لو أصبحتُ يوماً لاجئاً

التصنيفات : |
مايو 5, 2023 7:25 ص

*وسام عبد الله

داخل مخيّمات اللجوء الفلسطيني في لبنان حُددت حياة اللاجئين، وتمّ تنميطها وفق معطيات سياسية متراكمة عبر عقود، بين من أساء فهمهم ومن أراد الإساءة إليهم، والقراءة للحالة الفلسطينية معقدة وواسعة ولا يمكن اختزالها، إنّما قد يمكننا الخروج منها بخلاصات وعِبر تكون نموذجاً للمجتمعات المضيفة والوافدة، كون البشرية في حالة حروب مستمرة، وما ينتج عنها من نزوح دائم.

التفكير النمطي

من طبيعة الإنسان أن يحكم على الآخر من اللقاء الاول، ويساعده على تحديد كيفية التعامل معه، بالعادات والتقاليد وحتى المصطلحات اليومية، ولكن بناء استمرارية التواصل على أساس الانطباع الأول قد يُحدث ظلماً متبادلاً بينهما. والفلسطيني ضحية الانطباع الذي جرى التسويق له من مختلف الجهات، بأنّه جاء “ليحتلَّ لبنان ” أو ” التغيير الديمغرافي”، وفي المقابل، هناك مواقف سياسية فلسطينية شوهت حقّ اللاجئ نتيجة سلوكيات البعض وخياراته.

التعميم صفة البشر، ويسهّل عملية تحديد السلوك، فنكون أمام فئتين: أنا وأنت، نحن وهم، وتحت هذه المسمّيات تُصنّف وتُعرّف المجموعات ضمن بوتقة واحدة، بينما تنضوي داخل المخيّمات الفلسطينية والمجتمع اللبناني، مروحة واسعة من الآراء المختلفة التي نجدها حتى داخل الحزب والتيار والطائفة نفسها.

اللاجئ الفلسطيني يشير إلينا بأن لا نقف على أبواب المخيّم ونصوّب عليه التهم، إنّما العبور إلى الداخل، إلى تفاصيل حياته وأحلامه، والإصغاء لصوت معاناته

إنّ تجاوز الحكم على الآخر، وتقبّل التعرف عليه، هو الذي يمنع وصول الاختلافات إلى حد المواجهة المباشرة في ساحات القتال، فبعد الحرب الأهلية في لبنان، والمعارك بين الأحزاب اللبنانية والفصائل الفلسطينية، من كان أكثر المتضررين، غير بنية المجتمع اللبناني والقضية الفلسطينية؟، اللاجئ الفلسطيني يشير إلينا بأن لا نقف على أبواب المخيّم ونصوّب عليه التهم، إنّما العبور إلى الداخل، إلى تفاصيل حياته وأحلامه، والإصغاء لصوت معاناته، وقد يكون هذا الانتقال بين “الضفتين” ممنوع حتى لا تنكسر سلطة أحزاب وقيادات من الطرفين وتفقد السيطرة على المشهد القائم.

الصمود

بتنوع المهاجرين واللاجئين في العالم، لا يشكّل الفلسطيني النموذج الوحيد، فأكثر ما يميّز الحالة الفلسطينية في الشتات هو قدرتها على الصمود بوجه سياسة إنهاء وجودها، ربما لأنّ اللجوء الفلسطيني لا يشبه غيره من ناحية سبب الانتقال للحياة في دولة ثانية، فمعظم الخارجين من بلادهم نتيجة الحروب الداخلية أو الإقليمية، يدركون أنّ لديهم وطناً سوف يعودون إليه يوما، وليس هناك مستوطنون يحتلون بيوتهم وأرضهم وتاريخهم. فيصبح أحد هموم اللجوء  المحافظة على تفاصيل الحياة الفلسطينية وخصوصية القضية، من أوراق ثبوتية للمنازل والصور إلى المأكولات والطقوس والموسيقى وغيرها الكثير من تراث البلاد، التي تشكّل ضمانة لـ”حقّ العودة “، الذي لا يبني مشروعيته على قرارات الأمم المتحدة فقط، بل على إيمان اللاجئ الفلسطيني بحقّه في الحياة بمدينته وقريته، وأكثر من حصّن حالة الصمود الفلسطيني هي العائلة، من حكايا الأجداد المحافظين على مفاتيح بيوتهم التي هُجّروا منها، وتثبيت القضية في وجدان الأطفال والشباب، فلو تخلى عن هويته، ماذا يبقى من القرار 194 وحقّ اللاجئ بالعودة إلى أرضه؟.

تتشكّل صورة اللاجئ في وعي المضيف بأسوأ الأنماط، لذا تنبري ضرورة معالجة المشاكل التي تحدث بين الأطراف، التي تبدأ من الأفراد لتنتقلَ إلى الجماعة

تقبُّل الاخطاء

اللجوء هو حالة احتكاك بين المجتمعات، وفي لحظات تخرج عن السيطرة والمنطق العقلاني، نتيجة تضارب “المصالح”، لتكون نتائجها رد فعل ينعكس سلباً على القضية الأسمى، فينجرّ الناس نحو ارتكاب الأخطاء بفعل سوء المعاملة وانعدام الشروط الإنسانية للاجئ الفلسطيني، وتتشكّل صورة اللاجئ في وعي المضيف بأسوأ الأنماط، لذا تنبري ضرورة معالجة المشاكل التي تحدث بين الأطراف، التي تبدأ من الأفراد لتنتقلَ إلى الجماعة. الطموح ليس مثاليا، فالخطوات لا تحتاج إلى نقلات كبيرة، ما يحتاجه اللاجئ والمواطن المضيف هو خطوة لقاء مشتركة، ليس من الضرورة أن تكون بدايتها تحت عناوين سياسية وعقائدية، في لقاء بنشاط رياضي أو حفل موسيقي، والحوار بينهما ينطلق من فكرة أنّنا لا نملك كل الحقيقة. الشواهد التاريخية للبشرية، مؤلمة للوصول إلى مرحلة العدالة، فمن الولايات المتحدة الأمريكية العنصرية بالتعامل على أساس لون البشرة، إلى الحروب الدينية بين المجتمعات الأوروبية، كلها تدلّ على أنّنا أمام خيارين، إما الحرب أو الحوار، واللاجئ الفلسطيني اختبر الأمرين.

نحن لسنا استثناءً وقد نصبح يوماً ما لاجئين، حينها سنختبر ما عاشه الفلسطيني في لجوئه المتواصل منذ نكبته الأولى، وهل كان يملك القدرة على اتخاذ الخيار الصحيح في محيط غير مستقر وبيئة تضغط عليه سياسياً واجتماعيا، فالقرارات في مجتمعات اللجوء لا تتمتع بترف الوقت والاستقرار المعيشي، هي رد فعل وهامش الخطأ فيها واسع. اللجوء الفلسطيني هو نموذج تعليمي وتربوي، والدروس القومية لا تكفي وحدها، نحن بحاجة إلى تمدّد الصورة المجتمعية للمخيّمات واللاجئين، كما نحن بحاجة لقصص الصمود، التي قد تكون يوماً ما في أرشيف الشعوب، ولما لا، فهوذا الكيان الإسرائيلي يجتهد على نشر أكاذيبه وما يسمى بـ”الهولوكوست” بين المجتمعات العربية ليمنح احتلاله شرعية قائمة على مبدأ اغتصاب الحقوق ووهم الأيديولوجيا.

*كاتب لبناني    


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,