75 عاماً على نكبة اللجوء والجوع

التصنيفات : |
مايو 15, 2023 10:04 ص

*وفيق هوّاري – صمود:

اليوم، يكون قد مضى 75 عاماً على قيام الكيان الصهيوني، وبناء كيانه العنصري على الأرض الفلسطينية التاريخية، لم يكن مشروعاً استعمارياً عادياً على شاكلة الاستعمار الغربي في الكثير من البلدان، إذ يتمّ بناء سلطة تمارس سياساتها على أهالي البلد، ويسرق الاستعمار الثروات الطبيعية من البلد.

هنا في فلسطين كان الاستعمار مختلفا، إذ تمّ جلب مجموعات بشرية من قوميات مختلفة ومن شعوب متباينة لا هوية رئيسية لها، تجمعها هوية فرعية تقوم على الأيديولوجيا والدين واعتبار الالتزام الديني شرطاً أساسياً للمواطنة في الكيان الجديد، وأنّ من يختلف بالعقيدة يتحوّل إلى مواطن من درجة أدنى. لم يتمّ الاكتفاء بذلك بل إنّ بناء الكيان الجديد جاء على أنقاض بلد وتهجير القسم الأكبر من شعبه.

ففي عام 1948، قام الكيان الصهيوني على أنقاض تهجير أكثر من 800 ألف فلسطيني بقوة السلاح من أراضيهم وبيوتهم، وعلى أنقاض مسح 531 قرية وبلدة ومدينة من الوجود، وبعد تنفيذ 75 مجزرة دموية راح ضحيتها أكثر من 15000 مواطن ومواطنة فلسطينية، إلى جانب من قُتل في مسيرة الاقتلاع والتهجير بسبب الرصاص والتعب والجوع والحر .

قبل عام النكبة والتهجير القسري، كانت فلسطين الأكثر تقدماً من الناحية الاقتصادية مقارنةً مع الكيانات المحيطة بها. وكان أهالي القرى والبلدات اللبنانية يلجأون إليها للحصول على فرص عمل تؤمّن لهم عيشاً كريما.

الاحتلال أول أسباب فقر اللاجئين

في العام 1948، لجأ نحو 110 آلاف فلسطيني إلى لبنان، رافقهم في مسيرة الهجرة نحو 90 ألف لبناني كانوا يعملون بشكل دائم أو متقطّع في الداخل الفلسطيني.

تشير دراسات أُجريت مؤخراً إلى أنّ نحو 90% من أهالي المخيّمات في لبنان يعانون من الفقر ومن تدني مستوى المعيشة

لكنّ الاحتلال الصهيوني وبناء الكيان دفع أهالي فلسطين إلى حافة الفقر والإفقار.

تشير دراسات أُجريت مؤخراً إلى أنّ نحو 90% من أهالي المخيّمات في لبنان يعانون من الفقر ومن تدني مستوى المعيشة.

لا يختلف اثنان أنّ ارتفاع نسبة الفقر في أوساط اللاجئين يرتبط بحالة الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يشهده لبنان، لكنّ فقرهم ليس وليد الظروف الحالية بل هو حالة مزمنة بدأت مع تهجيرهم من وطنهم عام 1948. من دون أن يعنيَ ذلك أنّ ظاهرة الفقر لم تكن موجودة في فلسطين قبل النكبة بل كانت موجودة شأنها شأن غيرها من المجتمعات ولكن في سياق مختلف.

قبل عام 1948، كان الاقتصاد الفلسطيني واعداً وحسب تقرير لوفتس عام 1946، بلغ الناتج القومي الإجمالي لفلسطين عام 1944 نحو 123 مليون جنيه فلسطيني في حينها، واحتل القطاع الزراعي المرتبة الأولى يليه الصناعة، والتجارة.

عام 1948 طُرد الفلسطينيون من وطنهم وفقدوا وطنهم بالمعنى السياسي والحقوقي، كما فقدوا كل الأصول الثابتة والمنقولة، وكل الموارد المادية وغير المادية التي كانوا يعتمدون عليها في تدبير حياتهم اليومية، أو يستثمروها في إنتاج الثروة الوطنية المتولدة من نشاطهم الاقتصادي والمجتمعي. وكان هناك ممتلكات وأصول تشكّل ملكاً عاماً للدولة. وجاء الاحتلال الصهيوني ليستوليَ على الأملاك العامة والأملاك الخاصة بصفتهما غنيمة حرب وهذه حالة غير مسبوقة في التاريخ الحديث.

أملاك العائدين بأيدي الاحتلال

إنّ الاحتلال الصهيوني والاستيلاء على أملاك الفلسطينيين ومواردهم كان السبب الأول في إفقارهم، وهو المسؤول الأساس عن الحلقة المفرغة لإعادة إنتاج حالة الفقر، ليس لقيامه بالاحتلال والاستيطان فحسب، بل بنهبه أملاك اللاجئين ومواردهم واستثمار ما يملكون من أصول والاستفادة من عائداتها.

في 16 حزيران/يونيو 1948، منعت حكومة الاحتلال الفلسطينيين من العودة إلى بيوتهم وممتلكاتهم، وفي آخر حزيران من العام نفسه، سنّت مرسوماً نصّ على أنّ الحكومة الإسرائيلية هي صاحبة السلطة في تنظيم أملاك اللاجئين وأعطت وزارة الزراعة سلطة التعامل مع كل الأراضي الصالحة للزراعة

القانون الدولي يمنع الاستحواذ على ممتلكات الغير حتى لو ربح أحد طرفي النزاع الحرب ضد الآخر، لكنّ “إسرائيل” لم تلتزم القانون الدولي بل خرقته وسرقت أموال وممتلكات الفلسطينيين.

في 16 حزيران/يونيو 1948، منعت حكومة الاحتلال الفلسطينيين من العودة إلى بيوتهم وممتلكاتهم، وفي آخر حزيران من العام نفسه، سنّت مرسوماً نصّ على أنّ الحكومة الإسرائيلية هي صاحبة السلطة في تنظيم أملاك اللاجئين وأعطت وزارة الزراعة سلطة التعامل مع كل الأراضي الصالحة للزراعة.

وفي العام 1950 والعام 1953، أقرّت مجموعة من القوانين لإضفاء الشرعية على استملاك الأراضي والممتلكات، وأنّ حسابات الفلسطينيبن في المصارف خاصة التجارية صارت ملكاً لـ”إسرائيل”.

خلال مفاوضات “أوسلو” وبحثاً عن حل لمشكلة اللاجئين، أجرى بعض الباحثين دراسات وتقديرات عن القيمة المادية للخسائر في أملاك اللاجئين عام 1948، وجاءت النتائج في التقرير الذي أعدّه ثراي سينيشال وليلى هلال تحت عنوان: “قيمة الخسائر المادية للاجئين الفلسطينيين عام 1948”.  وحسب القيمة آنذاك كالآتي:

1- خسائر الملكية العقارية في المناطق الحضرية والريفية أي منازل ومباني: نحو 2.1 مليار دولار أمريكي.

2- فقدان دخل ووسائل عيش: نحو 82 مليون دولار أمريكي.

3- أغراض وسلع شخصية: نحو 182 مليون دولار أمريكي.

4- ممتلكات تجارية: نحو 345 مليون دولار.

5- ملكيات عامة: نحو  123 مليون دولار.

6- أصول مالية: غير معروفة.

هذه هي الوضعية التي انتهى إليها اللاجئون الفلسطينيون عام 1948، إفقار هيكلي نتج عن فقدان كامل للموارد بسبب الاحتلال، ومصادرته لكل شيء. اقترن ذلك بحالة من اللجوء الصعب معيشياً وإنسانياً إلى لبنان وهو البلد الذي يفتقد أصلاً إلى موارد وثروات طبيعية. وهذا ما أدى إلى إعادة إنتاج وضعية الفقر والحرمان بين اللاجئين مع تأرجح نحو التحسن أو التراجع حسب الظروف التي مرّ بها لبنان، خصوصاً في فترات الحروب والاقتتال الداخلي وأثر ذلك على جميع الأطراف، ولهذه الفترات قراءة لاحقة.


وسوم :
, , , , , , , , , , , ,