… الطريق إلى النكبة

التصنيفات : |
مايو 15, 2023 8:50 ص

*نسيب شمس

منذ الحرب العالمية الأولى، التي أعادت تركيب المنطقة بحسب اتفاقية سايكس – بيكو، ووعد بلفور الذي أعطى فلسطين لليهود الموجودين في العالم أجمع، على حساب حقوق الشعب الفلسطيني الموجود فيها أصلا، إلى الحرب العالمية الثانية التي تمخّضت عن إعلان “دولة إسرائيل” على أرض فلسطين. لقد زعم رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الأولى السيد لويد جورج بأنّ: “الأرض المُعطاة إلى اليهود هي أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.

ومع نشأة المنظمة الصهيونية في القرن التاسع عشر في أوروبا، وكان هدفها إقامة وطن قومي لليهود، وكان تيودور هرتزل قد كتب في العالم 1895 ما يلي: “سأخبركم الآن عن الأرض الموعودة… لقد فكرت للحظة في فلسطين، إنّها التي تفرض ذاتها علينا فهي الموطن اليهودي الذي لا يُنتسى كما أنّ اسمها يجذب الكثير من يهود الطبقة الفقيرة… لكن أغلب اليهود ليسوا مشرقيين (Orientaux) هم يسكنون بلداناً أخرى… بالمبدأ فأنا لست ضد فلسطين كما أنّني لست مع الأرجنتين لإنشاء هذا الوطن القومي…”[1]

يُظهر هذا المقتطف أنّ تردداً حصل في البداية في اختيار الأرض التي سينشأ عليها الوطن اليهودي، لكنّ هذا التردد ما لبث أن تلاشى عندما التفّ اليهود حول مؤسس المنظمة الصهيونية تيودور هرتزل بأنّ “فلسطين هي الأرض الموعودة وليس أي أرض غيرها… إنّ يهود روسيا ورومانيا وبلغاريا يلتفّون حول المحرر هرتز “Libérateur Herzl” فهو كموسى الآتي من مديان ليخلص شعبه من العبودية…”[2].

في ما يؤكد حاييم وايزمان في مذكراته، أنّ يهود أوروبا الشرقية كانوا من الطبقة الفقيرة وأنّهم “الذي بُشّروا بفلسطين وباللغة العبرية، ولا شيء آخر غير فلسطين وغير لغة اليهود ودين اليهود وتقاليد اليهود”[3]. في حين أنّ أغنياء اليهود، وجلّهم في أوروبا، فقد نظروا إلى الفكرة على أنّها عمل من أعمال الإحسان لذلك، لم يمانعوا بقبول أي وطن على أي أرض تُقدّم لهم”.

الذي دفع الثمن هو شعب فلسطين، كما يدّعي اليهود أنّهم وحدهم الشعب السامي المتحدّر من سام ابن نوح الذي حصل على بركة ونعمة والده، ويذهب اليهود أبعد من ذلك بزعم أنّ باقي الشعوب، ومنهم العرب، هي سليلة حام ويافث الذين يجب أن يكونوا خداماً لسلالة سام، رغم أنّ العلم الحديث حدّد من هم الساميون

لقد استُغلت كثيرا قضية “معاداة السامية” والتي تقول أنّ اليهود تعرضوا للاضطهاد والتعذيب في المجتمعات التي تواجدوا فيها، ولقد عانى اليهود في الدول الأوروبية، ولكن من دفع الثمن؟، الذي دفع الثمن هو شعب فلسطين، كما يدّعي اليهود أنّهم وحدهم الشعب السامي المتحدّر من سام ابن نوح الذي حصل على بركة ونعمة والده، ويذهب اليهود أبعد من ذلك بزعم أنّ باقي الشعوب، ومنهم العرب، هي سليلة حام ويافث الذين يجب أن يكونوا خداماً لسلالة سام، رغم أنّ العلم الحديث حدّد من هم الساميون.

ورغم كل شيء أصرّت الصهيونية على احتلال فلسطين، وقد قال وايزمان حرفياً: “… كنّا نحن، أصحاب الصهيونية العملية، نؤمن بوجوب احتلال أراضي فلسطين، والعمل على إحياء التقاليد اليهودية بين يهود العالم، وإحياء وتعميم اللغة العبرية، ثم ربط يهود العالم بفكرة وطنهم، ووطنهم هو فلسطين”[4]. ويضيف: “نحن اليهود كنا نسعى لجعل فلسطين وطناً لنا وإقامة مملكة لنا فيها، لقد دعونا الإنكليز إلى حكمها على هذا الأساس ثم جعلنا جامعة الأمم المتحدة تنتدب الإنكليز على فلسطين لهذه الغاية، فنحن الذين أعطينا فلسطين للإنكليز مؤقتاً وليس الإنكليز هم الذين وهبوها لنا…”.

شراء الأراضي

إذا، مشروع المنظمة الصهيونية هو مشروع توطين شعوب يهودية من دولة العالم في أرض فلسطين، ولكن المنظمة الصهيونية مع مطلع القرن العشرين، بدأت بشراء أراضي في فلسطين، لأنّهم رأوا أنّ “وعد بلفور” وحده لا يكفي. وعندما زار حاييم وايزمان فلسطين عام 1907 اشترى من الليدي غراي هيل البريطانية موقعاً مميزاً على جبل طور بـ5000 جنيه إسترليني، ليصير في العام 1918 إلى وضع حجر أساس الجامعة العبرية عليه وكانت الحرب العالمية الأولى لم تضع أوزارها بعد.

رغم حركة شراء الأراضي، كانت مقاومة بيع الأراضي من قِبل الفلسطينيين أقوى، ولم يتمكنوا من شراء سوى 6,5% من أرض فلسطين حتى العام 1947

كما قام الصهاينة بشراء سهل مرج ابن عامر من عائلة سرسق في بيروت، وتحديداً من فكتور سرسق، وذلك بأموال زهيدة.

ورغم حركة شراء الأراضي، كانت مقاومة بيع الأراضي من قِبل الفلسطينيين أقوى، ولم يتمكنوا من شراء سوى 6,5% من أرض فلسطين حتى العام 1947.

لقد أطلق اليهود الكثير من المزاعم والأكاذيب حول حقّهم بأرض فلسطين، وحاولوا امتلاك الأراضي، وأخيراً شنّوا حرب عام 1948 حيث بطشوا بشعب فلسطين بهدف تهجيره، فكانت النكبة الكبرى أو المأساة هي التي حصدت الموجة الكبرى من النزوح، في محاولة لتثبيت أنّ فلسطين أرض بلا شعب. ولكن اليوم، الشعب الفلسطيني يقاوم ويقدّم روايته للتاريخ بدمه ويسجّل أنّ فلسطين لشعبها العربي وأنّ الاحتلال إلى زوال.

*كاتب وباحث لبناني


[1]  Boyer Alain, les origins du sionisme, Press Universsitaire de France, Paris, 1988, p 108.

[2]  Ibid. p 81.

[3] حاييم وايزمن، مذكرات حاييم وايزمن، ترجمة سالم الكاملي، دار الفنون للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ص 15.

[4] مذكرات حاييم وايزمن، المرجع ذاته، ص 23.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , ,