سيناريوهات الغدر الصهيوني وترميم “الردع”

التصنيفات : |
أبريل 28, 2023 6:49 ص

*أحمد الطناني – غزة:

بات واضحاً للجميع أنّ الاحتلال الصهيوني مرّر سحابة التصعيد التي اندلعت على مشارف الثلث الأخير من شهر رمضان، وتخللها أكبر عملية إطلاق صاروخي من شمال فلسطين المحتلة منذ حرب تموز/يوليو 2006، ولكنّه تمرير تكتيكي مرتبط بتقدير مستوياته الأمنية والعسكرية ومن خلفها السياسية لحساسية اللحظة التي يمر بها الكيان، من انكشاف واستنزاف داخلي وخارجي يجعل الذهاب لاشتباك واسع بمثابة الذهاب لمعركة محسومة النتائج سلفا، حصيلتها صفر كبير للاحتلال وانتصارات صافية لقوى المقاومة.

الوضع الداخلي في الكيان، وأزمات الجيش المتعددة واستنزاف قواته، لم تكن العوامل الوحيدة التي دفعت الاحتلال لتمرير هذه الجولة وضرباتها، بل حلّ أيضاً في المشهد بشكل رئيسي، تحوّل تحدي “وحدة ساحات الفعل المقاوم وتكاملها” إلى واقع عبر نموذج مُصغّر من الإطلاق الصاروخي من جبهات متعددة أبرزها قطاع غزة وشمال فلسطين المحتلة عبر الأراضي اللبنانية والسورية، حيث أعدمت المقاومة بمبادرتها وجهوزيتها خيارات الضربة الأولى للكيان والتي تقوم على مبدأ المباغتة للمقاومة، وهو ما لا يُحبّذه قادة جيش الاحتلال وخصوصاً رئيس الأركان “هرتسي هاليفي”.

لم تتوقف وسائل الإعلام والخبراء في الكيان عن الحديث عن حاجة “إسرائيل”، بل واستعدادها لشن عملية عسكرية، وأنّ هناك قرار باستئناف عمليات الاغتيال بحقّ قيادة المقاومة، أو ضربة واسعة تستهدف معاقل المقاومة في قطاع غزة، أو لبنان.

وجّهت الضربات الأخيرة ضربة مؤثرة جداً لمنظومة “الردع” الصهيونية، التي باتت اليوم بحاجة إلى ترميم كبير وعاجل لإعادة “الهيبة” المفقودة لكيان شكّل “كي الوعي” جزءاً أساسياً من سياساته العدائية تجاه شعوب المنطقة، والشعب الفلسطيني بشكل خاص

تُجمع الأوساط المختلفة في كيان الاحتلال، كما كل المطّلعين على الشأن الصهيوني، أنّ الضربات الأخيرة وجّهت ضربة مؤثرة جداً لمنظومة “الردع” الصهيونية، التي باتت اليوم بحاجة إلى ترميم كبير وعاجل لإعادة “الهيبة” المفقودة لكيان شكّل “كي الوعي” جزءاً أساسياً من سياساته العدائية تجاه شعوب المنطقة، والشعب الفلسطيني بشكل خاص، عبر ترسيخ مشاهد المجازر والقتل والإجرام والاستخدام اللامحدود للقوة الغاشمة بحقّ شعوب عزل وأطفال ونساء، والاستعراض الدائم بأنّ “يد إسرائيل الطولى” قادرة على الوصول إلى أي كان من أعدائها.

تعرّض رئيس وزراء الاحتلال “بنيامين نتنياهو” وكل معسكره اليميني الفاشي لضربة مؤثرة في استطلاعات الرأي الأخيرة التي شهدت تراجعاً كبيراً لمعسكر الائتلاف الحكومي، ولـ”نتنياهو” بشكل مباشر، وإلى جانب فشل “نتنياهو” في تمرير مشروع “التعديلات القضائية” يحلّ التراجع في الجانب الأمني وتصاعد العمليات الفدائية، وفقدان “الشعور بالأمن” لدى جمهور المستوطنين في الأراضي المحتلة كأحد أهم الأسباب في فقدان هذا الجمهور الثقة بالحكومة ورئيسها، الذي اضطُّر للخروج في مؤتمر صحفي غلّفه بأجواء أمنية من مقر وزارة الحرب، يهدف في جوهره لترميم هذه الصورة وتعزيز ثقة الجمهور به.

تطفو على السطح، بوضوح، سيناريوهات لجوء الاحتلال الصهيوني إلى تنفيذ عدوان غاشم يحتاجه الكيان بالمعنى الاستراتيجي لترميم “الردع”، ويحتاجه “نتنياهو” بالمعنى المباشر لاستعادة ثقة جمهوره به ولتصدير أزمته الداخلية

استناداً للسابق، تطفو على السطح بوضوح سيناريوهات لجوء الاحتلال الصهيوني إلى تنفيذ عدوان غاشم يحتاجه الكيان بالمعنى الاستراتيجي لترميم “الردع”، ويحتاجه “نتنياهو” بالمعنى المباشر لاستعادة ثقة جمهوره به من جانب، ولتصدير أزمته الداخلية التي باتت قاب قوسين أو أدنى من العودة للاشتعال بزخم مع قرب انعقاد الدورة الصيفية للكنسيت نهاية شهر نيسان/أبريل الحالي.

3 سيناريوهات لااستهداف المقاومة

السيناريو الأول لشكل العدوان، هو توجيه ضربة- ضربات أمنية واسعة تستهدف مقدّرات وقيادات من المستوى الأول والثاني للمقاومة الفلسطينية في لبنان على نحو الخصوص، تكون عبر عمليات استهداف “مجهولة” المصدر، تنسجم مع سياسة “المعركة بين الحروب” الصهيونية، وتعزّز “الردع” وتستعيد أسطورة “اليد الطولى” والقدرة على تصفية الحساب مع خصوم الاحتلال في أي مكان في العالم، وفي ذات الوقت لا تستدعي بالضرورة رد صارخ من المقاومة التي ستعكف في حينها على لملمة المشهد ومعالجة الثغرات الأمنية.

السيناريو الثاني يتمثل بتعزيز وتوسيع الاستهداف للمقاومة في الضفة الغربية، وهو ما ينسجم مع إعلان الاحتلال عن إيقاف استخدام مُسمّى “كاسر الأمواج” في مواجهة خلايا ومجموعات المقاومة في الضفة، مما يمهّد الطريق لتدشين عملية عسكرية جديدة تكون أكثر إجراماً وإيغالاً في الدم الفلسطيني، يهدف فيها الاحتلال لتحييد جبهة الضفة للأبد، والتأكيد على تفتيت الساحات، بحيث يكون جاهزاً فيها للتعامل مع أي محاولة للتدخل من ساحات مثل غزة أو لبنان لتخفيف الضغط.

السيناريو الثالث توجيه ضربة عسكرية واسعة لقطاع غزة، يستعيد فيها الاحتلال بشكل استعراضي جوهره دماء وأنقاض القطاع “هيبته” المهدورة بفعل ضربات المقاومة، سيحاول فيها الاحتلال استخدام أعتى أشكال الإجرام والاغتيالات بحقّ قيادة وكوادر المقاومة في القطاع المحاصر لإخراج صورة لكل خصومه بأنّ “إسرائيل” ما زالت بقوتها وقدراتها.

السيناريو الرابع وهو توجيه ضربة لإيران يرافقها استهداف لكل مواقع تمركز قيادة الفصائل المنظوية ضمن محور المقاومة وبشكل خاص في قطاع غزة ولبنان وسوريا، بحيث تكون ضربة متعددة المستويات، ولا يمكن أن تتمّ بدون غطاء أو مشاركة أمريكية وعدد من حلفائها في المنطقة، لضمان نجاحها (وهو سيناريو مستبعد على ضوء التطورات الحالية في المنطقة)، إلا أنّه يبقى وارداً ارتباطاً بحجم التقدّم الذي تحقّقه إيران في الملف النووي، وملف التصنيع العسكري.

تبقى السيناريوهات مرهونة بضمان الاحتلال المؤكد أنّ ضربته أياً كانت طبيعتها ستكون ناجحة بما لا يدع مجالاً للشك، وستحقّق أهدافه بوضوح، وأهمها استعادة “منظومة الردع”، وتوجيه ضربة نوعية لاستراتيجية “وحدة الساحات” التي تسعى المقاومة لتثبيتها

تبقى السيناريوهات السابقة مرهونة بضمان الاحتلال المؤكد أنّ ضربته أياً كانت طبيعتها ستكون ناجحة بما لا يدع مجالاً للشك، وستحقّق أهدافه بوضوح، وأهمها استعادة “منظومة الردع”، وتوجيه ضربة نوعية لاستراتيجية “وحدة الساحات” التي تسعى المقاومة لتثبيتها، وفي هذا الإطار من المستبعد أن يلجأ الاحتلال إلى ضربات متزامنة تستهدف الساحات المختلفة، بل سيسعى لتثبيت عدم جدية فكرة “وحدة الساحات” عبر الاستفراد بساحة واحدة يعتقد أنّها ستكون الخاصرة الأضعف في المشهد والهدف الأسهل لتحقيق أفضل النتائج بأقل الخسائر الممكنة، فالجبهة الداخلية للاحتلال والوضع الاقتصادي والتطورات الإقليمية والدولية لا تخدم فكرة دخول الاحتلال في معركة طويلة أو واسعة.

ليس بالضرورة أن يلجأ الاحتلال لتنفيذ أي سيناريو من السيناريوهات المذكورة، أو أن يذهب إلى عدوان من حيث المبدأ ما لم تتوفر لديه فرص النجاح التي يبحث عنها، فهو بالدرجة الأساسية يبحث عن ضربة طابعها استعراضي، وأهدافها العملياتية مرتبطة بترميم الصورة والدعاية عن قدراته العسكرية ومتانة جبهته الداخلية وجيشه، بعدما أصبح يعي تماماً أنّ انكشافه عزّز من جرأة خصومه وبشكل خاص محور المقاومة، وهو ما يحتّم على المقاومة أن لا تستهين باتخاذ كل الاحتياطات اللازمة، وتفويت الفرصة على الاحتلال وعدم منحه إنجازات مجانية أو أهداف سهلة سواء باستهداف قيادة المقاومة أو مقدّراتها في كل أماكن تمركزها، وعدم الركون للتكاسل والاستهتار مع طول المدة التي سيعمل الاحتلال على استثمارها جيداً للبحث عن ثغرة ينجح عبرها في تحقيق أهدافه.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,