قطار “العودة”
مايو 15, 2023 9:15 ص*حمزة البشتاوي
عام 1906، استُكمل في فلسطين إنشاء عدة خطوط للسكة الحديدية (الترين)، وما زالت الأبنية الخاصة بها شاهدة وصامدة حتى يومنا هذا في عدد من المدن والبلدات الفلسطينية، تقول للجميع، بأنّ الفلسطينيين أصحاب الأرض والحياة والحضارة، كانوا هنا ولا يمكن لأحد أن يلغي أو ينكر وجودهم، مهما مرت السنين ومهما طالت عذابات التهجير القسري واللجوء الدامي المنتشر على خارطة العالم ببالغ الوجع والحنين.
ومن خطوط السكة الحديدية في فلسطين، قبل النكبة، برز خط قطار حيفا – درعا، وخط بئر السبع – غزة – القدس، وخط حيفا – بئر السبع – رفح – اللد، وخط يافا – الغور، وخط عكا – بيروت – طرابلس الذي كان ينطلق من عكا مروراً برأس الناقورة وصور والزهراني وصيدا وبيروت وطرابلس وصولاً إلى سوريا وتركيا وغيرها من البلاد، وقد ساهم هذا الخط بتطوير المدن والبلدات الفلسطينية وبتسهيل حركة السفر للمواطنين والزائرين، إلى أن قامت العصابات الصهيونية، (البالماخ) و(الهاجاناه) بتفجير هذا الخط، بما عُرف في ذلك الوقت بليلة تفجير الجسور.
وتوقف العمل بهذا الخط الرئيسي والحيوي حين وقعت النكبة في العام 1948، ولا زال حتى يومنا هذا متوقفاً عن الحركة والعمل خاصة في النقطة الحدودية الفاصلة بين لبنان وفلسطين حيث يوجد نفق خاص بخط سكة الحديد والقطار الذي يحمل الرمز ع.ب.ط، أي عكا – بيروت – طرابلس، ويبلغ طول النفق الذي شُيّد في العام 1942، 695 مترا، واستغرق بناؤه عاماً كاملاً على أيدي آلاف العمال وخاصة اللبنانيين والفلسطينيين، ويقع جزء منه داخل الأراضي اللبنانية وهذا الجزء أغلقه الإسرائيليون بجدار إسمنتي، وأما في الجانب الفلسطيني فقد أنشأ الإسرائيليون معلماً سياحياً يمكن الوصول إليه بالتلفريك وسط مؤثرات ضوئية وصوتية ومنتزهات وألعاب مائية تُستخدم لجذب السواح وفق دعاية تروّج للمكان بأنّه يحتوي على أجمل قصة حب بين البحر والجبل.
وتوجد على الجهة اللبنانية من النفق لوحة خضراء تشير إلى اتجاه فلسطين جنوباً حيث كانت الطرق والدروب سهلة ويمكن الوصول منها إلى فلسطين بالسيارة أو الباص أو على الدواب أو بالقطار الذي ما زال متوقفاً عن الحركة بين البلدين ولكنّ آثاره ومعالمه موجودة حتى الآن في محطة قطار عكا التي تخدم منطقة لواء عكا والجليل الغربي وصولاً الى نقطة الحدود مع لبنان والتي تبتعد 17 كلم، وبقاء هذه المحطة والخط يساهم في ارتفاع منسوب الأمل واليقين بعودة اللاجئين الفلسطينيين بالقطار إلى ديارهم خاصة في هذه الأيام التي يُحيون فيها الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة وهم يُضيئون شعلة حقّ العودة ويزدادون قناعة بأنّ أصوات أجراس القطار ستُقرع قريباً وسيكونون مرتاحين أكثر بهذا القطار بعد معاناة تهجيرهم أيام النكبة سيراً على الأقدام وسوف يرددون برحلة العودة الممتلئة بدموع الفرح ما قاله الشاعر محمود درويش:
“يا أمّنا انتظري امام الباب/ إنّا عائدون/ هذا زمان لا كما يتخيّلون”.
على أن يسير القطار على خطه المعتاد بمشيئة العائدين كما كان قبل النكبة.
*كاتب وإعلامي
وسوم :
الاحتلال الإسرائيلي, البالماخ, الحدود مع لبنان, العصابات الصهيونية, اللجوء الفلسطيني, الهاجاناه, تلفريك, جنوب لبنان, حقّ العودة, حمزة البشتاوي, فلسطين المحتلة, قطار العودة, قطار فلسطين, محمود درويش, نكبة 48, نكبة فلسطين