“ثأر الأحرار” تُعرّي الكيان ومتزعّميه: قتلُ الأطفال لا يصنع ردعاً
مايو 12, 2023 10:28 ص*سنان حسن
يلخّص كلام أحد المستوطنين الإسرائيليين في مستوطنات غلاف غزة “لا نريد أن نضحك على بعضنا البعض، لقد أصابوا البلاد بالشلل ورغم ضربات الجيش لا تزال الصواريخ تسقط علينا”، حقيقة أنّ العدوان الذي شنّته حكومة الاحتلال على القطاع بذريعة استعادة الردع وإنهاء أي تواجد للمقاومة في القطاع، وأنّه ذرّ للرماد في العيون، بل هو حفلة جنون قادها بنيامين نتنياهو للهروب من الضغوط التي يمر بها على كافة المستويات داخلياً وخارجيا، كما وكشف العدوان من جديد هشاشة الكيان ووهنه وأنّه لا يمكن أن يغادر مربع القتل والإرهاب والإجرام منذ وجوده على أرض فلسطين إلى اليوم، والنقطة الأهم أنّ المقاومة على الرغم من الحصار وآلة الفتك الإسرائيلية الإرهابية، استطاعت أن تفرض معادلات جديدة في الميدان لن يستطيع العدو أن يغيّرها ولو شن آلاف الغارات الجوية على القطاع وأهله المحاصرين.. فإرادة الحياة وعزيمة الانتصار تترسخ مع كل مواجهة مع المحتل.
نعم مع دخول العدوان على قطاع غزة يومه الرابع وانقضاء هول اللحظة الأولى من العملية، التي حاول فيها نتنياهو وأركان حربه التسويق لها على أنّها الضربة القاضية لكل المقاومة في غزة، وأنّه انتصار كبير تحقّق بعد جهد استخباراتي وعسكري ضخم باغتيال ثلاثة من قادة “الجهاد الإسلامي” وعشرة من أطفالهم وعائلاتهم، عاد الانقسام في المجتمع الصهيوني ليظهر من جديد، وإن كان الساسة الإسرائيليون في الصف الأول في الحكومة والمعارضة يتفقون الآن في العدوان على الفلسطينيين، وكل طرف يحاول أن يقنع جمهوره أنّ قراره وخياراته هي الصائبة، فنتنياهو يتفاخر بما قام به من عملية مفاجئة، والمعارضة تهلل بأنّها كانت وراء دفع الحكومة إلى اتخاذ هكذا قرار..
إلا أنّ وسائل الإعلام بدأت بالحديث عن فشل العملية الجديدة التي قام بها نتنياهو، وأنّ اللاءات التي أطلقها في بداية العملية بدأت تسقط واحدة تلو الأخرى، فلا الصواريخ توقفت عن الوصول إلى المستوطنات والمغتصبات الإسرائيلية، بل إنّ بنك أهداف العملية بات مجرد القصف للقصف والقول إنّ الطيران الإسرائيلي ما زال يحلّق في سماء غزة، ولا اغتيال القادة في “الجهاد الإسلامي” منع المقاومة من مواصلة تصديها للعدوان الغاشم والانتقام لقادتها الشهداء، والأهم أنّ العملية الخاطفة التي اعتُقد أنّها ستكون في المتناول، باتت اليوم في “مهبّ الريح” مع إصرار المقاومة وقيادتها على فرض شروطها كاملة (أجلى الاحتلال المئات من مستوطني غلاف غزة بناءً على خطة ”هبّة الريح” التي تمّ إعدادها بالتنسيق مع وزارة جيش العدو، ومعظمُهم سافر إلى فنادق البحر الميت).. إذا، ما الذي تحقّق من وراء هذه العملية؟.
من منظارهم
إنّ من أهم الأهداف التي حقّقها العدوان الجديد على غزة هو توحيد الساسة الإسرائيليين بعد خلاف طويل امتد لأسابيع بسبب التعديلات القضائية، وهذا ما أشار إليه يوسي كلاين في مقال بصحيفة هآرتس، أمس الخميس، تحت عنوان “قتل الأطفال هو الأمر الأكثر توحيداً للإخوة”، حيث بيّن الكاتب أنّ الخلاف الكبير بين نتنياهو ومعارضيه سقط بمجرد تنفيذ الضربة وقتل الأطفال، حيث قال: “لقد سقطت الحواجز ونُسيت الكراهية. لابيد وضع ذراعاً معزية على كتف “بيبي”، غانتس الذي يستند على كتف ماي غولان، متفاجيء لأنّ الكنيست لم تقف جميعها وتنشد بصورة تلقائية نشيد “الأمل”، مبيّنا، أنّ هذه الجريمة البشعة والتي ارتُكبت بدافع القتل، تُعتبر وفق نتنياهو وشركائه أكثر وسيلة لاستعادة الردع المفقود، مضيفا: “قتل الأطفال وقصف المدنيين هي أعمال رادعة وفعالة أكثر من “بنك الأهداف” أكثر من أي محاولة تصفية بُنية الإرهاب بصورة نهائية تماما”.
في ما ذهب جدعون ليفي في “هآرتس” إلى لوم نفسه لأنّه مدح نتنياهو في مقال منذ أيام على عدم انجراره إلى الحرب التي يدعوه إليها حلفاؤه وخصومه رغم معارضة زملائه في الصحفية لما كتب إلا أنّه أصر ونشر ذلك، مبيّناً أنّ نتيناهو أثبت أنّه كالجميع يريد القتل ليبقَ على رأس السلطة حيث قال: “نتنياهو قرر أن يكون بني غانتس ويائير لابيد، إيهود أولمرت وإيهودا باراك. وأنّه سيقصف غزة المكلومة، والمحاصرة والفقيرة، لأنّ هذا هو ما تريده “إسرائيل””.
بدوره، رأى غادي خيتمان، الخبير بالشؤون الفلسطينية بجامعة أريئيل في مقال له بصحيفة يديعوت أحرنوت أنّ مشكلة “إسرائيل” الرئيسية هي بغياب القادة القادرين على اتخاذ القرارات الكبرى والمصيرية، كاشفاً عن ضعف بأداء القادة وخشيتهم من مواجهة جمهورهم وهذا يؤشر على هشاشة المجتمع الإسرائيلي والنظام السياسي القائم عليه بعد 75 سنة من وجود الكيان بقوله: “أي زعيم إسرائيلي ليس مستعداً لاتخاذ قرار حاسم تجاه غزة، سواء كان سياسياً أو عسكريا، بما يدل على ضعف النظام السياسي الإسرائيلي، بغض النظر عن هوية الحكومة”.
طبعا، دون أن ننكر أنّ هناك جزءاً كبيراً في الإعلام الإسرائيلي هلل ورحب بالعدوان الجديد على غزة ولو أدى ذلك إلى قتل الأطفال والأبرياء، وهذا ما ذهبت إليه الباحثة في معهد السياسة ضد الإرهاب ICT ليرام كوبلنتس – شاتنسلر في مقال في صحيفة معاريف، أمس الخميس، بعنوان “المنفعة تفوق الضرر” بقولها: “المحبَطون الثلاثة في عملية “درع ورمح” كانوا يحتلون مواقع أساسية كبيرة في الجهاد الإسلامي، والعمليات التي خططوا لها كان من شأنها أن تؤذي وتقتل مدنيين إسرائيليين كثيرين. وبالفعل، يبدو، بالتالي، أنّ المنفعة من تنفيذ العملية تفوق الضرر اللاحق ولا ينبغي شجب سياسة “إسرائيل” على الحملة الحالية”.
بدوره، اعتبر نفيه درومي في “يديعوت” في مقال بعنوان “درع لنا جميعا” أنّ “الحملة العسكرية الناجحة يمكنها أن تكون بداية مسيرة شفاء للمجتمع الإسرائيلي”، مضيفاً أنّ “”درع ورمح” لم تساهم فقط في المعنويات العامة والردع للجهاد الإسلامي. بل بدأت الخطوة الأمنية الأخيرة في وضع الضمادات على الجراح التي خلقها الاحتجاج – سواء حيال أعدائنا في العالم أم هنا بيننا”. هذا إسرائيليا، ولكن ماذا عن المقاومة وجمهورها وحاضنتها الشعبية كيف كان رأيهم في ما يجري؟.
وحدة المقاومة بمقابل العدو الأوحد
على الرغم من الفارق الكبير في القدرات والمعدات والتقنيات بين المقاومة وجيش الاحتلال، إلا أنّ الأداء الذي قدّمه مجاهدوها في الأيام الأربعة التي مضت، وفي الجولات السابقة، يؤكد أنّ كل هذه الفوارق سقطت وبالضربة القاضية، وما الصواريخ التي استهدفت مستوطنات العمق الصهيوني إلا دليل على ذلك، فهذه المرة تمّ استخدام منظومات مخصصة للصواريخ الباليستية “منظومة مقلاع داوود”، وفي المرة الثانية فشلت هذه المنظومة وكل المنظومات المشغَّلة لحماية أجواء الكيان من إيقاف الصاروخ من الوصول إلى هدفه في مستوطنة روح فوت جنوب “تل أبيب” -كلفة الصاروخ الفلسطيني 5000 دولار والصاروخ الإسرائيلي المعترِض مليون دولار- وهذا يُعدّ نقلة نوعية في مسار المعركة، إذ هدد الناطق باسم سرايا القدس أبو حمزة بأنّ الأيام القادمة حبلى بالمفاجئات للعدو وأنّ المقاومة مستعدة لحرب طويلة ومفتوحة حيث قال: “لدى سرايا القدس وفصائل المقاومة تصميم على رد العدوان”، مؤكداً أيضاً جاهزية المقاومة لتوسيع دائرة النار أكثر وأكثر”. كما واستطاعت المقاومة وفصائلها المحافظة على وحدة الصف ولفظ كل المحاولات التي حاول وما زال الاحتلال وإعلامه تسويقها على أنّ المعركة تستهدف الجهاد الإسلامي فقط دون غيرها من فصائل المقاومة ولعل في بيانات غرفة العمليات المشتركة ونعي كتائب أبو علي مصطفى -الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- مجاهديها دليل واضح على ذلك.
إنّ معركة “ثأر الأحرار” التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في غزة انتقاماً لشهدائها القادة أكدت من جديد أنّ خيار المقاومة ومقارعة العدو هو الخيار الوحيد لتحرير فلسطين وطرد المغتصبين وستؤكد الأيام القادمة أن كل البروباغاندا التي حاول نتيناهو وعصابته المتطرفة تسويقها لن تغير في المعادلات التي رسمتها المقاومة ومجاهدوها.
*كاتب سوري
وسوم :
إعلام العدو, اغتيالات, الجهاد الإسلامي, الردع الإسرائيلي, العدوان على غزة, الغرفة المشتركة, الكيان الصهيوني, المقاومة الفلسطينية, جرائم الاحتلال, حكومة نتنياهو, خطة هبّة الريح, سرايا القدس, سنان حسن, سهم وردع, شهداء فلسطين, صمود, عملية ثأر الأحرار, فلسطين المحتلة, قصف غزة, وحدة الساحات