كيف ستتعامل المقاومة مع العدوان الغادر على قطاع غزة؟

التصنيفات : |
مايو 9, 2023 2:59 م

*أحمد الطناني – غزة:

غدرا، نفّذ الاحتلال ضربته الإجرامية التي استهدف فيها بيوت الآمنين، بهدف تصفية قيادة المجلس العسكري لسرايا القدس، ليرتقيَ القادة الشهداء جهاد غنّام، خليل البهتيني، طارق عز الدين، مع عائلاتهم من النساء والأطفال، وجيرانهم الآمنين، في مجزرة تُذكّر الجميع، أنّ هذا الكيان الغاصب لا يرتوي قادته إلا بدماء أبناء شعبنا وآهات وعذابات ذوي الشهداء والجرحى.

لم يكن الاستهداف مفاجئا، الإشارات كانت كثيرة وسيناريو الضربة الغادرة كان حاضراً عند كل المتابعين، ولكنّ الاحتلال راهن على عامل الوقت والتشتيت، ونجح في حصد ضربته الأولى، التي كان الغدر سمتها عبر مجموعة من إشارات الطمأنة التي وصلت لقيادة المقاومة في قطاع غزة.

شهداء “وحدة الساحات”

للتاريخ، فإنّ القادة الشهداء الثلاثة هم من خيرة مقاومي شعبنا، ويشكّلون مزيجاً فريداً مميزا، بدءاً من القائد المؤسس جهاد غنّام، الذي كانت بصمته منذ التأسيس في بناء سرايا القدس ومنظومة المقاومة في قطاع غزة، مروراً بالقائد خليل البهتيني صاحب الكاريزما الفريدة والعقل المبدع، الذي ترك بصمته في منظومات الإعلام المقاوم، وفي قواعد الاشتباك والإقدام منقطع النظر، وليس انتهاءً بالقائد طارق عز الدين، الأسير المحرر المُبعد إلى قطاع غزة، إبن جنين القسام، رفيق خضر عدنان، الناهض من الموت مرات ومرات، قاهر السجان، قاهر السرطان، وقاهر الاحتلال.

للمرة الثانية وبغير إدراك، يوحّد الاحتلال الساحات وهو يسعى لتقسيمها وتفتيتها، في المرة الأولى عند الرد في قطاع غزة بعد جولة الاطلاق الصاروخي التي كانت من لبنان، وهاجم الاحتلال قطاع غزة، رابطاً الساحات ومحمِّلاً قيادة المقاومة المسؤولية، والآن، عندما اختلطت دماء قادة سرايا القدس في قطاع غزة، مع قائد سرايا القدس في الضفة الغربية، في ذات الضربة وذات الاغتيال، يرتقي قادة المقاومة معا، في مصير واحد، بعد أن اتخذوا القرار معا، بأنّ استشهاد خضر عدنان لن يمرَّ مرور الكرام، وكانت رشقات الصواريخ التي راوحت الـ100 صاروخ، تُمطر الغلاف، مؤكدة “وحدة الساحات”.

وهم نجاح الضربة الأولى والتقدير الخاطئ

نجح الاحتلال في ضربته الأولى، وقد استعدّ جيداً قبل تنفيذها، ونفّذ عدداً من المناورات التي كانت غطاءً لاستنفار جنوده وقواه على الحدود الجنوبية والشمالية للكيان، وقد أنجز خططه لإجلاء مستوطني غلاف غزة، ووضع السيناريوهات والرهانات المستندة على فكرة تقسيم الجبهات والاستفراد بجبهة واحدة، وليس ذلك فقط، بل وحتى الاستناد لفرضية تفتيت قوى الجبهة الواحدة، بحيث يستطيع الاستفراد بالجهاد الإسلامي فقط، بمعزل عن باقي قوى المقاومة ومكونات الغرفة المشتركة.

لم يحسب الاحتلال جيدا، ولم يقرأ الضربة التي كانت رداً على اغتيال القائد الشهيد الأسير المضرب خضر عدنان، حيث عاد فيها اسم الغرفة المشتركة حاضراً بقوة، وهو ما يحسم بما لا يدع مجالاً للشك، أنّ المقاومة متوحدة، متفاهمة، متكاملة في التنسيق والفعل والرد

لم يحسب الاحتلال جيدا، ولم يقرأ الضربة التي كانت رداً على اغتيال القائد الشهيد الأسير المضرب خضر عدنان، حيث عاد فيها اسم الغرفة المشتركة حاضراً بقوة، وهو ما يحسم بما لا يدع مجالاً للشك، أنّ المقاومة متوحدة، متفاهمة، متكاملة في التنسيق والفعل والرد، وأنّ الغرفة المشتركة ستبقى الحائط المتين الذي يستند عليه شعبنا والدرع الحامي للحقوق الفلسطينية.

رعب الانتظار

كان واضحاً منذ الساعات الأولى لعملية الاغتيال الجبانة لقادة المقاومة في قطاع غزة، أنّ للمقاومة معادلة مختلفة عن ما توقّعه الاحتلال، فلم تبادر لا سرايا القدس ولا الأجنحة العسكرية الأخرى للقصف الصاروخي، وكان بيان الناطق بإسمها، وعلى غراره بيان الغرفة المشتركة، واضحاً في نقطة واحدة، وهي أنّ المقاومة سترد لا محالة، وفي ذات الوقت ضبابياً حول شكل وتوقيت هذا الرد، تاركة الاحتلال مستنفراً يكتوي بلهيب الانتظار.

المطلوب تلقين العدو درساً بحجم الجريمة، وأن يتمّ تحويل التحدي إلى فرصة، وقلب المعادلة فوق رأس “نتنياهو” وحكومته الفاشية القاتلة

رغم حجم الضربة، إلا أنّ قيادة المقاومة، قد تعاملت مع الحدث بمسؤولية كبيرة، وبتنسيق على أكبر المستويات، فالمطلوب تلقين العدو درساً بحجم الجريمة، وأن يتمّ تحويل التحدي إلى فرصة، وقلب المعادلة فوق رأس “نتنياهو” وحكومته الفاشية القاتلة، وأن لا يُمنح الائتلاف الحاكم صورة النصر التي يبحث عنها لترميم صورته وصورة الردع.

البحث عن نصر في الدماء الفلسطينية

عمد نتنياهو إلى تنفيذ ضربته وسط تقديرات أجهزة أمنه أنّها ستكون ضربة يحقّق فيها ربحاً صافياً ويحصد أهدافاً مجانية، إلا أنّ المقاومة كانت حاضرة، تقرأ وتدرس وترصد وتحلل سلوك الاحتلال، لتضعه اليوم أمام خيارات لن تكون سلسة، فإلى أي حد يستطيع كيان يعاني من أزمات داخلية واقتصاد متراجع، وحكومة غير متجانسة يغلبها المزاودة الداخلية وبحث كل مكون منها عن مصالحه، أن يتحمل رد المقاومة على اختلاف السيناريوهات المحتملة؟.

احتاج نتنياهو أن يذهب إلى احتفالات ما يُسمى بذكرى “الاستقلال” التي تتزامن مع ذكرى نكبة شعبنا الفلسطيني، بصورة المنتصر الذي قضى على المقاومة

احتاج نتنياهو أن يذهب إلى احتفالات ما يُسمى بذكرى “الاستقلال” التي تتزامن مع ذكرى نكبة شعبنا الفلسطيني، بصورة المنتصر الذي قضى على المقاومة، ليتوّجَ هذا المشهد بمسيرة الأعلام في نهاية شهر أيار/مايو الحالي، وهي المسيرة التي كانت شرارة إندلاع معركة سيف القدس التي أطاحت بنتيناهو وحكومته السابقة.

الرد قادم لا محالة، والغرفة المشتركة العنوان

اليوم، بات واضحاً أنّ المقاومة لن تمنح نتنياهو صورة النصر الذي يريد، ولن تسمح بأن تكون دماء شهدائها هي السلّم الذي سيصعد به رئيس وزراء الاحتلال استطلاعات الرأي ويعود يتصدّرها، بعد أن وصلت أسهمهم إلى الحضيض.

ستوجّه المقاومة ضرباتها مجتمعة، وستكون الغرفة المشتركة عنواناً للرد الواضح والصارخ والحاسم على جريمة الاحتلال

حتماً سترد المقاومة على جريمة الاحتلال، والعودة إلى الاغتيالات هي استراتيجية دفعت المقاومة ثمناً باهضاً من التضحيات لوضع حد لها، وردع الاحتلال عن تنفيذها، واليوم وهو يستمرئ العودة إليها وينفّذ جولة اغتيالات بحقّ قادة من الصف الأول، وهو ما يعني أنّ المقاومة ستدخل معركة بأهداف واضحة، لن يحصل نتنياهو على صورة نصره، ولن تقبل بأن يكون خيار الاغتيالات على الطاولة مرة أخرى.

ستوجّه المقاومة ضرباتها مجتمعة، وستكون الغرفة المشتركة عنواناً للرد الواضح والصارخ والحاسم على جريمة الاحتلال، ولن تكون لا ذكرى “استقلال” كيانهم، ولا مسيرة أعلامهم بمعزل عن أفعال المقاومة وصواريخها ونيرانها المنطلقة، ليتحوّل نصر “نتنياهو” الذي سعى لقطفة، إلى هزيمة واضحة ومدوية وستُثبت المقاومة أنّ الساحات مترابطة ومتصلة، وأنّ أوهام تقسيمها والاستفراد بساحة أو فصيل هي ضروب من الخيال.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , ,