في “يوم القدس العالمي” فلتتقاطع نيراننا فوق فلسطين

التصنيفات : |
أبريل 14, 2023 5:07 ص

*أحمد الطناني – غزة:

قبل أكثر من 44 عام، أطلق الإمام الخميني قائد الثورة الإسلامية دعوته الخالدة لإحياء “يوم القدس العالمي”، أو اليوم الدولي لمدينة القدس الشريف، في حدث حوّل الجمعة الأخيرة من رمضان إلى محطة للحشد ورفع الصوت نُصرة للقدس والشعب الفلسطيني وحقّه التاريخي في أرضه وتحرير شعبه ومقدساتها ونيل حقّه في تقرير المصير.

لم تكن الدعوة لإحياء “يوم القدس العالمي” مجرد دعوة لاستحداث محطة جديدة وتاريخ جديد، ترى فيه قيادة الثورة الإسلامية في إيران أنّه فرصة لتثبيت بصمتها في أجندة الفعاليات المؤيدة للشعب الفلسطيني، بل هي دعوة واضحة وصريحة بأن يتحوّل هذا اليوم إلى محطة للحشد الحقيقي لنصرة الشعب الفلسطيني، ليس بالكلمة فقط، ولا بالحناجر والمسيرات والمظاهرات، بل بتعظيم الفعل المقاوم للشعب الفلسطيني، والفعل المقاوم المُساند للشعب الفلسطيني والجاهز لمواجهة هذا الاحتلال.

حملت كلمات الإمام الخميني توجيهاً واضحاً لما حلم به السيد علي خامنئي وقيادة الثورة الإسلامية في إيران لطبيعة وقيمة يوم القدس، واقتبس من خطابه في المناسبة الأولى لتدشين يوم القدس، التالي: “أطلب من جميع المسلمين في العالم والحكومات الإسلامية على العمل معا لقطع يد هذه الغاصبة ومؤيديها. وإنّني أدعو جميع المسلمين في العالم لتحديد واختيار “يوم القدس العالمي” في الجمعة الأخيرة في شهر رمضان الكريم -الذي هو في حد ذاته فترة محددة يمكن أيضاً أن يكون العامل المحدد لمصير الشعب الفلسطيني- وخلال حفل يدل على تضامن المسلمين في جميع أنحاء العالم، تعلن تأييدها للحقوق المشروعة للشعب المسلم. أسأل الله العلي القدير أن ينصر المسلمين على الكافرين”.

44 عام لم تكن عبثا، تحوّل فيها يوم القدس، عاماً بعد عام إلى مناسبة تضج فيها شوارع العديد من الدول بالحشود في العالم نُصرة للشعب الفلسطيني، حاملة لواء “الموت لإسرائيل” وشاحذة الهمم لنهضة المقاومين في كل أرجاء العالم

44 عام لم تكن عبثا، تحوّل فيها يوم القدس، عاماً بعد عام إلى مناسبة تضج فيها شوارع العديد من الدول بالحشود في العالم نُصرة للشعب الفلسطيني، حاملة لواء “الموت لإسرائيل” وشاحذة الهمم لنهضة المقاومين في كل أرجاء العالم، بوصلتهم فلسطين، وعهدهم عهد التحرير لرفع الظلم عن الشعب الفلسطيني الذي تآمرت عليه قوى الاستكبار العالمي.

الحلم يقترب، تطويق “إسرائيل” بملايين المقاومين

حمل الفريق الشهيد قاسم سليماني قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، على مدار سنوات، وصية الخميني وحلم السيد علي خامنئي، حيث حوّلهما لخطة عملياتية لتطويق كيان الاحتلال بالآلاف من المقاومين المجهزين للحظة التاريخية التي تزحف فيها جموع المقاومين من كل الجبهات لهزيمة هذا الكيان.

صحيح أنّ الحاج قاسم سليماني قد قضى شهيداً على طريق القدس، وأنّ الاحتلال أعلن مراراً أنّ سياسته “المعركة بين الحروب” قد نجحت في إجهاض حلم سليماني، ووضع حد لطموح محور المقاومة في تطويق الكيان بالمقاتلين والصواريخ في كل الجبهات، إلا أنّ الفيصل ما يقوله الواقع لا ما يُصرّح به الاحتلال.

الدعم الإيراني لقوى المقاومة في فلسطين ولبنان كان له بالغ الأثر في تطوير منظومات المقاومة وتصليب عودها وإمدادها بالسلاح والعتاد والتدريب والتطوير، فكانت إيران شريكاً في انتصارات المقاومة في جنوب لبنان وقطاع غزة

الدعم الإيراني لقوى المقاومة في فلسطين ولبنان كان له بالغ الأثر في تطوير منظومات المقاومة وتصليب عودها وإمدادها بالسلاح والعتاد والتدريب والتطوير، فكانت إيران شريكاً في انتصارات المقاومة في جنوب لبنان وقطاع غزة، وتثبيت معادلات جديدة كانت مجرد أحلام في سنوات مضت، وأثبتت التجربة أنّ عزائم المقاومين ودعم المخلصين كفيلان بتحويل كل أزمة إلى فرصة، وكل هزيمة إلى انتصار، حتى أصبح مشهد انسحاب الاحتلال مذلولاً تحت وقع ضربات المقاومة، مشهداً معتاداً بعدما كان حلما.

الضفة درع القدس

لم تتوقف الأحلام عند هذا الحد، فكان الحلم بتسليح الضفة الغربية، والرؤية التي أعلن عنها الخامنئي منذ العام 2014 بكلماته بأنّ “الضفة الغربية يجب أن تُسلّح مثل غزة… كل الذين يهتمون بمصير فلسطين ومستقبلها، إذا كانوا يستطيعون القيام بعمل ما، فإنّ العمل المطلوب هو هذا؛ يجب أن يتمّ تسليح الأهالي في الضفة الغربية… لأجل إضعاف الكيان الصهيوني وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني”، واليوم وبعد 9 سنوات من هذا الحلم الذي تحوّل إلى عهد، وقضت في سبيله التضحيات العظام، وصولاً لمشهد الاشتباك المفتوح في الضفة الغربية ومئات قطع السلاح التي وصلت لأيدي الجيل الفلسطيني الجديد حامل لواء الاشتباك والمواجهة، فبالعزائم والعمل الجاد، تتحوّل الأحلام إلى حقائق، ويقترب النصر المبين.

يحمل يوم القدس هذا العام شعاراً رسّخه الميدان وعمّدته دماء الشهداء، شعار (الضفة درع فلسطين) مؤكداً أنّ كل ما يجري في المنطقة ليس عبثا، وأنّ الضفة الغربية رأس الحربة المتقدّم في مواجهة الاحتلال والدفاع عن القدس

يحمل يوم القدس هذا العام شعاراً رسّخه الميدان وعمّدته دماء الشهداء، شعار (الضفة درع فلسطين) مؤكداً أنّ كل ما يجري في المنطقة ليس عبثا، وأنّ الضفة الغربية رأس الحربة المتقدّم في مواجهة الاحتلال والدفاع عن القدس، ومن خلفها كل محور المقاومة، فمسيرة المقاومة ستستمر ويمضي بها محور القدس موجهاً بوصلته بوضوح إلى فلسطين، لتكون كل الطرق التي يسلكها هي الطريق  إلى القدس، وكلها دروب التحرير.

وحدة الساحات، والنموذج المصغر لحلم التحرير

لا يمر “يوم القدس العالمي” هذا العام كأي يوم، فهو يوم شغل كل أجهزة أمن واستخبارات الاحتلال وحلفائه، واستنفار جيشه ونشر راداراته واستدعاء قواته، استعداداً لهذا اليوم، الذي بات يوماً للمواجهة والاشتباك، يوماً للتصعيد نصرة لقدس وفلسطين.

شهدت الأيام التي سبقت يوم القدس، نموذجاً مصغراً عن حلم التحرير، حلم كل المقاومين المخلصين، الحلم الذي دفعت في سبيله قوى المقاومة التضحيات، لتثبيت وحدة الساحات والفعل المقاوم، والذي أثبت بالنار والسلاح وبعزيمة الثوار وصواريخهم أنّ كل أوهام الاحتلال التي ادّعاها بنجاح ضرباته باءت بالفشل، وتبددت أحلام قادته، فوحدة الساحات أمر نافذ محتوم.

عشرات الصواريخ التي انطلقت من لبنان، وأقل منها من سوريا، ومثلها من قطاع غزة، كانت كفيلة بأن تكون الرسالة الأكثر سخونة للاحتلال، والنموذج المصغر عن ما هو قادم، عن السيناريو الذي لطالما أرّق الاحتلال وعمل جاهداً لإجهاضه، ومنع تكوّنه، أن تكون كل الساحات جاهزة للحظة الصفر لتنقضَّ على هذا المحتل الغارق في أزماته الداخلية.

وحدة الساحات هشّمت بضربة صغيرة كل نظريات “الردع” الصهيونية، ليجدَ الاحتلال نفسه عاجزاً عن الرد الحقيقي، متخوّفاً من مواجهة ما أعدّ له محور المقاومة بشكل فعلي

وحدة الساحات هشّمت بضربة صغيرة كل نظريات “الردع” الصهيونية، ليجدَ الاحتلال نفسه عاجزاً عن الرد الحقيقي، متخوّفاً من مواجهة ما أعدّ له محور المقاومة بشكل فعلي، فهو يعلم تماماً أنّ ما أُطلق ليس سوى الرسالة الأولى رداً على اعتداءاته، وأنّ الزخم الحقيقي في رد الساحات الموحدة لم يبدأ بعد، وأنّ آلاف المقاومين من غزة إلى لبنان إلى سوريا إلى العراق واليمن، وفي المقدمة منهم إيران، هم على جهوزية عالية، وسباق مع الزمن استعداداً للحظة التاريخية التي تتقاطع فيها النيران فوق فلسطين المحتلة، مكللة عهد الانتصارات بالهزيمة الكبرى للاحتلال.

في “يوم القدس العالمي”، فلسطين قُبلة محور المقاومة، والقدس قلبه، وملايين العرب والمسلمين في العالم تهتف حناجرهم، النصر لفلسطين، الموت لـ”إسرائيل”، في هتاف يُسمع صداه في “تل أبيب”، وواشنطن وكل عواصم الاستكبار في العالم، الذين باتوا يرون حتمية تغيّر موازين القوى في العالم، وحتمية النصر المبين لمحور المقاومين لتحقيق حرية فلسطين، كل فلسطين من نهرها إلى بحرها.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , ,