عن جاك كوبفر.. الصهيوني المتطرّف حتى الموت
أبريل 5, 2023 9:59 ص*فاطمة شاهين
“أنا لا أعتقد أنّ هناك ما نفاوض عليه، أو من نتفاوض معهم”.
هكذا يردّد، في إظهار دائم لعنصريته تجاه الفلسطينيين. لا يقول الضفة الغربية، بل يهودا والسامرة، ولا يعترف بأية حدود إلا الحدود المزعومة للكيان الصهيوني “من البحر إلى النهر”. النواب الفلسطينيون في الكنيست الإسرائيلي هم إرهابيون وأعداء للدولة برأيه، ودائماً ما يذكر “حسين أوباما” عندما يريد الإشارة إلى رئيس الولايات المتحدة السابق باراك اوباما، فبحسب ما يعتقد أنّ مناداته بنسبه العربي هو إمعان في إهانته، إنّه الصهيوني الفرنسي المتطرّف جاك كوبفر.
عنصرية مبكّرة!
هو المولود في ألمانيا في العام 1946، لأبوين يهوديين بولنديين، قد بدأ نشاطه في خدمة الصهيونية مذ كان مراهقا، حين انضمّ إلى حركة بيتار (Betar)، الحركة الصهيونية الشبابية التي تأسست في العام 1923 في لاتفيا، على أسس وفكر الصهيونيين الروسيين، جوزيف ترومبيلدور (1880-1920) وزئيف فلاديمير جاوبوتنسكي (1880-1940) الذي رأسها حين تأسيسها. لقد كان جاوبوتنسكي، الروسي اليهودي، مؤسس حلف الصهاينة التصحيحيين، الذي رغم إعجابه بهرتزل (1860-1904) رفض التصويت لصالح اقتراح الأخير بإقامة وطن قومي لليهود في أوغندا قبل فلسطين. كان جاوبوتنسكي المؤثّر الأول في أفكار كوبفر، وذهنية التطرف لديه، يذكره كوبفر دائماً بقوله “نحن أتباع جاوبوتنسكي”.
حين نتحدث عن التطرّف، فإنّما نقصد بذلك نكران كوبفر حقّ الحياة لكل من هو غير يهودي على أرض فلسطين، وغالباً ما يستخدم كلمة “حصرا”، حين يتحدث عن كون أرض فلسطين لليهود. في “بيتار” انتقل من كونه جنديّ إلى ضابط، وشارك في التظاهرات التي قامت في روسيا للمطالبة بالسماح لليهود مغادرة البلاد إلى “الأرض الموعودة”. ثم بات رئيساً لهذه المنظمة، ومنها تخرّج إلى حركة هيروت (Hérout)، التي شكّلت نواة حزب الليكود، الحزب الإسرائيلي اليميني المتطرّف الذي ترأّس فرعه في فرنسا.
لم يُعرف جاك كوبفر، بدبلوم العلوم الاقتصادية الذي حصل عليه، ولا بشهادتيْ الدكتوراه التي نالها في تاريخ القانون، وفي العلوم السياسية، ولا حتى بشركة Citizen التي أسسها، بل باستغلال أي وسيلة متاحة، لكي يجمع شمل اليهود في الشتات، وهو بالمناسبة يفضّل استخدام كلمة المنفى بدل الشتات، لأنّ وقعها أكثر قسوة برأيه من كلمة شتات “الناعمة”!. لقد سعى إلى جمعهم، ودعمهم، وزرع فيهم أفكاره المتطرفة، حول أحقّيتهم وحدهم في العودة والعيش على الأرض المزعومة “إسرائيل”، “الأرض التي منها تاريخنا، وفيها حاضرنا، نحن شعب الله المختار” كما يعبّر.
الصهيونية الناطقة باللغة الفرنسية!
حين زار أرييل شارون (1928-2014) فرنسا في عام الانتفاضة الفلسطينية 2001، حدثت خلافات مع الرئيس الفرنسي وقتها جاك شيراك (1932-2019)، والذي أعطى حينها ملاحظاته على كيفية تعامل الصهاينة مع الانتفاضة. هذه الخلافات التي نشبت، أدّت الى قطيعة بين فرنسا والكيان الصهيوني لعدة سنوات. لم يوفر حينها جاك كوبفر هذه المناسبة ليعبّر عن الأمر في تصريح له يقول فيه: “حين نؤيد الانتفاضة في أرض “إسرائيل”، يجب أن نؤيد الانتفاضة في أرضنا. السيد شيراك يدعم الانتفاضة في “إسرائيل”، وبالتالي سيجدها في الضواحي الفرنسية. سنرى حينها كيف سيتعاطى معها، إذا كان سيتعامل حينها بكثير من ضبط النفس، وإذا كان سيأخذ ببساطة، خيار الغاز المسيّل للدموع”. ربما يحقّ لكل من يقرأ هذا التصريح، أن لا يستبعد التدخل الصهيوني في أي مشاكل قد تحدث في الضواحي الفرنسية.
لم يكن كوبفر فعليا، يوفّر أي فرصة لتلفيق كل ما يدعم الرواية الصهيونية، أو كما كانت تنص مبادىء حركة بيتار “لغرس مفاهيم الهجرة إلى أرض فلسطين بأي وسيلة قانونية أو غير قانونية”. لقد كرّس حياته، ليجمع شتات يهود فرنسا، الذين يشكّلون اليوم ثالث أكبر تعداد سكاني لليهود في العالم بعد الكيان الصهيوني والولايات المتحدة ويُقدّر عددهم بـ450 ألف إلى 500 ألف. توسّع في ذلك أيضاً نحو إقامة الروابط بين كل اليهود الناطقين بالفرنسية حول العالم، وإقناعهم بفكرة الدولة القومية على أرض فلسطين، فأسس منظمة “إسرائيل إلى الأبد” الناشطة حتى اليوم برئاسة ابنته نيلي كوبفر – ناعوري.
وبذلك، نجح في إنشاء قسم الفرنكوفونية في منظمة الصهيونية العالمية التي انتُخب فيها لمنصب السلطة التنفيذية في المؤتمر الصهيوني العالمي الثامن والثلاثين، كما اقترب من ترؤس المنظمة في أواخر حياته قبل إصابته بمرض السرطان.
التعامي عن الحقّ والحقيقة
كان جاك كوبفر معجباً بالصهيوني مناحيم بيغن (1913-1992)، واستطاع بنشاطه الدائم، أن يكون مقرّباً من شامير وشارون وبنيامين نتنياهو. إلا أنّه قطع علاقته بشارون، فور قرار الأخير الانسحاب من قطاع غزة في العام 2005. يروّج كوبفير أنّ كل أرض انسحب منها الصهاينة، تركت المجال لسيطرة “الإرهابيين” على حدّ وصفه لحركات المقاومة. لذلك، فهو بالنسبة للصهاينة “البطل القومي” الذي لم يوفّر فرصة إلا واستغلّها من أجل المشروع الاستيطاني، وهنا نذكر بطبيعة الحال، رفضه التام لاستخدام كلمة استيطان أو استعمار، لأنّه يعتقد أنّ الأرض، التي سلبها الصهاينة بالمجازر وتلفيق الأكاذيب وسحب الوعود الدولية الجائرة، هي أرض اليهود “حصرا”.
نشط كوبفر في أرض فلسطين المحتلة، بعد انتقاله للاستطيان فيها قبل عشرين عاماً من وفاته، وقاد العديد من الجولات على مدى الـ35 سنة الماضية في الكيان الصهيوني، على الأراضي الفلسطينية المحتلة، جولات لليهود المستوطنين، لليهود الفرنسيين في الكيان الصهيوني، وكذلك لسياح ومستوطنين جدد في أرض فلسطين المحتلة. جولات، مثل مسيرة الأعلام أمام الحرم الإبراهيمي، جولات في القدس، البلدة القديمة، والمسجد الأقصى.
لا عجب إذاً أن يكون المدعو إلى تكريم جاك كوبفر في فرنسا في 19 آذار/مارس من العام الحالي، هو وزير المال الصهيوني المتطرّف بتسلئيل سموتريتش، رئيس حزب “الصهيونية الدينية”، الذي لم يكتفِ بما طالب به قبل شهرين من محو قرية حوارة الفلسطينية بعد مقتل مستوطنين، بل ذهب أبعد من ذلك، ليطلقَ في حفل تأبين كوبفر، ما يتماهى تماماً مع فكر هذا الأخير ومعتقده ويصرّح بأنّه لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني، وأنّ ذلك اختراع وهمي لم يتجاوز عمره 100 سنة.
عن “الماك” الصهيونية لا القبلية
لم يكتفِ كوبفر بنشاطه مع اليهود في الكيان الصهيوني وحول العالم، بل إنّه لم يتوانَ للحظة عن دعمه لحركة انفصالية في دولة عربية. كان يمكن لكوبفر أن يستغل كل ما يغذّي الانقسام والتفتت، وما يضعف الدول العربية، ويخدم لاحقا، بشكلٍ غير مباشر الخطة الصهيونية الاستعمارية. من هنا كان له اليد الطولى في تأسيس حركة “الماك” في الجزائر، “الحركة من أجل الاستقلال الذاتي لمنطقة القبائل” في العام 2001، المصنّفة من قِبل الدولة الجزائرية، بأنّها منظمة إرهابية، والتي كشفت الصحيفة الجزائرية algeriepatriotique (في 10 شباط/فبراير 2021) عن صلات المنظمة مع جماعات الضغط الصهيونية. هكذا ساعد كوبفر زعيمها فرحات مهني على المضي قدماً في الانفصال عن الجزائر، وتبنّي الفكر التطبيعي مع الكيان الصهيوني. فرحات مهني، الصادرة بحقّه مذكرة توقيف دولية، بدأ مغنياً وناشطاً في الحركة الثقافية البربرية، ثم تحوّل إلى النضال السياسي من أجل انفصال منطقة “القبايل” عن الجزائر، زار الكيان الصهيوني في العام بتنسيق سرّي مع جاك كوبفر نفسه.
موت لا يقلّ عنصرية عن حياة!
قبل موته في 10 كانون الثاني/يناير 2021، وبحوالي الأسبوعين، تواصل كوبفر مع الصحافي الصهيوني شراغا بلوم، وطلب منه وهو على فراش المرض، أن يكتب كتاباً حول القدس، يُظهر فيه أحقّية اليهود حصراً دون غيرهم في العيش هناك حاضراً ومستقبلا. قام الصحافي بذلك، وأصدر كتاب Jerusalem الذي يوزَّع مجاناً من قِبل الجمعيات الصهيونية في فرنسا.
هذا ما كان عليه جاك كوبفر، حتى في آخر لحظات حياته، مصرّاً على فكره المتطرّف. وهذا ما هو عليه الكيان الصهيوني، كيانٌ يصنع من المتطرّفين أبطالا!.
*كاتبة لبنانية
*المصادر
- Beth Chalom Conference. (2020). Jacques Kupfer Jerusalem, miracle et perspectives. Retiré de:
Jacques KUPFER Jérusalem, miracle et perspectives – YouTube
- Bresky, Ben. (2021). Jacques Kupfer – A French Zionist’s Aliyah advocacy legacy. The Jerusalem Post, 9 june 2021.0 Retrieved from:
Jacques Kupfer – A French Zionist’s aliyah advocacy legacy – The Jerusalem Post (jpost.com)
- Conférence avec Jacques Kupfer. (2023). Retiré de:
4. La Radio Juive.(2021). JACQUES KUPFER, ANCIEN VICE-PRÉSIDENT DU CRIF, EST DÉCÉDÉ À L’ÂGE DE 74 ANS. Retiré de:
Jacques Kupfer, ancien vice-président du CRIF, est décédé à l’âge de 74 ans – Radio J
5. i24 news: Laurent Cige (Avoda) vs. Jacques Kupfer (Likud). Entrevue, retiré de:
i24 news: Laurent Cige (Avoda) vs. Jacques Kupfer (Likud) – YouTube
6. Le label “Kabyle AOC”: une appellation d’origine controlee. (2021). Algeriepatriotique, 10 fevrier 2021. Retiré de:
Le label «Kabyle AOC» : une appellation d’origine contrôlée – Algérie Patriotique (algeriepatriotique.com)
- Maltz, Judy. (2020). ‘Who Needs So Many Arabs?’ Meet the Man Tasked With Improving Israel’s Ties With the Jewish Diaspora. Haaretz. 29 Oct 2020. Retreived from:
- Qualita. (2022). Le testament de Jaques Kupfer. Retiré de:
Le testament de Jacques Kupfer – Focus#450 – YouTube
- 9. Qualita. (2022). Jacques Kupfer, un Héros d’Israel.
Jacques Kupfer, un héros d’Israël – YouTube
1. إعلام: الإمارات تدرس خفض تمثيلها الدبلوماسي في إسرائيل. (2023). سبوتنيك عربي. 22.03.2023. مأخوذ من:
إعلام: الإمارات تدرس خفض تمثيلها الدبلوماسي في إسرائيل – 22.03.2023, سبوتنيك عربي (sputnikarabic.ae)
2. حبيبي، زكريا. (2023). فرنسا تكرم الصهيوني “جاك كوبفر” مؤسس حركة الماك الارهابية. مأخوذ من: