“الذئب الأحمر”.. وحشٌ يحاصر ويراقب ويسجّل!
مايو 18, 2023 5:50 ص*منى العمري – صمود:
“إنّ السلطات الإسرائيلية تستخدم أدوات مراقبة متطورة لتعزيز التفرقة والعزل إلى حد كبير وأتمّت نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين”.
(الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار)
ماذا تعرفون عن هذه الأداة؟
“قطيع الذئاب” عبارة عن قاعدة بيانات واسعة للغاية تحتوي على كافة المعلومات المتوفرة عن الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك مكان إقامتهم وأفراد عائلاتهم وما إذا كانوا مطلوبين للاستجواب من جانب سلطات الاحتلال الإسرائيلية.
أما “الذئب الأزرق” فهو تطبيق تستطيع قوات الاحتلال الإسرائيلية الدخول إليه عبر أجهزة الهاتف الذكية والأجهزة اللوحية، ويستطيع أن يعرض فوراً المعلومات المخزّنة في قاعدة بيانات “قطيع الذئاب”.
ويستخدم “الذئب الأحمر” هذه البيانات لتحديد ما إذا كان الشخص يستطيع أن يمرّ عبر الحاجز، ويسجّل أي وجه جديد يمسحه تلقائياً وبيومتريا، ويُمنع الشخص من المرور إذا لم يتوفّر أي سجل له. (1)
أداة لترسيخ السيطرة
نشرت صحيفة “التليغراف” البريطانية تقريراً عن سياسة فصل عنصري جديدة تستخدمها حكومة الاحتلال ضد الفلسطينيين، وبحسب تقرير جديد فإنّ تقنية الذكاء الإصطناعي التي يُطلق عليها إسم “الذئب الأحمر”، لم تكن معروفة من قبل، لكنّها تضيف إلى ترسانة الكيان المتزايدة من إجراءات المراقبة ضد الفلسطينيين. (2)
وفي هذا السياق، أفادت منظمة العفو الدولية بأنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلية تستخدم نظاماً تجريبياً للتعرّف على الوجه يُعرف بإسم “الذئب الأحمر” لتعقّب الفلسطينيين ووضع قيود قاسية على حرية تنقّلهم.
ففي تقرير جديد يحمل عنوان “الأبارتهايد الرقمي”، توثّق المنظمة كيف يشكّل “الذئب الأحمر” جزءاً من شبكة مراقبة ترسّخ سيطرة الاحتلال على الفلسطينيين، وتسهم في الحفاظ على نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) الذي يطبّقه الاحتلال.
ووفق التقرير، فإنّ نظام “الذئب الأحمر” منشور عند الحواجز العسكرية في مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة، حيث يعمل على مسح وجوه الفلسطينيين ويضيفها إلى قواعد بيانات ضخمة للمراقبة من دون موافقتهم.
وتدعم تكنولوجيا التعرّف على الوجه، في كل من الخليل المحتلة والقدس الشرقية المحتلة، شبكة كثيفة من كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة لإبقاء الفلسطينيين تحت المراقبة شبه الدائمة.
ويبيّن تقرير “الأبارتهايد الرقمي” أنّ هذه المراقبة جزء من محاولة متعمّدة من جانب سلطات الاحتلال الإسرائيلية لخلق بيئة عداء وكراهية للفلسطينيين بهدف تقليص وجودهم إلى أدنى حد في المناطق الإستراتيجية.
وإضافة إلى التهديد المستمر باستخدام القوة البدنية المفرطة والإعتقال التعسّفي، يتعيّن على الفلسطينيين الآن مواجهة خطر تعقّبهم بواسطة خوارزمية أو منعهم من الدخول إلى أحيائهم إستناداً إلى معلومات مخزّنة في قواعد بيانات تمييزية للمراقبة. (١)
كيف تعمل هذه الأداة؟
يركز تقرير الأبارتهايد الآلي على الخليل والقدس الشرقية المحتلتين لأنّهما المدينتان الوحيدتان في الأراضي الفلسطينية المحتلة اللّتان تقع داخل حدودهما مستوطنات صهيونية.
ويستند التقرير إلى الأدلة التي جُمعت خلال البحوث الميدانية التي أُجريت عام 2022، ومن ضمنها مقابلات مع السكان الفلسطينيين وتحليل للمواد المستقاة من المصادر المفتوحة وشهادات أدلى بها أفراد عسكريون إسرائيليون حاليون وسابقون.
وقد وفّرت هذه الشهادات المنظمة الإسرائيلية كسر الصمت (Breaking the Silence)، واستُخدمت الشهادات لتأييد النتائج التي توصلت إليها منظمة العفو الدولية حول كيفية توظيف سلطات الاحتلال الإسرائيلية أنظمة التعرّف على الوجه.
عندما يمرّ فلسطيني عبر حاجز إسرائيلي يشغِّل نظام “الذئب الأحمر”، يُمسح وجهه بدون علمه أو موافقته، ويقارَن بالسجلات البيومترية الموجودة في قواعد البيانات التي تتضمن حصراً معلومات حول الفلسطينيين.
ويُوسّع “الذئب الأحمر” قاعدة بياناته لوجوه الفلسطينيين بمرور الوقت.
ووفقاً لشهادة أدلى بها قائد عسكري إسرائيلي، لمنظمة “كسر الصمت” في الخليل المحتلة، اتّضح أنّ الجنود يُكلَّفون بتدريب خوارزمية التعرّف على الوجه الخاصة بـ”الذئب الأحمر” وتحسينها إلى أقصى حد حتى تستطيع البدء بالتعرّف على الوجوه بدون تدخل الإنسان.
فعلى سبيل المثال، قال جنديان كان مركزهما في الخليل عام 2020: “إنّ تطبيق “الذئب الأزرق” يولّد تصنيفات بحسب عدد الفلسطينيين المسجّلين، ويقدّم القادة العسكريون الإسرائيليون جوائز إلى الكتيبة التي تسجّل النتيجة الأعلى. وبهذه الطريقة يُحفَّز الجنود الإسرائيليون على إبقاء الفلسطينيين تحت المراقبة المستمرة”. (3)
العين على الخليل والقدس المحتلتين
لقد وصف جيش الاحتلال الإسرائيلي الخليل المحتلة بأنّها “مدينة ذكية”، فالحقيقة هي أنّ الشوارع مليئة بكاميرات المراقبة المركّبة على جوانب الأبنية وأعمدة الإضاءة وأبراج المراقبة وأسطح الأبنية، ما يضاعف من التفرقة والعزل الشديدين أصلاً السائدين في الخليل.
كما حددت منظمة العفو الدولية أماكن وجود كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة في مختلف أرجاء منطقة مساحتها 10 كيلومترات مربعة في القدس الشرقية المحتلة، ومن ضمنها البلدة القديمة والشيخ جرّاح، وعثرت على كاميرا واحدة أو اثنتين في كل خمسة أمتار.
وقد استهدفت سلطات الاحتلال الإسرائيلية مواقع ذات أهمية ثقافية وسياسية بأدوات مراقبة جديدة، مثل مدخل باب العامود المؤدّي إلى البلدة القديمة الذي لا يزال منذ وقت طويل مكاناً لتجمّع الفلسطينيين واحتجاجاتهم.
وفي حيَّيْ الشيخ جرّاح وسلوان، ازداد عدد كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة زيادة ملموسة في أعقاب احتجاجات 2021 ضد الإخلاء القسري للعائلات الفلسطينية لإفساح المجال أمام المستوطنين. (4)
مخالفة القوانين الدولية والمعايير الإنسانية
تدعو منظمة العفو الدولية الكيان إلى “فرض حظر عالمي على تطوير وبيع واستخدام تكنولوجيا التعرّف على الوجه لأغراض المراقبة”.
حيث تنتهك هذه المراقبة الجماعية “الحقوق في الخصوصية والمساواة وعدم التمييز”، كما أنّ لها تأثيراً سلبياً على الحقَّيْن في حرية التعبير وحرية التجمّع السلمي من خلال ردع الفلسطينيين عن الإحتجاج ومفاقمة مناخ من الخوف والقمع.
وفي هذا الإطار، قالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار: “يتعيّن على شركتي هيكفيجن وتي كي إتش للأمن أن تلتزما بضمان عدم استخدام تكنولوجياتهما للحفاظ على نظام الفصل العنصري الذي تطبّقه “إسرائيل” ضد الفلسطينيين، أو لترسيخه أكثر من ذلك”.
وأضافت: “يجب عليهما أن تتوقفا عن توريد أي تكنولوجيات تستخدمها السلطات الإسرائيلية للحفاظ على المستوطنات غير القانونية، التي تُعدّ جرائم حرب بموجب القانون الدولي، وأن تضمنا بيعها منتجاتها فقط للعملاء الذين يتقيدون بحقوق الإنسان”.
وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، يجب الإثبات بأنّ تدخّل الدولة بالحقّ في الخصوصية يجب أن يكون بشكل يمكن إثباته وسيلة ضرورية ومتناسبة للتعامل مع هدف مشروع. وإنّ استخدام “اسرائيل” للمراقبة ضد الفلسطينيين لا يستوفي هذه المعايير؛ كما أنّه يساعد على تقييد حرية التنقّل في سياق احتلال مطوّل، واستيطان وضمّ غير قانونيين، ويُرسّخ عزل الشعب الفلسطيني وتفرقته وشرذمته، مفضياً في نهاية المطاف إلى الحفاظ على نظام الفصل العنصري الذي يطبّقه الاحتلال الصهيوني. (3)
المصادر المتعلّقة:
وسوم :
أنياس كالامار, الأبارتهايد, الاحتلال الصهيوني, الخليل, الذئب الأحمر, الذئب الأزرق, الشعب الفلسطيني, الضفة الغربية, القدس, المناطق الاستراتيجية في فلسطين, جنود الاحتلال, حي الشيخ جرّاح, صمود, قطيع الذئاب, كسر الصمت, منظمة العفو الدولية, منى العمري