“رئيسي” في دمشق والرسائل إلى “إسرائيل”

التصنيفات : |
مايو 4, 2023 8:10 ص

*أحمد حسن

كسواها من الفعاليات السياسية الرفيعة المستوى تأتي زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، لدمشق محمّلة بالصور الرمزية المعبّرة والدّالة في كل الاتجاهات ولجميع الأفرقاء.

وربما كان أحد أبرز هذه الدلالات تلك التي تبدو بها هذه الزيارة وكأنّها تتويجاً وحصاداً لما زرعته زيارة “أحمدي نجاد” عام 2010 لسوريا والشهيرة بـ”صورتها” التي ضمّت إلى الرئيسين الإيراني والسوري أمين عام حزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله، فإذا كانت تلك “الصورة” بمثابة إشهار علني للمحور المقاوم، وقادته، فإنّ “صورة” رئيسي متجولاً هذه الأيام في دمشق هي إعلان رسمي بانتصار هذا المحور في معركة حماية واسطة عقده، دمشق، وبالتالي إعلان فشل “إسرائيل” وفريقها، في هذه المعركة، وأكثر من ذلك إعلان بدء الانتقال، في الآن ذاته، إلى مرحلة أعلى وأكثر تقدماً في المعركة ضد الكيان الصهيوني.

توقيت الزيارة هو قول إيراني وسوري علني ومشترك بأنّ استعادة العلاقة الطيبة مع دول المنطقة، وتحديداً السعودية ودول الخليج، لا يأتي على حساب هدف “المحور” الرئيسي، وبالتالي لا يعني تقديم تنازلات بشأن المعركة الوجودية مع “إسرائيل”

والحال، فإنّ الدلائل على ذلك كثيرة جدا، وبالتأكيد ليس توقيت الزيارة بريئاً منها، لأنّ اختيار إعلانها وتنفيذها بعد الاتفاق السعودي – الإيراني برعاية صينية لا أمريكية كما هو معتاد، وبعد الانفتاح العربي على دمشق يعني الكثير بالنسبة لـ”تل أبيب”، فهو، في الجوهر، قول إيراني وسوري علني ومشترك بأنّ استعادة العلاقة الطيبة مع دول المنطقة، وتحديداً السعودية ودول الخليج، لا يأتي على حساب هدف “المحور” الرئيسي، وبالتالي لا يعني تقديم تنازلات بشأن المعركة الوجودية مع “إسرائيل”، بقدر ما يُفصح، أي توقيت الزيارة، وهذا الأخطر، عن إعادة ترتيب المنطقة -ولو بصورة خجولة- بالضد من ترتيبات اتفاقيات “أبراهام” التي كانت تنحو، بدرجة كبيرة، نحو تتويج “إسرائيل” زعيمة للمنطقة وحليف أساسي لدول الخليج ضد إيران، في ما يبدو، الآن، أنّ مياه النهر الإقليمية بدأت بالسير عكس التيار الإسرائيلي.

وإضافة إلى هذه الرسالة السياسية، تعلن “الزيارة” أيضاً عن رسالة عسكرية بفشل ما دُعي بالمعركة بين الحروب التي حاولت فيها “إسرائيل” تشتيت المحور والفصل بالنار بين إيران وسوريا لقطع شريان التسليح “الصاروخي” تحديداً عن حزب الله، الأمر الذي اعترفت به كافة المستويات السياسية والأمنية في الكيان.

والأدهى من ذلك أن يتزامن هذا كلّه مع الخلافات الإسرائيلية الداخلية الحادة، والوجودية، التي جعلت من “تل أبيب” أضعف عسكرياً بكثير من السابق، وهذا ما أكّدته حالتان متتاليتان أحدثهما فشل إسرائيلي لافت في اعتراض صواريخ غزة الأخيرة، وثانيهما كان الخلاف الأخير بين شعبة الاستخبارات في جيش الاحتلال وبين الموساد الإسرائيلي حول المسؤولية الحقيقية عن القصف الصاروخي الذي أطلقته جماعات فلسطينية قبل أسابيع قليلة خلال عيد الفصح لدى اليهود، وانحاز فيه الجانب السياسي لتقدير “الاستخبارات” رافضاً تقدير “الموساد” في ما بدا حينها تهرّباً سياسياً وعسكرياً من ضرورة الرد خشية من حرب مفتوحة مع حزب الله.

من الواجب الاستمرار في تمتين العلاقة بين أطراف المحور المقاوم، وتلك رسالة “الزيارة” الأبرز لـ”إسرائيل” والتي لم يستطع إخراجها لمطار “حلب” الدولي من الخدمة استباقاً لها، أن يلغيَ وقعها السيء على “الكيان” وساسته وداعميه

بيد أنّ هناك جانباً آخر مقلق إسرائيلياً لزيارة “رئيسي”، وهو تزامنها مع المشهد الجديد الذي يتشكل في المنطقة والرامي إلى تهدئة التوترات وكبح المواجهات، وهذا أمر مناف لمبرر قيام ووجود “إسرائيل” ذاتها، وإذا كان ذلك يترتب عليه تغيير في أدوار ومراكز البعض، فإنّه سينعكس حكماً على القضية الفلسطينية، في كل جوانبها السياسية والمقاومة، وتلك، بمجملها، رسائل سلبية لإسرائيل من “الزيارة”، لكنّ التجربة الإيرانية – السورية تقول إنّ الحذر واجب والركون إلى مظاهر التهدئة في المشهد العام أمر خاطئ، لأنّ الدروس السابقة في “التراجع” لا زالت ماثلة للعيان، وبالطبع لن تتغير مواقف الدول بين ليلة وضحاها لذلك -وهذه أهم جوانب زيارة “رئيسي”- من الواجب الاستمرار في تمتين العلاقة بين أطراف المحور المقاوم، وتلك رسالة “الزيارة” الأبرز لـ”إسرائيل” والتي لم يستطع إخراجها لمطار “حلب” الدولي من الخدمة استباقاً لها، أن يلغيَ وقعها السيء على “الكيان” وساسته وداعميه.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , ,