كل المراهنات على غير الفعل المقاوم ساقطة، فالأجدى بمن نال منه العبث أن يتذكر مصائر العملاء قبل عقود، و ليحفرَ قبره بيده، أو ليُعلّيَ مقام الحبال التي ستخنقه لا محال.

الساعة الآن/ مقاومة/ مقام انتصار/ وعلى الغافلين كوابيس الانتظار.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , ,