ثنائية الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والتيار الثالث المقاوم

التصنيفات : |
مايو 19, 2023 6:12 ص

*أحمد الطناني – غزة:

شكّلت جولة المواجهة بين المقاومة في قطاع غزة وجيش الاحتلال والتي حملت اسم “ثأر الاحرار” محطة مفصلية مهمة بالعديد من تفاصيلها وطبيعة إدارة الاشتباك والمواجهة فيها، بعد مباغتة الاحتلال للمقاومة بعدوان غادر استهدف القيادة العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي.

منذ الساعات الأولى لبدء المقاومة بردّها الواسع على الجريمة الصهيونية، كان مقاتلو كتائب الشهيد أبو علي مصطفى على عهد الوفاء مع رفاق السلاح والمقاومة، حيث انطلقت وحدات المدفعية والصاروخية في الكتائب لمرابضهم تجهيزاً لمساهمة أبناء جبهة الكادحين في معادلة الرد والاشتباك مع الاحتلال الغازي.

توالت الأخبار عن ضربة من طيران الاحتلال لمجموعة مقاومين شرق خان يونس، تلتها بعد ساعات مجموعة أخرى شرق رفح، ليتضح أنّ كلا المجموعتين هما من مقاتلي كتائب الشهيد أبو علي مصطفى، التحق بهم في ما بعد قائد ميداني آخر في المحافظة الوسطى، ليكون كلاً من محمد أبو طعيمة وعلاء بركة وعلم عبد العزيز وأيمن صيدم، وعدي اللوح على عهد الشهادة ملتحقين بركب قادة سرايا القدس، حاملين لواء المواجهة دون تراجع أو استسلام.

لا تتمتع الجبهة الشعبية بماكينة إعلامية قوية، ولا بمنظومات واسعة لصنع الرأي العام كغيرها من الأحزاب والفصائل، ولا تمتلك توجهات ولا أدوات التضخيم الإعلامي لفعلها، أو إن جاز التعبير فهي تظلم فعلها وفعل رفاقها بفقر منظومتها الإعلامية وأدواتها في التسويق،

لا تتمتع الجبهة الشعبية بماكينة إعلامية قوية، ولا بمنظومات واسعة لصنع الرأي العام كغيرها من الأحزاب والفصائل، ولا تمتلك توجهات ولا أدوات التضخيم الإعلامي لفعلها، أو إن جاز التعبير فهي تظلم فعلها وفعل رفاقها بفقر منظومتها الإعلامية وأدواتها في التسويق، إلا أنّها تمتلك صلابة الموقف والفعل والبوصلة الواضحة.

لا يوجد أصدق إنباءً من الدماء، الدماء التي امتزجت في معركة غير متكافئة مع ترسانة عسكرية كبرى لاحتلال مجرم، إلا أنّ العزيمة والإرادة تواجه أعتى آلات الإجرام وأكثرها بطشا، فكان التحام دماء أبطال سرايا القدس وكتائب أبو علي، التعبير الأوضح حول أهمية وقيمة التقارب بين القوتين السياسيتين المقاومتين، الأكثر تأثيراً في المشهد الفلسطيني بعد كلٍ من حركتي حماس وفتح.

علاقة قديمة متجددة ومتجذرة

التقارب بين حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية ليس حدثاً جديدا، فهي علاقة ممتدة إلى سنوات طويلة خلت، بدأت مع إنطلاق حركة الجهاد الإسلامي والتقاء الشهيد فتحي الشقاقي مع الحكيم جورج حبش وتعززت تدريجياً مع تقادم الوقت والفعل والتلاقي المستمر للمواقف السياسية المبدئية، اللذين ترسّخا منذ أوسلو إلى يومنا الحالي.

لطالما رأى الشعب الفلسطيني في كلٍ من الجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي القوتين الأكثر قدرة على إحداث تغيير في المشهد الفلسطيني المنقسم، ويرفع الشعب الفلسطيني من سقف توقعاته تعويلاً على قوتين يترفعان عن السلطة ويتنزهان عن خطاب المصالح، ولهما بوصلة واضحة.

مثّل الإنخراط الدائم لكتائب الشهيد أبو علي مصطفى بشكل فاعل في جولات القتال دليل على حجم الالتزام الجبهاوي بالتكامل في معادلات المواجهة والاشتباك مع رفاق السلاح والمقاومة، وقد قفزت هذه العلاقة إلى الأمام قفزات نوعية مع امتزاج الدماء والتضحية خلال معركة “ثأر الأحرار”

هذه العلاقة تعززت بوضوح خلال جولات القتال والمواجهة التي خاضتها سرايا القدس/ الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في السنوات الأخيرة، حيث مثّل الإنخراط الدائم لكتائب الشهيد أبو علي مصطفى بشكل فاعل في جولات القتال دليل على حجم الالتزام الجبهاوي بالتكامل في معادلات المواجهة والاشتباك مع رفاق السلاح والمقاومة، وقد قفزت هذه العلاقة إلى الأمام قفزات نوعية مع امتزاج الدماء والتضحية خلال معركة “ثأر الأحرار”.

حيث تلى انقشاع غبار المعركة، إشادة واسعة من حركة الجهاد الإسلامي بالفعل الجبهاوي المساند خلال معركتهم الأخيرة، إضافة لتفاعل واسع لوفود التنظيمين في بيوت عزاء الشهداء، والجولات الميدانية التي تلاقت فيها الوفود القيادية والمفاصل التنظيمية لأرباب الدم والشهادة في قيادتي “الجهاد” و”الشعبية”، تعززت بكلمات أعضاء المكتب السياسي لـ”الجهاد الإسلامي” في مهرجانات تأبين شهداء كتائب الشهيد أبو علي مصطفى.

إنّ اللقاء بين الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي ونائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وإن لم يكن الأول، إلا أنّ توقيته ومستواه كان لافتاً ليؤخذ بالاعتبار كإشارة واضحة حول حجم الالتقاء بين القوتين التي يشكّل تلاقيهم وزناً لا يمكن تجاوزه.

المقاربات المشتركة

تشترك كلٌّ من حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في العديد من المقاربات السياسية والكفاحية المشتركة خصوصاً على الصعيد الاستراتيجي، التي تجعل التلاقي السياسي وآفاق التفاهم والتكامل أوسع، حيث ينسجم كلاهما في الموقف خصوصاً بعد تعديل الجبهة الشعبية لبرنامجها السياسي وإزاحة الهدف التكتيكي عن الطاولة، والإبقاء على الهدف الاستراتيجي المتمسك بفلسطين كاملة من نهرها إلى بحرها، دون تجزيء أو تقسيم أو تنازل.

يلتقي الطرفان في الموقف من السلطة، حيث يرفض كلاهما الانخراط في السلطة ومؤسسات الحكم، والترفع عن المواقع الحكومية، والتمسك بموقع المعارضة

يلتقي الطرفان في الموقف من السلطة، حيث يرفض كلاهما الانخراط في السلطة ومؤسسات الحكم، والترفع عن المواقع الحكومية، والتمسك بموقع المعارضة، مع الفارق الوحيد هو أنّ الجبهة الشعبية قد شاركت في الانتخابات وكانت جزءاً من المجلس التشريعي، في ما ترفض الجهاد الإسلامي حتى هذه المشاركة.

نقطة التقاء أخرى، وهي الموقف من الاشتباك والمواجهة، حيث يؤمن كلا التنظيمين أنّ معادلة الاشتباك يجب أن تكون مفتوحة، وأنّ الإبقاء على جذوة المواجهة مشتعلة هو مهمة وطنية يجب أن لا تتوقف وأن لا تخضع لحسابات ضيقة فئوية أو مصلحية.

الأهمية الاستراتيجية للتلاقي والتكامل

يشكّل الانسجام والتكامل لتنظيمين بحجم وتأثير الجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي فرصة مهمة لبناء تيار وطني ثالث مقاوم لم يتلوث بمعادلة السلطة أو المصالح الضيقة، ولم يخضع لحسابات الانقسام، بل يتولى مهمة التأسيس لطريق ثالث يقدّم خياراً جاداً للشعب الفلسطيني بعيداً عن مسارات اكتوى بنارها لسنوات طويلة وبقي شعبنا رهينة لحساباتها الضيقة.

الشعب الفلسطيني أحوج ما يكون في هذا المنعطف التاريخي، إلى مثل هذا الالتقاء الذي يحتاج إلى أن يتطور ويتقدّم ليكون عماداً للتيار الثالث القائم على استراتيجية وطنية مقاومة تهدف لاستعادة البوصلة وإعادة الاعتبار لزخم الاشتباك مع الاحتلال ومشروع التحرير الوطني الفلسطيني، واستعادة وإصلاح المؤسسات التمثيلية الفلسطينية وفي المقدمة منها منظمة التحرير الفلسطينية لتعود باعتبارها قائدة للمشروع الوطني الفلسطيني الجامع.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,